Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 25-32)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ } - إلى قوله - { مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } . أي : ونصبنا لهم نظراء من الشياطين فجعلناهم لهم قرناء يزينون لهم قبائح أعمالهم . قال ابن عباس : القرناء هنا : الشياطين . وحقيقة قيضنا سببنا لهم من حيث لم يحتسبوا . وقوله : { فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } . يعني : من أمر الدنيا فحسنوا ذلك ، وحببوه لهم حتى آثروه على أمر الآخرة . وقوله : { وَمَا خَلْفَهُمْ } قال مجاهد : حسنوا لهم أيضاً ما بعد مماتهم فدعوهم إلى التكذيب بالمعاد ، وأنه لا ثواب ولا عقاب ، وهو أيضاً قول السدي . وقيل : معنى : { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ } ، يعني : في النار فزينوا لهم أعمالهم في الدنيا . والمعنى : قدرنا عليهم ذلك أنه سيكون وحكمنا به عليهم . وقيل : المعنى : أخرجناهم إلى الاقتران فأحوجنا الغني إلى الفقير ليستعين به ، وأحوجنا الفقير إلى الغني لينال منه ، فحاجة بعضهم إلى بعض تقيض من الله عز وجل لهم ليتعاونوا على طاعته فزين بعضهم لبعض المعاصي . قال ابن عباس : ما بين أيديهم هو تكذيبهم بالآخرة والجزاء والجنة والنار ، وما خلفهم : الترغيب في الدنيا والتسويف بالمعاصي وقيل : المعنى إنهم زينوا لهم مثل ما تقدم لهم من المعاصي فهو ما بين أيديهم ، وما خلفهم : ما يعمل بعدهم أو بحضرتهم . وقيل : ما بين أيديهم : ما هم فيه ، وما خلفهم : ما عزموا أن يعملوه . ثم قال تعالى : { وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } ، أي : وجب لهم العذاب بكفرهم وقبولهم ما زين لهم قرناؤهم من الشياطين . وقوله : { فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } ، معناه : ووجب عليهم القول في أمم قد مضت قبلهم . ( أي ووجب عليهم من العذاب مثل ما وجب على أمم مضت قبلهم ) من الجن والإنس لكفرهم وعملهم مثل عملهم . وقيل : " في " هنا ، بمعنى : " مع " . فالمعنى : ووجب عليهم العذاب بكفرهم مع أمم مضت قبلهم بكفرهم أيضاً ، أي : هم داخلون فيما دخل فيه من قبلهم من الأمم الكافرة . { إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } ، أي : مغبونين ببيعهم رضاء الله عز وجل بسخطه ، ورحمته بعذابه . ثم قال تعالى : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } ، أي : قال الملأ من قريش لأهل طاعتهم من العامة : لا تسمعوا لقارئ هذا القرآن إذا قرأه ولا تتبعوا ما فيه . وألغوا فيه بالباطل ( من القول ) . إذا سمعتم قارئه يقرأه لا تسمعوا ولا تفقهوا ) ما فيه . هذا قول ابن عباس . وقال مجاهد : اللغو هنا : المكاء والتصفيق والتخليط ( في المنطق ) على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا قرأ القرآن أمروا سفهاءهم بذلك . وقال قتادة : والغوا فيه ، أي : اجحدوه وأنكروه وعادوه . يقال : لغى يلغى ، ( ويلغو لغواً ، ولغى ولغي يلغى لغى ) وبهذه جاء القرآن . وقرأ ابن أبي إسحاق : " والغوا فيه " على لغا يلغو ، واللغو في الكلام ما كان على غير وجهه مما يجب أن يطرح ولا يعرج عليه . واللغو أيضاً مما لا يفيد معنى من الكلام . قال ابن عباس : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأ رفع صوته فتطرد قريش عنه الناس ويقولون : لا تسمعوا والغوا فيه لعلكم تغلبون ، وإذا خافت لم يسمع من يريد ، فأنزل الله تعالى : { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } [ الإسراء : 110 ] . وعن ابن عباس أيضاً أن أبا جهل هو الذي قال هذا : إذا رأيتم محمداً يصلي فصيحوا في وجهه وشدوا أصواتكم بما لا يفهم حتى لا يدري ما يقول . وروي أنهم إنما فعلوا ذلك لما أعجزهم القرآن ، ورأوا من ( يكرهه ) يؤمن به لإعجازه بفصاحته ، وكثرة معانيه وحسنه ورصفه . ومعنى قوله { لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } ، أي : لعلكم تصدون من أراد استماعه عن فهمه فلا ينتفع به فتغلبون محمداً صلى الله عليه وسلم أي في الآخرة على فعلهم . { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } " ، أي ولنجازينهم على قبيح أعمالهم في الدنيا . ثم قال تعالى : { ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ } ، أي : جزاء المشركين في الآخرة