Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 38-45)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ } إلى قوله : { فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ } ، أي : أجابوه حين دعاهم رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان به والعمل بطاعته . { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } يعني : المفروضة أقاموها بحدودها في أوقاتها . ثم قال : { وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ } ، أي : إذا عرض لهم أمر تشاوروا فيه بينهم . { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } ، يعني : في الصدقات ، وفعل الخير ، وفي سبيل الله عز وجل ، وإخراج الزكاة المفروضة عليهم . وقال ابن زيد : نزلت { وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ } - الآية " في الأنصار . ثم قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ } ، أي : والذين إذا بغى عليهم باغ انتصروا لأنفسهم ، يعني : من المشركين ، قاله ابن زيد . وقال السدي : هي في كل باغ أبيح الانتصار منه . وقال النخعي : " كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفساق " . وروى حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ . قِيلَ : وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ ؟ قال : يَتَكَلَّفُ من البَلاَءِ ( مَا لاَ يُطِيقُ ) " . ثم قال تعالى : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } ، أي : وجزاء سيئة المسيء عقوبته على ما أوجبه الله عليه . ولهذه الآية ونظيرها أجاز الشافعي وأهل الرأي أن يأخذ الرجل من مال من خانه ( مثل ما خانه به من ) غير رأيه . واستدلوا على صحة ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند زوج أبي سفيان : " خذي من ماله ما يكفيك وولدك " . وأجاز لها أن تأخذ من ماله ما يجب لها من غير رأيه . ولم يجز ذلك مالك إلا بعلمه . وسميت الثانية " سيئة " وليس الذي ( يعملها مسيئاً ) لأنها مجازاة على الأول . فسميت باسمها وليست بها . وروي أن ذلك : أن يجاب القائل الكلمة القذعة بمثلها . وقال ابن أبي نجيح : هو مثل أن يقول القائل : أخزاه الله ، فيقول له المجيب مثل ذلك . وقال السدي : إذا شتمك فاشتمه بمثل ما شتمك من غير أن تعدي . قال ابن زيد : { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ } ، يعني : من المشركين ، ثم قال : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ } قال : معناه : ليس آمركم أن تعفوا عنهم لأني لا أحبهم ، أي : لا أحب الظالمين ، يعني : المشركين ، فمن فعل فالله يثيبه على ما آذاه به المشركون ، قال : ثم نسخ هذا كله ، وأمر بالجهاد . والآية على القول الأول محكمة عامة ، مثل قوله : { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ } [ البقرة : 194 ] والمعنى : فمن عفا عمن أساء إليه فغفر له ابتغاء وجه الله سبحانه وهو قادر على العقوبة فالله مثيبه . ويكون معنى قوله : { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } على هذا القول ، أي : إنه لا يحب من يتعدى على الناس فيسيء إليهم بغير إذن الله عز وجل له . ثم قال تعالى : { وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ } ، أي : ومن انتصر ممن ظلمه من بعد ظلمه إياه ، فلا سبيل للمنتصر منه على المنتصر بعقوبة ولا أذى ، لأنهم انتصروا بحق وجب لهم على من تعدى عليهم . وقال قتادة : " هذا فيما يكون بين الناس من القصاص ، فأما لو ظلمك رجل لم يحل لك أن تظلمه " . وقال الحسن : هذا في الرجل يلقيك فتلقيه ، ويسبك فتسبه ، ما لم يكن حدا ، أو كلمة لا تصلح . وقال ابن زيد : عنى بذلك ، الإنتصار من أهل الشرك . وقال : هو منسوخ . - يريد نسخ بالأمر بالجهاد - قال : ونزل في أهل الإسلام { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } [ فصلت : 34 ] . والقول الأول هو أن الآية محكمة / غير منسوخة . عنى بها كل منتصر ممن ظلمه وعليه أكثر العلماء ، لأن النسخ لا يحكم عليه إلا بدليل قاطع أو إجماع أو نص من سنة . ثم قال تعالى : { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } ، أي : إنما سبيل العقوبة على الذين يظلمون الناس ويتجاوزون في أرض الله عز وجل الحد الذي أباح لهم ربهم فيفسدون فيها بغير الحق . { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، أي : مؤلم ، يعني : في الآخرة بعد عقوبة الدنيا . وقال ابن زيد عن أبيه : هي في المشركين وهي منسوخة بقوله : { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ فصلت : 34 ] . وكان مالك لا يرى تحليل الظالم ، ويرى تحليل من لك عليه دين ومات لا وفاء له به . وكان ابن المسيب لا يرى تحليله . وقال عبيد الله بن عمير : ورب هذا البيت لا يعذب الله عز وجل إلا مشركاً أو ظالماً لعباده ، ثم قرأ : " إنما السبيل ، الآية " . ثم قال : { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } ، أي : ولمن صبر على إساءة من أساء إليه ، وغفر للمسيء إليه جرمه فلم ينتصر منه وهو قادر على ذلك ابتغاء وجه الله عز وجل وجزيل ثوابه ، إن ذلك الفعل منه لمن عزم الأمور ، لمن أعالي الأمور التي ندب الله إلى فعلها عبادة ومن أجلها ، وذلك فعل الوارعين . ثم قال : { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ } ، أي : ومن يخذله الله فلا يوفقه إلى الهدى فليس له من ولي يوليه فيهديه من بعد إضلال الله له . ثم قال : { وَتَرَى ٱلظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَىٰ مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ } ، هذا مثل قوله : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً } [ السجدة : 12 ] استعتبوا في غير حين استعتاب ، وسألوا الرجوع إلى الدنيا حين لا يقبل منهم ، وبادروا إلى التوبة حين لا تنفعهم . " ومن " في قوله : { وَلَمَن صَبَرَ } مبتدأ ، والخبر : " إن ذلك لمن عزم الأمور … " الجملة . وثَمَّ محذوف ، فيه ضمير يعود على المبتدأ والتقدير : إن ذلك منه لمن عزم الأمور . ( ومثل هذا ) قول العرب : " البُرُّقَفِيزَانِ بِدِرْهَمٍ " ، أي : قفيزان منه بدرهم . والتقدير : إن ذلك لمن عزم الأمور له . ثم قال تعالى : { وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ ٱلذُّلِّ } ، أي وترى يا محمد الظالمين يوم القيامة يعرضون على النار خاضعين مما بهم من الذلة والخوف . ثم قال : { يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ } ، أي : ينظر هؤلاء الظالمون إلى النار حين يعرضون عليها من طرف خفي ، أي : من طرف ذليل من كثرة الخوف والإشفاق لتيقنهم أنهم داخلون فيها . قال ابن عباس ومجاهد : { مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ } ، أي : ذليل وهو اختيار الطبري ، قال : " وصفه الله بالخفاء للذلة التي قد ركبتهم حتى كادت أعينهم تغور فتذهب " . وقال ابن جبير ، يسارقون النظر من الخوف ، وقاله السدي وابن كعب . وقال بعض أهل العربية : تقديره : من عين ضعيفة النظر والطرف عنده هنا العين . وقال يونس " من " بمعنى الباء . والتقدير : بطرف خفي . وقال : إنما قال من طرف خفي لأنه لا يفتح عينه ، إنما ينظر ببعضها إشفاقاً . وقيل : " إنما قيل ذلك لأنهم ينظرون إلى النار بقلوبهم لا بأعينهم لأنهم يحشرون عمياً " . ووقف بعض العلماء على { خَاشِعِينَ } . ووقف أكثرهم على { خَفِيٍّ } . فتكون { مِنَ } في قوله : { مِنَ ٱلذُّلِّ } إن وقفت على { خَاشِعِينَ } ( متعلقة بـ { يَنظُرُونَ } ) . وإن وقفت على { خَفِيٍّ } كانت { مِنَ } متعلقة بـ { خَاشِعِينَ } . ثم قال تعالى : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } ، أي : وقال المؤمنون يوم القيامة : إن المغبونين ، الذين غبنوا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة . قال السدي : غبنوا ذلك في الجنة . وقال ابن عباس : هم الذين خلقوا للنار وخلقت النار لهم ، خلفوا أهليهم وأموالهم في الدنيا ، وصاروا إلى النار فحرموا الجنة والدنيا . وقال قتادة : خسروا أهليهم الذين أُعِدُّوا لهم في الجنة لو أطاعوا . وقيل : لما كان المؤمنون يجتمعون مع أهليهم في الجنة وكان الكفار لا يجتمعون معهم كانوا قد خسروهم . ثم قال : { أَلاَ إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ } ، أي : دائم ثابت لا يزول أبداً .