Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 46-53)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ } - إلى آخر السورة . أي : ولم يكن لهؤلاء المشركين أولياءُ ينصرونهم / من عذاب الله . ثم قال : { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ } ومن يخذله الله فلا يوفقه إلى الحق فما له من طريق إلى الحق ، لأن الهداية والضلال بيده . ثم قال تعالى : { ٱسْتَجِيبُواْ لِرَبِّكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ } ، أي أجيبوا أيها الناس داعي ربكم واتبعوه وآمنوا به من قبل أن يأتيَكم يوم لا شيء يرد مجيئه إذا جاء ، وهو يوم القيامة . { مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ } ، أي : ما لكم يوم القيامة معقل تلجؤون إليه مما نزل بكم ، وما لكم من إنكار لما حل عليكم ولا تغيير . قال مجاهد : { مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ } ، أي : " محرز ، { وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ } ، أي من ناصر . فيكون نكير بمعنى : ناكر ، أو : منكِر . وقيل : المعنى في { وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ } ، أي : " لا تنكرون ما وقفتم عليه من أعمالكم " . قال الزجاج : معناه : ليس لكم مخلص من العذاب ، ولا تقدرون أن تنكروا ما توقفون عليه من ذنوبكم ، ( ولا ما ) ينزل بكم من العذاب . ثم قال تعالى : { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ } ، أي : فإن أعرض هؤلاء المشركون عما جئتهم به يا محمد من الحق فلم يؤمنوا به فدعهم ، فإذا لم نرسلك إليهم رقيباً عليهم تحفظ أعمالهم ، ما عليك إلا البلاغ لما أرسلت به إليهم ، فإذا بلغت قضيت ما يجب عليك . ثم قال تعالى : { وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً } ، أي : أغنيناه ووسعنا عليه فرح بها . { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ ٱلإِنسَانَ كَفُورٌ } ، أي : وإن يصب الإنسان فقر ، أو ضيق عيش ، أو علة بما قدمت يداه من المعاصي - عقوبة له من الله عز وجل على فعله وعصيانه - جحد نعم الله سبحانه المتقدمة عنده ويئس من الخير . والتقدير ، فإن الإنسان كفور ، أي : جحود لنعم ربه ، يعد المصائب ويجحد النعم . والإنسان هنا : واحد للجنس ، يدل على الجمع ، ولذلك قال : { وَإِن تُصِبْهُمْ } ، فَجَمَعَ . ثم قال تعالى : { لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } ، أي : لله سلطان السماوات والأرض يفعل في سلطانه ما يشاء ويخلق ما يشاء ، فيهب لمن يشاء - من عباده - الذكور من الأولاد ، ويهب لمن يشاء منهم الإناث ، ويهب لمن يشاء منهم ذكوراًَ وإناثاً ، ويمنع من يشاء من الولد . فيجعله أو يجعل امرأته عقيماً . قال ابن عباس يهب لمن يشاء إناثاً لا يُولَد له إلا الجواري ، ويهب لمن يشاء الذكور لا ( يولد له ) إلا الغلمان ، أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً يولد له الجواري والغلمان ، فذلك تزويجهم ، وهو قول الحسن وقتادة والضحاك ومجاهد وغيرهم . وقال محمد بن ( الحنفية ) وابن زيد في قوله ( أو يزوجهم ) ذكراناً وإناثاً ، يعني التوأم ، يخلق في البطن ذكراً وأنثى ويقال : رجل عقيم لا يولد له ، وامرأة عقيم لا تلد ، وريح عقيم لا تأتي بمطر ولا خير . ثم قال تعالى : { إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } ، أي : إن الله ذو علم بما خلق ، وقدرة على خلق ما يشاء . ثم قال : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } ، أي : وما ينبغي لبشر من بني آدم أن يكلمه ربه مشافهة ، ولكن وحياً يوحي إليه كيف يشاء ، إما إلهاماً ، وإما مع ملك مقرب ، أو من وراء حجاب حيث يسمع كلامه ولا يراه كما فعل بموسى صلوات الله عليه . { أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً } ، يعني : من الملائكة ، كجبريل وشبهه . { فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ } ، أي : فيبلغ الملك إلى البشر المرسل إليه بإذن الله عز وجل ما يشاء الله أن يبلغه إليه من أمره ونهيه وخبره وما أراد . وقال مجاهد { إِلاَّ وَحْياً } ، أي : إلا أن يلقي ( في قلبه ) ما يشاء ، ويلهمه ما يشاء ، { أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } كموسى ، { أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً } كجبريل إلى محمد عليهم السلام . وقيل : المعنى : { إِلاَّ وَحْياً } كما أوحى إلى الأنبياء بإرسال جبريل وشبهه من الملائكة ، { أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } كما كلَّم موسى ، { أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً } - يعني : من البشر - إلى الناس كافة . وقال القتبي : { إِلاَّ وَحْياً } : في المنام ، { أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } كما كلم موسى { أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً } أي ملكاً إلى النبي من بني آدم فيبلغه عن الله ( ما يشاء ) الله أن يبلغه . { إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } ، أي : إن الله عز وجل لذو علو على كل شيء واقتدار ، ذو حكمة في تدبيره خلقه . ( وليس العلو في هذا وشبهه من المسافة إنما هو علو اقتدار ، ورفعة حال وجلالة ) . ثم قال تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } ، أي : كما أوحينا إلى سائر الرسل قبلك ، كذلك أوحينا إليك رحمة من أمرنا : وحياً ، وهو القرآن . قال قتادة : روحاً : رحمة . وقال السدي : روحاً : وحياً . وقال ابن عباس : هو النبوءة . وقيل : المعنى : أوحينا / إليك ما تحيا به النفوس كما تحيا بثبات الروح فيها ، وهو القرآن وما فيه من الإيمان والمواعظ . ثم قال تعالى : { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ } ، أي : لم تكن يا محمد تدري أي شيء الكتاب ، ولا أي شيء الإيمان للذين أعطيناكهما . ثم قال تعالى : { وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا } ، أي : ولكن جعلنا القرآن ضياء للناس يستضيء بنوره من يشاء الله عز وجل ومن يوفقه ، ونوره هو : العمل بما فيه . ثم قال تعالى : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } ، أي : وإنك يا محمد لتهدي الناس وتدعوهم وترشدهم إلى طريق مستقيم ، أي : الى الحق والإسلام . وقرأ الضحاك وحوشب : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } بضم التاء وفتح الدال على ما لم يسم فاعله . ثم بين الصراط وفسره فقال : { صِرَاطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } ، أي : طريق الله الذي دعا إليه عباده . وقال الضحاك : إلى صراط مستقيم ، الى دين ( مستقيم ، دين ) الله الذي له ، وفي ملكه وقدرته وسلطانه جميع ما في السماوات وما في الأرض . ثم قال : { أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ } ، أي : ترد أمور جميع الخلق إلى الله عز وجل يوم القيامة فيقضى بينهم بالعدل ، وأمورهم ( أيضاً في الدنيا ) إلى الله سبحانه . وإنما خص ذكر يوم القيامة - هنا - لأنه يوم لا يدعي فيه أحد لنفسه شيئا ولا يتجبر فيه أحد ، ولا يدعي أحد مُلْكاً ولا سلطاناً إلا الله سبحانه . والدنيا فيها الجبارون والملوك والمُدَّعُونَ الباطل ، فلذلك خص ذكر يوم القيامة برجوع الأمور إليه تعالى ذكره ، وإن كانت في الدنيا بيده وفي حُكْمِه وقَبْضَتِهِ وعن مشيئته تكون ، لا إله إلا هو .