Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 4-9)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلعَظِيمُ } ، إلى قوله : { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ، أي : له ملك ما فيها من جميع الأشياء كلها . { وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ } أي : ذو علو وارتفاع على كل الأشياء ، ارتفاع مُلْكٍ وقُدْرَةٍ وسُلطانٍ ، لارتفاع انتقالٍ . { ٱلعَظِيمُ } : وله العظمة والكبرياء . ثم قال تعالى : { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ } ، أي : تكاد تشقق من فوق الأرضين من عظمة الرحمن وجلالته . هذا قول جميع المفسرين . وقيل : المعنى : تكاد السماوات يتشققن من أعلاهن من عظمة الله فيكون الضمير في { فَوْقِهِنَّ } ( على القول ) الأول يعود على الأرضين . وعلى هذا القول الثاني يعود على السماوات . وكان علي بن سليمان يقول : الضمير في فوقهن للكفار ، أي : من فوق الكفار . وهذا قول بعيد ، لا يجوز في المذكرين من بنى آدم : " رأيتهن " . وقيل : المعنى : يكاد السماوات يتفطرن من فوق الأرضين من قول المشركين وكفرهم . { وَٱلْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } تعظيما لله سبحانه وتعجباً من مقالة المشركين وهم مع يستغفرون لمن في الأرض ، يعني المؤمنين . ثم قال تعالى : { وَٱلْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } أي : يُصَلُّونَ بطاعة ربهم شكراً له وجلالةً وهيبةً ، هذا قول الطبري . وقال الزجاج : معناه : والملائكة يُعظمون الله وينزهونه عن السوء . ثم قال تعالى : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ } ، أي : ويسألون ربهم المغفرة لذنوب من في الأرض من المؤمنين . وهذا اللفظ عام ومعناه الخصوص قاله السدي وغيره . ولا يجوز أن يكون ( عاما فيدخل ) في ذلك الكفار لأنه تعالى قد قال : { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ البقرة : 161 ] فغير جائز أن يستغفر لهم الملائكة . وروي عن وهب بن منبه أنه قال : هي منسوخة ( نسختها الآية ) التي في سورة المؤمن . قوله تعالى جل ذكره : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } [ غافر : 7 ] . وهذا عند أهل النظر لا يجوز فيه نسخ لأنه خبر ، ولكن تأويل قول وهب ابن منبه في هذا أنه أراد أن هذه الآية نزلت على نسخ تلك الآية . ثم قال : { أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } ، أي : الغفور لذنوب مؤمني عباده ، الرحيم بهم أن يعذبهم بعد توبتهم . وأجاز أبو حاتم الوقف على " من فوقهن " . وذلك جائز إن جعلت ما بعده منقطعاً منه . فإن جعلته في موضع الحال لم يجز الوقف دونه . ثم قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ } ، أي : والذين اتخذوا يا محمد من قومك آلهة يعبدونها من دون الله ، الله حفيظ لأعمالهم ، مُحْصِيهَا عليهم ومُجازيهم بها يوم القيامة . { وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } ، أي : ولست يا محمد بالوكيل عليهم تحفظ أعمالهم ، إنما أنت مُنْذِرٌ ومُبَلِّغٌ ما أُرسِلت به إليهم ، فعليك البلاغ وعلينا الحساب . ثم قال تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا } ، أي : أوحينا إليك يا محمد قرآنا بلسان العرب لتنذر عذاب الله أهل أم القرى ، وهي مكة . سميت بذلك لأن الأرض دحيت منها . وقيل : سميت ( أم القرى لأنها أول ما عُظِّمَ وَشُرِّفَ من القرى . وقيل : سميت ) بذلك لأنها أول ما وُضِعَ . كما قال : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً } [ آل عمران : 96 ] . وقوله : { وَمَنْ حَوْلَهَا } ، أي : ومن حول أم القرى من سائر الناس . ثم قال تعالى : { وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ } ، أي : وتنذرهم عقاب الله الكائن في يوم الجمع لا شك فيه ، وهو يوم القيامة . وهذا في الحذف مثل قوله تعالى / { يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ } [ آل عمران : 175 ] ، أي : يخوفكم بأوليائه ، فكذلك المعنى : وتنذرهم عقاب الله الكائن يوم الجمع ، ثم حذف . فيكون " يوم " على هذا نصباً على الظرف . ويجوز أن يكون النصب على المفعول به كما قال : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ } [ مريم : 39 ] وكما قال : { وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ } [ إبراهيم : 44 ] فكل هذا انتصب على أنه مفعول به وليس بظرف للإنذار ، لأن الإنذار لا يكون يوم القيامة إنما الإنذار في الدنيا . ثم قال تعالى : { فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } ، أي : منهم فريق في الجنة وهم المؤمنون ، وفريق في السعير - وهي جهنم - وهم الكفار . وسميت جهنم بالسعير لأنها تسعر على أهلها . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه : " خَرَجَ يَوْماً عَلَى أَصْحَابِهِ وَفِي يَدِهِ كِتَابَانِ ، فَقَالَ : هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ فَقُلْنَا : لاَ ، إِلاَّ أَنْ ( تُخْبِرَنَا يَا رَسُولَ الله ) . قَالَ : هَذَا كِتَابٌ مِن رَبِّ العَالَمِينَ ، فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ الجَنَّةِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِم ، ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ فَلاَ يُزَادُ فِيهِمْ وَلاَ يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَداً ( وَهَذَا كِتَابُ أَهْلِ النَّارِ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ ، ثُمَّ أُجْمِلُ عَلَى آخِرِهِمْ فَلاَ يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدا ) فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : فَفِيمَ العُمُلُ إِذَا كَانَ هَذَا أَمْرٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : بَلْ سَدِّدُوا وَقَارِبُوا ، فَإِنَّ صَاحِبَ الجَنَّةِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ ، وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ ، وَإِنَّ صَاحِبَ النَّارِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ . فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنَ العِبَادِ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ فَنَبَذَهُمَا . فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنَ الخَلْقِ ، فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ ، وَفَرِيقُ فِي السَّعِيرِ قَالُوا : سُبْحَانَ الله ، فَلِمَ نَعمَلُ وَنَنْصَب ؟ ! فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : العَمَلُ إِلَى خَوَاتِمِهِ " . وكان ابن عمر يقول : " إن الله جل ثناؤه لما خلق آدم نفضه نفض المزود فأخرج منه كل ذرية ، فخرج أمثال النَّغَفِ فقبضهم قبضتين ، وقال : شقي وسعيد ، ثم ألقاهما ، ثم قبضهما فقال : فريق في الجنة وفريق في السعير " . ثم قال تعالى : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } ، أي : على دين واحد . { وَلَـٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ } ، أي يوفقه إلى الإيمان والطاعة فيرحمه . ثم قال : { وَٱلظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِّن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } ، أي : والكافرون ما لهم يوم القيامة من ولي يتولى معونتهم ، ولا نصير ينصرهم من عقاب الله سبحانه . ثم قال تعالى : { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } ، أي بل اتخذ هؤلاء المشركون من دونه أولياء يعبدونهم من دونه . { فَٱللَّهُ هُوَ ٱلْوَلِيُّ } ، أي : هو الولي لأوليائه ( لأنه يضر وينفع ) { وَهُوَ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ } : ( بعد موتهم يوم القيامة . { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ، أي : قادر على إحياء الموتى وعلى غير ذلك مما يريد .