النار ، لهم فيها دار المكث أبداً . { جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ } ، أي : فعلنا بهم ذلك جزاء لهم بجحودهم في الدنيا بآياتنا ، وكفرهم بها . ثم قال تعالى : { وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ } ، أي : وقال الكفار يوم القيامة بعد دخولهم النار : ربنا أرنا اللذين أضلانا من خلقك من جهنم وإنسهم نجعلهما تحت أقدامنا في النار ، لأن أبواب / جهنم بعضها تحت بعض فكل ما سفل كان أشد عذاباً مما علا ، نعوذ بالله منها . قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : هما إبليس الأبالسة وابن آدم الذي قتل أخاه . وهذا قول قتادة والسدي . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } ، إن الذين وحدوا الله وعلموا أنه لا رب لهم غيره ، ثم استقاموا على التوحيد والطاعة إلى الوفاة . " روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } - الآية " فقال : " قد قالها الناس ثم كفر أكثرهم . فمن مات عليها فهو ممن استقام " " . وقيل : معناه : ثم لم يشركوا به شيئاً . قاله أبو بكر الصديق رضي الله عنه . وروي عنه أن هذه الآية قرئت عنده فقال : هم الذين لم يشركوا به شيئاً ، فقالوا : لم يعصوا الله ؟ فقال أبو بكر : لقد ضيقتم الأمر ، إنما هو : ثم استقاموا ( على ألا يشركوا به شيئاً ) . وعنه أنه قال : ثم استقاموا : لم يرجعوا إلى عبادة الأوثان . وقال مجاهد : استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله ، ثم لم يشركوا حتى لقوه . وروى الزهري أن عمر رضي الله عنه تلا هذه الآية فقال : استقاموا - والله - على طاعة الله ولم يروغوا روغان الثعلب . وقال قتادة : استقاموا على طاعة الله عز وجل . وكان الحسن إذا قرأها قال : اللهم أنت ربنا فارزقنا الإستقامة . وقال ابن زيد : استقاموا على ( عبادة الله وعلى طاعته ) . وقيل : لم يحدثوا بعد إيمانهم كفراً . لأن المشركين قالوا : ربنا الله وعبدوا الأصنام وقالوا : الملائكة بنات الله سبحانه ، وقالت اليهود : ربنا الله ، ثم كفروا فقالوا : عزير ابن الله سبحانه وكفروا بمحمد ، ( وقالت النصارى : ربنا الله ثم كفروا وقالوا عيسى ابن الله ، وقال بعضهم هو الله ، وقال المسلمون : ربنا الله ولم يعبدوا معه غيره وآمنوا بمحمد وبجميع الأنبياء . وقوله { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ } ، معناه : تتهبط عليهم الملائكة من عند الله عند نزول الموت بهم . قاله مجاهد والسدي . يقولون لهم : لا تخافوا مما قدامكم ، ولا تحزنوا على ما خلفكم ، وأبشروا بالجنة التي وعدكموها الله عز وجل ، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة . وقرأ ابن مسعود : { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ } لا تخافوا ، أي : قائلة لهم : لا تخافوا مما تقدمون عليه ، ولا تحزنوا على ما تخلفونه وراءكم . وقال السدي : معناه : لا تخافوا مما أمامكم ولا تحزنوا على ما بعدكم . وقال مجاهد : معناه : ألا تخافوا مما تقدمون عليه من أمر الآخرة ولا تحزنوا على ما خلفتم من دنياكم من أهل ، وولد ، ودار فإنا نخلفكم في ذلك كله . قال زيد بن أسلم : البشارة في ثلاثة مواطن : عند الموت ، وعند القبر ، وعند البعث . وعن ابن عباس أن هذه البشرى في الآخرة تكون لهم من الملائكة . فالمعنى : تقول لهم الملائكة : نحن كنا نتولاكم في الدنيا وهم الحفظة الكتبة ، قاله السدي ، قال : هم الحفظة وهم أولياء المؤمن في الآخرة كما كانوا أولياءه في الدنيا . { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ } ، أي : لكم ذلك في الجنة . { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ } ، أي ما تريدون ، وتدعون ما شئتم يأتكم . وقوله : { نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } ، أي : أنزلهم الله عز وجل ذلك نزلاً ، فهو مصدر ، وقيل : هو في موضع الحال . والمعنى : منزلين { نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ } للذنوب لمن تاب منها ، { رَّحِيمٍ } بمن آمن وتاب . قال ثابت البناني : بلغنا أن المؤمن يتلقاه ملكاه - اللذان كانا معه في الدنيا - إذا بعث من القبر - فيقولان له : لا تخف ولا تحزن { وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ } - إلى قوله - { مَا تَدَّعُونَ } فيؤمن الله خوفه ، ويقر عينه .