Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 33-38)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ } - إلى قوله - { وَهُمْ لاَ يَسْئَمُونَ } معناه : لا أحد أحسن قولاً ممن هذه صفته ، أي : ممن قال : ربنا الله ثم استقام على الإيمان به والقبول لأمره ونهيه ، ودعا عباد الله إلى ما قال به وما عمل . وقرأ الحسن يوماً هذه الآية فقال : هذا حبيب الله ، هذا ولي الله ، هذا صفوة الله ، هذا خيرة الله ، هذا أحب الخلق إلى الله ، أجاب الله في دعوته ، ودعا الناس إلى ما أجاب الله من دعوته ، وعمل صالحاً في إجابته ، وقال إنني من المسلمين ؛ فهو خليفة الله سبحانه . فالآية عند الحسن لجميع المؤمنين . وقال قتادة : هذا عبد صدق قوله عمله ، ومولجه مخرجه ، وسره علانيته وشاهده مغيبه ، ثم قال : وإن المنافق عبد خالف قوله عمله ومولجه مخرجه ، وسره / علانيته ، وشاهده مغيبه . قال السدي : عنى بهذه نبي الله محمداً صلى الله عليه وسلم ، دعا إلى الله جل ذكره ، وعمل صالحاً ، وقاله ابن زيد وابن سيرين ) . روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : نزلت في المؤذنين . وقال عكرمة : قوله : { مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ } ، يعني : المؤذنين . { وَعَمِلَ صَالِحاً } ، قال : صلى وصام . وذكر في حديث يرفعه : " أول من ( يقضي ) الله له بالرحمة يوم القيامة المؤذنون ، وأول المؤذنين مؤذنو مكة . قال : والمؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة . والمؤذنون إذا خرجوا من قبورهم أذنوا فنادوا بالآذان ، والمؤذنون لا يدودون في قبورهم " . وعن عمر رضي الله عنه أنه قال : " قالت الملائكة : لو كنا نزولاً في الأرض ما سبقنا إلى الآذان أحد " . وقال قيس بن أبي حازم : { مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ } ، قال : هو المؤمن { وَعَمِلَ صَالِحاً } ، قال : الصلاة بين الأذان إلى الإقامة . وهذه الآية تدل على أنه جائز أن يقول المسلم : أنا مسلم بلا استثناء ، أي : قد استسلمت لله عز وجل وخضعت له بالطاعة جلة عظمته . ثم قال تعالى { وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ } " لا " الثانية زائدة للتأكيد . والمعنى : لا يستوي الإيمان بالله عز وجل ، والعمل بطاعته سبحانه ، والشرك بالله عز وجل والعمل بمعصيته تعالى . قال عطاء : الحسنة هنا : لا إله إلا الله ، والسيئة الشرك . ثم قال { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } ، أي : ادفع بالحالة التي هي أحسن السيئة . والمعنى : ادفع يا محمد بحلمك جهل من جهل عليك ، وبعفوك إساءة من أساء إليك ، وبصبرك على مكروه من تعدى عليك . وقال ابن عباس في الآية : أمر الله عز وجل المسلمين بالصبر عند الغضب والحلم والعفو عند الإساءة . فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم حتى يصير كأنه ولي حميم . وقال مجاهد : معناه : ادفع بالسلام إساءة من أساء إليك ، تقول له إذا لقيته السلام عليكم ، وقاله عطاء . وعن ابن عباس أيضاً أنه قال : هما الرجلان يسب أحدهما الآخر ، فيقول المسبوب للساب : إن كنت صادقاً فغفر الله لي ، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك ، فيصير الساب كأنه صديق لك ، قريب منك . والحميم : القريب . قال المبرد : " الحميم : الخاص " . ثم قال تعالى جل ذكره { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } ، أي : وما يعطى دفع السيئة بالحسنة إلا الذين صبروا - لله - على المكاره والأمور الشاقة { وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } ، أي : وما يعطى ذلك إلا ذو نصيب وافر من الخير . وقيل : المعنى : ما يلقى شهادة