Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 10-11)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { " وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا } - إلى قوله - { طَآئِعِينَ " } . أي : وجعل في الأرض جبالاً تثقلها أن تميل ) بمن فوقها ، وذلك يوم الثلاث على ما تقدم ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم . وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لليهود حين سألوه : " وخلق يوم الخميس السماء ، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات ( بقين ) منه ، ( فخلق في أول ساعة من الثلاث : الآجال حين يموت من مات ) ، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس ، وخلق في الثالثة آدم وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له ، وأخرجه منها في آخر ساعة " . وروي عنه صلى الله عليه وسلم " أن اليهود قالت له بعدما أجابهم بهذه الجوابات ، ثم ماذا يا محمد ؟ قال : ثم استوى ( على ) العرش قالوا ( قد أصبت ) لو أتممت فقلت : ثم استراح ! فغضب النبي صلى الله عليه وسلم من قولهم غضباً شديداً وأنزل الله عز وجل عليه : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ * فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } " . وقال ابن عباس : خلق الله يوماً واحداً سماه الأحد ، ثم خلق ثانياً سماه الأثنين ، ثم خلق ثالثاً سماه الثلاثاء ، ثم رابعاً ( سماه الأربعاء ) ، ثم خامساً سماه الخميس . قال : فخلق الله عز وجل الأرض في يومين الأحد والأثنين ، وخلق الجبال يوم الثلاثاء - فلذلك يقول الناس : هو يوم ثقيل - وخلق الأنهار والأشجار يوم الأربعاء ، وخلق الطيور والوحوش والهوام والسباع يوم الخميس ، وخلق الإنسان - وهو آدم - يوم الجمعة ففرغ من خلق كل شيء يوم الجمعة . وقال أبو هريرة : " أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال : " خلق الله عز وجل التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد ، وخلق الشجر يوم الاثنين ، وخلق المكروه ، يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء ، وبث الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر خلق في آخر ساعة من يوم الجمعة " ، وعن ابن عباس وعبد الله بن سلام أنهما قالا : ابتدأ الله جل ذكره خلق الأرض يوم الأحد ، فخلق سبع أرضين في يوم الأحد ويوم الإثنين ، ثم جعل في الأرض رواسي ، وشق الأنهار ، وخلق الأشجار ، وجعل المنافع في يومين : يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ، ثم استوى إلى السماء فجعلها سبع سماوات في يوم الخميس ويوم الجمعة . قال ابن عباس : ولذلك سميت يوم الجمعة لأنها اجتمع فيها الخلق . قال ابن سلام : فقضاهن سبع سماوات في آخر ساعة من يوم الجمعة ، ثم خلق آدم فيها على عجل وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة . قال مجاهد : كل يوم كألف سنة مما تعدون . قال بعض العلماء : لو أراد الله تعالى ذكره لخلقها كلها في وقت واحد ، ولكنه أراد ما فيه الصلاح ، وذلك لتتبين ملائكته أثر الصنعة شيئاً بعد شيء فتزداد في بصائرها . وقوله تعالى / { وَبَارَكَ فِيهَا } ، معناه : جعلها دائمة الخير لأهلها . وقال السدي : بارك فيها ، أي أنبت شجرها . وقيل : معناه : زاد فيها من صنوف ما خلق من الأرزاق وثبته فيها . والبركة : الخير الثابت . وقوله : { وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا } ، أي قدر فيها أرزاق أهلها ومعايشهم قاله الحسن وابن زيد . وقال قتادة : أقواتها : صلاحها . وعن قتادة أيضاً : وقدر فيها أقواتها ، أي : خلق فيها جبالها وأنهارها وبحارها وشجرها وساكنها من الدواب كلها . وقال مجاهد : وقدر فيها أقواتها ، يعني : من المطر ( الذي به تنبت ) الأقوات لجميع الخلق . وقال عكرمة : " وقدَّر فيها أقواتها " ، معناه : قدر في كل بلد منها ما لم يجعله في الآخر منها ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة من بلد إلى بلد ، ينقل من بلد إلى بلد ما ليس في أحدهما من المتاع والطعام وغيره . وروي مثل هذا عن مجاهد أيضاً ، وهو قول الضحاك . وقوله : { فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ } ، أي : خلق ( ذا وذلك ) في أربعة أيام ؛ أي : خلق الأرض والجبال ، وبارك في الأرض وقدر فيها أقواتها ، كل ذلك خلقه في أربعة أيام ، أولها يوم الأحد ، وآخرها يوم الأربعاء . وقد غلط قوم فأضافوا أربعة أيام كاملة إلى اليومين المتقدمين . وهذا كقولك : بنيت الدار في يومين وأتممتها وفرغت من جميع إصلاحها في ثمانية أيام ، فاليومان داخلان في الثمانية وبهما تمت الثمانية ( لأنها ) ( كلها كشيء ) واحد كما كانت الأرض وما فيها من مصالحها شيئاً واحداً . فدخلت العدة الأولى في الثمانية . ولو قلت : اشتريت الدار في يومين ، والعبيد والثياب في أربعة أيام ، لم تدخل اليومان في الأربعة لاختلاف أنواع المشترى ، ولا يكون ذلك إلا ستة أيام . فاعرف الفرق . وقوله : { سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } " ، أي : سواء لمن سأل عن مبلغ الأجل الذي خلق الله فيه الأرض والجبال والشجر والأنهار والبحار وقدر الأقوات وغير ذلك من المنافع ، قاله قتادة والسدي ، وهو معنى قول ابن عباس . وقيل : معناه : سواه لمن سأل ربه شيئاً مما به الحاجة إليه من الأرزاق ، فإن الله قدر له من الأقوات في الأرض على قدر مسألته ، وكذلك قدر لكل سائل ؛ قاله ابن زيد . وقال الفراء : في الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير : وقدر فيها أقواتها سواء للمحتاجين . وإليه نزع ابن زيد في قوله . وهو اختيار الطبري . فالمعنى : وقدر فيها أقواتها سواء لسائليها على ما بهم الحاجة إليه وما يصلحهم ، وقد تقدم الكلام في إعراب " سواء " وقراءته . ولو شاء جل ذكره لخلق جميع ذلك وأضعافه في وقت واحد ، وهو الوقت الذي لا وقت أسرع منه ، ولا أقل تقضياً منه ، فهو على ذلك قادر ، وإنما خلق جميع ذلك شيئاً بعد شيء لتستدل ملائكته استدلالاً بعد استدلال على قدرته . والله أعلم بذلك . ثم قال تعالى : { " ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ } ، أي : ثم ارتفع إلى السماء ارتفاع قدرة لا ارتفاع نقلة . " وهي دخان " ، روي أن الدخان كان من تنفس السماء . { فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } ، أي : قال لهما جيئا بما خلقت فيكما . أما أنت يا سماء فأطلعي ما خلقت فيك من الشمس والقمر والنجوم ، وأما أنت يا أرضي فأخرجي ما خلقت فيك من الأشجار والثمار والنبات وتشقق عن الأنهار ، فقالتا : أتينا طائعين بما أحدث فينا من خلقك ؛ هذا معنى ما روى مجاهد عن ابن عباس . ومعنى إخباره تعالى عن السماء والأرض بالقول أنه جعل تبارك وتعالى فيهما ما يميزان به ويجيبان عما قيل لهما وذلك لا يعجزه تعالى إذا أراده . وقال المبرد : هذا إخبار عن الهيئة ، أي : صارتا في هيئة من قال ذلك بتكوينه تعالى لما أراد فيهما ، كقول الشاعر : امتلأ الحوض ، وقال : قطى ، أي : صار في هيئة من يقول ذلك . وقيل : معناه أنه أخبرنا الله ( عز وجل ) بما نعرف من سرعة الإجابة فخبر عن السماوات والأرض بسرعة التكوين على ما أراد وأما قوله : { طَآئِعِينَ } ، فقال الكسائي معناه : أتينا بمن فينا طائعين . وقيل : إنما جاء ذلك بالياء والنون لأنه أخبر عنهما كما يخبر عمن يعقل من الذكور فجاء على لفظ الإخبار عمن يعقل . قال ابن عباس : خلق الله الأرض أولاً ، ثم خلق السماء ، ثم دحا الأرض ، فلذلك قال : { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [ النازعات : 30 ] . قال وهب بن منبه : خلق الله تعالى الريح فسلطها على الماء فضربت الماء حتى صار أمواجاً وزبداً ، فجعل يفور من الماء دخان ويصعد في الهواء ، فأمر الله تبارك وتعالى الزبد فجمد فمنه الأرض ، وأمر الأمواج فجمدت فجعلها جبالاً رواسي ، { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ / فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ } " . وكانت السماء ملتصقة بالأرض فأمرها فارتفعت من الأرض على الهواء . { وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا } . وقال للسماء الدنيا : كوني زمردة خضراء ، وللثانية كوني فضة بيضاء ، والثالثة كوني ذرة حمراء ، وللرابعة كوني ذرة بيضاء وللخامسة : كوني ذهبة حمراء ، وللسادسة : كوني ياقوتة صفراء ، وللسابعة : كوني نوراً على نور يتلألأ ، وفي كل سماء ملائكة قد طبقها بهم بين راكع وباك ومسبح وقائم .