Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 1-9)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { حـمۤ * تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } - إلى قوله - { ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } . قد تقدم القول في حم . وقوله : { تَنزِيلٌ } ، أي : هو تنزيل ، يعني : هذا القرآن تنزيل من الله الرحمن الرحيم على عبده محمد صلى الله عليه وسلم . ثم قال : { كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } ، أي : هو كتاب فصلت آياته بالحلال والحرام ، والفرائض والأحكام . وهو قول قتادة . ( وقال الحسن ) : فصلت بالوعد والوعيد . وقال مجاهد : فصلت : فسرت . وقيل : " كتاب " ارتفع على أنه خبر لتنزيل . وقيل : معنى فصلت آياته : أنزلت شيئاً بعد شيء ، ولم تنزل إلى الدنيا مرة واحدة . ثم قال تعالى : { قُرْآناً عَرَبِيّاً } ، نصب " قرآناً على الحال ، أي : فصلت آياته في حال جمعه ، وقيل : نصبه على المدح ، والمعنى أنه ليس بأعجمي بل هو عربي . وهذا يدل على بطلان قول من قال : إن فيه من لغة العبرانية والنبطية ما لم تعرفه العرب . بل الذي فيه من ذلك قد أعربته العرب وغيرته بلسانها فصار من لغتها . ( فصار كل ) القرآن عربياً . ويدل أيضاً هذا على بطلان قول من قال : إن فيه معاني باطنة لا تعلمها العرب فكيف ينزل بلغتها وهي لا تفهمه . ثم قال تعالى : { بَشِيراً وَنَذِيراً } ، أي : يبشرهم - إن آمنوا وعملوا بما أمروا - بالخلود في الجنة وينذرهم - إن عصوا أو كفروا - بالخلود في النار . وقوله : { لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } ، معناه : لقوم يعقلون ما يقال لهم . وهذا يدل على أن الله جل ذكره إنما خاطب العقلاء البالغين ، وإن من أشكل عليه شيء من أمر دينه وجب عليه أن يسأل من يعلم . ثم قال تعالى : { فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } ، أي : فأعرض كثير منهم عن الإيمان واستكبروا عن قبول ما جاءهم به محمد عليه السلام ؛ فهم لا يصغون له فيسمعون ما فيه ، استكباراً . وقيل : معنى لا يسمعون ، لا يقبلون ما جاءهم من عند الله عز وجل . " ويروى أن قريشاً اجتمعت في أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم عتبة بن ربيعة - وكان مقدماً في قريش ، قد قرأ الكتب وقال الشعر وعرف الكهانة والسحر - أنا أمضي إلى محمد فاستخبر أمره لكم . فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند المقام بمكة ، فقال : يا محمد ، إن كنت فقيراً جمعنا لك من أموالنا ما نغنيك به ، وإن أحببت الرياسة رأسناك علينا … وعدد عليه ، والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت . فلما فرغ عتبة من كلامه قرأ النبي صلى الله عليه وسلم : " { بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ حـمۤ * تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } - إلى - { فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } ، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ } - حتى بلغ - { وَثَمُودَ } ، فلما سمع عتبة ذلك وثب خائفاً فوضع يده على فم النبي صلى الله عليه وسلم وناشده بالرحم إلا سكت ، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ، وانصرف عنه إلى منزله ، وأبطأ على قريش . فقالت قريش : صبأ عتبة إلى دين محمد ! امضوا بنا إليه . فجاؤوا منزل عتبة فدخلوا وسلموا وسألوه . فقال : يا قوم ، قد علمتم أني من أكثركم مالا وأوسطكم حسباً ، وأني لم أترك شيئا إلا وقد علمته وقرأته وقلته ، والله يا قوم ، لقد قرأ علي محمد كلاماً ليس بشعر ( ولا رجز ) ولا سحر ولا كهانة ، ولولا ما ناشدته الرحم ووضعت يدي على فمه لخفت أن ينزل بكم العذاب " . قال أبو محمد : وهذا يدل على إعجاز القرآن ، فلو كانوا يقدرون على مثله أو على شيء منه لعارضوه به ولاحتجوا عليه بذلك . ثم قال تعالى : { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيۤ أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ } ، أي : وقال المشركون لمحمد صلى الله عليه وسلم : قلوبنا في أوعية قد تغطت بها فلا تفهم عنك ما تقول لها كقول اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم : قلوبنا غلف وواحد الاكنة كنان . { وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ } ، أي : صمم ، فلا تسمع منك ما تقول كراهة لقولك . قال مجاهد : في أكنة : " كالجعبة للنبل " ، وقال السدي : في أكنة : في أغطية . ثم قال تعالى : حكاية عنهم : { " وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } " ، أي : حاجز فلا نجامعك على شيء مما تقول ، نحن نعبد الأصنام وأنت تعبد الله سبحانه . فهذا هو الحاجز الذي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم . ثم قالوا له : { فَٱعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ } ، أي : فاعمل يا محمد بدينك ، إننا عاملون بديننا ، ودع ما تدعونا إليه من دينك وندع دعاءك إلى ديننا . وقيل : المعنى : فاعمل في هلاكنا وضرنا إنا عاملون في مثل ذلك منه . ثم قال الله جل ذكره لنبيه عليه السلام : قل لهم يا محمد جواباً لهم على قولهم لك : { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } " ، أي : إنما أنا من ولد آدم مثلكم في الصورة والحال ، أوحى الله عز وجل إلي أن معبودكم الذي تجب له العبادة والخضوع واحد لا إله غيره . { فَٱسْتَقِيمُوۤاْ إِلَيْهِ } ، أي استقيموا على عبادته ولا تعبدوا غيره . { وَٱسْتَغْفِرُوهُ } على ما سلف من فعلكم في عبادتكم الأصنام من دونه وتوبوا إليه من ذلك . ثم قال تعالى : { وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } ، أي : ( وقيوح ) وصديد أهل النار لمن ادعى أن لله شريكاً لا إله إلا هو . وقوله : { ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } ، ( معناه : الذين لا يعطون لله طاعة تطهرهم من الذنوب وتزكي أعمالهم ، وهذا معنى قول ابن عباس وروي عنه أنه قال : الذين لا يؤتون الزكاة ، أي ) : لا يشهدون ألا إله إلا الله . وقال عكرمة : معناه : الذين لا يقولون لا إله إلا الله . وقال قتادة : معناه : الذين لا يقرون بفرض زكاة أموالهم ولا يؤمنون بفرض ذلك عليهم ، وكان يقال : إن الزكاة قنطرة الإسلام ، فمن قطعها نجا ، ومن تخلف عنها هلك ، وقد قاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه أهل الردة على منعهم الزكاة مع إقرارهم بالصلاة . وقال رضي الله عنه : والله لو منعوني عقالاً مما فرض الله ورسوله لقاتلتهم عليه . قال السدي : لو زكوا وهم مشركون لم تنفعهم . وروى نافع عن ابن عمر : الذين لا يؤتون الزكاة : التوحيد . وقال الربيع بن أنس : معناه ، الذين لا يزكون أعمالهم فينتفعون بها . قال الحسن : " عظم الله عز وجل شأن الزكاة فذكرها . فالمسلمون يزكون والكفار لا يزكون ، والمسلمون يصلون والكفار لا يصلون " . وقال الزجاج : معناه : لا يؤمنون بأن الزكاة حق واجب عليهم . ثم قال تعالى : { وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } ، أي : وهم مع تركهم لإخراج زكاة أموالهم وكفرهم بأن الزكاة واجبة لا يصدقون بالبعث والجزاء . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } ، أي : إن الذين صدقوا / الله ورسوله وعملوا بما أمرهم الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وانتهوا عما نهوا عنه لهم الجنة . قال ابن عباس : غير ممنون : غير منقوص ، وقال مجاهد : " غير محسوب " . وقيل : غير مقطوع ، بل نعيمهم أبداً لا ينقطع . يقال : ( مننت الحبل ) إذا قطعته ، ( وقد منه السفر إذا ) قطعه . وقيل معناه : لهم أجر لا يمن عليهم به من أعطاهم إياه ، لأنه قد وعدهم به ، ووعده تعالى ذكره حق عليه إتمامه . فلا منة تلحقهم في إتمام ما وعدهم به . ثم قال تعالى : { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } . هذا تقرير وتوبيخ للمشركين . والمعنى : أتكفرون ( بالله الذي ) ابتدع خلق الأرضين السبع في يومين . { وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً } ، أي : أمثالاً تعبدونهم ( من دون الله ) { ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } ، أي : الذي ابتدع خلق الأرضين السبع في يومين مع غلظها وعظمها ، وطولها وعرضها ، وثبتها تحت أقدام الخلق حتى تصرفوا عليها ، فهو خالق جميع الخلق ومالكهم ، وله تصلح العبادة لا لغيره ، واليومان هما : يوم الأحد والإثنين . قال النبي صلى الله عليه وسلم لليهود حين سألوه عن ذلك : " خلق الله الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين ) وخلق الجبال وما فيهن من منافع يوم الثلاثاء وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب . فهذه أربعة أيام " وهو قوله " { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } " ، أي : لمن سأل عن ذلك . " وسواء " مصدر عند سيبويه ، أي : استوت استواء . وقد ( قرئ " سواء " ) بالخفض على النعت لأربعة أيام ، رويت عن الحسن على معنى مستويات ومثله : رجل عدل ، أي عادل . وقرأ أبو جعفر بالرفع على معنى : هي سواء .