ألا إله إلا الله إلا الذين صبروا على المكاره والأذى في الله عز وجل ، وما يلقى ذلك إلا ذو حظ عظيم في الآخرة . ونزل هذا كله بمكة والمؤمنون يؤذون على الإيمان ، ويمتحنون ويعذبون حتى فروا إلى أرض الحبشة . وقيل : إنها والتي قبلها نزلتا في أبي بكر رضي الله عنه . ثم هي عامة في كل من كان على طريقته ومنهاجه . وقال قتادة : الحظ العظيم هنا : الجنة : وقاله ابن عباس أيضاً . " وروي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه شتمه رجل ورسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد فعفا عنه ساعة ؛ ثم إن أبا بكر جاش به الغضب فرد عليه ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم ، فاتبعه أبو بكر وقال : يا نبي الله شتمني الرجل فعفوت عنه وصفحت وأنت قاعد ؛ فلما أخذت أنتصر قمت ! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " إنه كان يرد عليه ملك من الملائكة ، فلما أخذت تنتصر ذهب الملك وجاء الشيطان ، فوالله ما كنت لأجالس الشيطان يا أبا بكر " " . ثم قال تعالى { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } ، أي : وإما يلقين الشيطان - يا محمد - في نفسك وسوسة من العزيمة على مجازاة المسيء بإساءته فاستجر بالله واعتصم به من عمل الشيطان . { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ } لاستعاذتك واستجارتك به . { ٱلْعَلِيمُ } بما ألقى الشيطان في نفسك من نزعاته هذا قول السدي وقال ابن زيد : هو الغضب . ثم قال تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } ، أي : ومن علاماته وأدلته التي تدل على وحدانيته وقدرته وحجته على خلقه وعظيم سلطانه اختلاف الليل والنهار ، ومعاقبة كل واحد منهما الآخر . والشمس والقمر مسخرات لا يدرك أحدهما الآخر . ثم قال تعالى : { لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ } ، فإنما هما خلق مثلكم خلقا لمنافعكم بهما . وقوله : { خَلَقَهُنَّ } جاء بلفظ التأنيث ، والجمع رد على الليل والنهار والشمس والقمر وأنثن ، كما يؤنث جمع ما لا يعقل وإن كان مذكراً إذا كان من غير بني آدم . وقيل : الضمير يعود على الشمس والقمر ، وأتى الجمع في موضع التثنية لأن الاثنين جمع . وقيل : الضمير يعود على معنى الآية . وقوله : { إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } ، أي : أخلصوا لله وحده إن كنتم / إياه تعبدون ، وهذا موضع السجدة عند مالك . " وقد روي أن رجلاً من الأنصار على عهد النبي صلى الله عليه وسلم استتر بشجرة يصلي من الليل فقرأ " ص " فلما بلغ السجدة سجد وسجدت معه الشجرة فسمعها وهي تقول : اللهم أعظم لي بهذه السجدة أجراً ، وارزقني بها شكراً وضع عني بها وزراً ، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داوود ( عليه السلام ) . فذكر الرجل ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " نحن أحق أن نقول ذلك " . فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك في سجوده " . ثم قال تعالى { فَإِنِ ٱسْتَكْبَرُواْ فَٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } ، أي : فإن استكبر هؤلاء الذين أنت - يا محمد - بين أظهرهم ، عن السجود والخضوع لله الذي خلقهم وخلق الشمس ، فإن الملائكة الذين عند ربك لا يستكبرون عن ذلك : على جلالة قدرهم ، بل يسبحون له ويصلون ليلاً ونهاراً . { وَهُمْ لاَ يَسْئَمُونَ } ، أي : لا يفترون ولا يملون . ومعنى { عِندَ رَبِّكَ } ، أي : في طاعته وعبادته ، لم يعن القرب من مكانه لأن المكان على الله تعالى لا يجوز ولا يحتاج إلى مكان لأن المكان محدث وقد كان تعالى ذكره ولا مكان . فالمعنى : فالذين في طاعة ربك وعبادته يسبحون له .