Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 10-14)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ } إلى قوله : { مِّنْهُ مُرِيبٍ } ، أي : وما تنازعتم أيها الناس فيه من شيء فحكمه إلى الله ، أي : هو يقضي فيه بما يشاء إما بنص في كتابه ، وإما بدليل على النص . ثم قال تعالى : { ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } ، أي : ذلكم الذي ذكرت لكم هو ربي وإلهي وإلهكم . { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } في أموري . { وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } ، أي : وإليه أرجع في أموري ، وأتوب من ذنوبي . ثم قال : { فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ، أي : هو ( خالقهما ومبتدعهما ) . { جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } ، أي : زوجكم ربكم من أنفسكم أزواجاً ، يعني : خلق حواء من ضلع آدم . ثم قال تعالى : { وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً } يعني : من الضأن اثنين ، ومن المَعْزِ اثنين ، ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين . ثم قال : { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } ( أي : بخلقكم فيما جعل لكم من أزواجكم ، وبعيشكم فيما جعل لكم من الأنعام ) . قال مجاهد : { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } ( فيه ، نسل بعد نسل من الناس والأنعام " . وقال السدي : يذرؤكم : يخلقكم . وقال ابن عباس : " جعل الله فيه معيشة تعيشون بها " . قال قتادة : يذرؤكم فيه ، قال : " عيش من الله جل ثناؤه يعيشكم فيه " . وقال الزجاج : " يذرؤكم فيه أي : يكثركم فيه " ( فـ " في " ) عنده في موضع الباء . والمعنى على قوله : يكثركم ، يخلقكم أزواجاً . وقال القتبي : يذرؤكم فيه ، أي : في الزوج . ( فالمعنى : يخلقكم في بطون الإناث . وقال علي بن سليمان : " يذرؤكم : ينبتكم من حال إلى حال " . وحكى أبو زيد ) وغيره عن العرب ، ذرأ الله الخلق يذرؤهم ، أي : خلقهم . ثم قال تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } الكاف في " كمثله " زائدة للتوكيد لا موضع لها . وموضع " كمثله " كله موضع نصب خبر " ليس " . وقيل المعنى : ليس هو شيء ، ولكن دخلت " المثل " في الكلام للتوكيد . ثم قال : { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } ، أي : السميع لما ينطق به من خلقه من قول ، البصير بأعمالهم ، لا يخفى عليه منها شيء . ثم قال تعالى : { لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ، أي : له مفاتيح خزائن السماوات والأرض . وواحد المقاليد إقليد وجمع على مقاليد على غير قياس كمحاسن ، والواحد حسن . وقيل : واحدها مقليد . فهذا على لفظ الجمع . فتحقيق المعنى : بيده خزائن الخير والشر . فما يفتح من رحمته فلا ممسك لها ، وما يمسك فلا مرسل له من بعده / . قال مجاهد : مقاليد : مفاتيح بالفارسية . وقوله : { يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ } ، أي : يوسع الرزق على من يشاء من عباده ، ويضيق على من يشاء ، يفعل ما يريد ، ويعلم مصالح خلقه فيوسع على من لا تصلح حاله إلا ( بالتوسيع ) ( ويضيق على من لا تصلح حاله إلا بالتضييق ) . { إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } ، أي : عالم بأحوال خلقه وما يصلحهم . ثم قال تعالى : { شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً } ( أي : بيَّن الله لكم أيها الناس من الدين ما وصى به نوحاً ) أن يعمله . { وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } يا محمد ، أي : وشرع لكم من الدين الذي أوحينا إليك يا محمد ، وهو كتاب الله عز وجل . ثم قال تعالى : { وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ } ، أي : وشرع لكم من الدين أن أقيموا الدين . " فأن " في موضع نصب على البدل من " ما " في قوله : { مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً } . فالتقدير : شرع لكم أن أقيموا الدين . ويجوز أن يكون " أن " في موضع ( رفع على معنى هو : أن أقيموا الدين . ويجوز أن تكون في موضع خفض على البدل من الهاء في " به " ) قال أبو العالية : الذي وصى به نوحاً الإخلاص لله عز وجل ، وعبادته لا شريك له . قال الحكيم : جاء نوح بالشريعة وتحريم الأمهات والبنات والأخوات . وقال قتادة : جاء نوح بالشريعة بتحليل الحلال وتحريم الحرام . وقوله : { أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ } : معناه : اعملوا به على ما شرع لكم وفرض عليكم . وقال السدي : اعملوا ولا تتفرقوا فيه ( فتختلفوا فيه ) كما اختلف الأحزاب من قبلكم . فتحقيق المعنى في [ الآية : { شَرَعَ لَكُم } ] أن أقيموا [ لله الدين ] الذي ارتضاه لأنبيائه ، ولا تتفرقوا فتؤمنوا ببعض الرسل وتكفروا ببعض . وهذا الدين هو الإسلام . ومذهب أكثر المفسرين أن نوحاً صلى الله عليه وسلم أول من جاء بالشريعة من تحريم الأمهات ، والبنات ، والأخوات ، والعمات . ثم قال تعالى : { كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } ، أي : عظم يا محمد على المشركين من قومك ما تدعوهم إليه من الإخلاص لعبادة الله عز وجل ، والإقرار له بالألوهية ، والبراءة مما سواه من الآلهة . وقال قتادة : كبر على المشركين شهادة ألا إله إلا الله . ثم قال تعالى : { ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ } ، أي : يصطفي لدينه من يشاء من خلقه ، ويختار لولايته ودينه من أحب ، قال السدي : يستخلص من يشاء ، وقال أبو العالية : يخلص من الشرك من يشاء . والتقدير : الله يجتبي إليه من يشاء أن يجتبيَه . ثم قال تعالى : { وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } ، أي : ويوفق للعمل بطاعته من يتوب إليه من الشرك . وقوله : { وَعِيسَىٰ } وقف إن جعلت " أن أقيموا " في موضع رفع على الابتداء ، فإن جعلت " أن " بدلاً مما قبله لم تقف إلا على { فِيهِ } أو على : { إِلَيْهِ } . ثم قال تعالى : { وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ } ، أي : وما تفرق المشركون في أديانهم فصاروا أحزاباً إلا من بعد ما جاءهم العلم ، أي : إن الذي جاءتهم به الأنبياء هو الدين الحق ، فتفرقوا من أجل البغي ( من بعدما جاءهم الحق . وقيل : المعنى : ما تفرق قريش عن الإيمان بما جئتم به يا محمد إلا من أجل البغي عليك ) من بعد ما جاءهم القرآن دلالة على صحة ما جئتهم به . وقيل معنى : بغياً بينهم ، أي : بغياً من بعضهم على بعض وحسداً وعداوة على طلب الدنيا . وقيل : المعنى : ما تفرق مشركو قريش إلا من بعد ما جاءهم العلم وذلك أنهم كانوا يتمنون أن يبعث إليهم نبي . فلما بعث إليهم محمد صلى الله عليه وسلم كفروا به . وهو مثل قوله : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ … } [ فاطر : 42 ] الآية . ثم قال تعالى : { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ } ، أي : لولا أن الله عز وجل أخر عذابهم - في سابق علمه - إلى يوم القيامة لقضي بينهم فيما اختلفوا فيه ، فيهلك الكافر وينجي المؤمن . قال الزجاج : الكلمة : { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ } . قال السدي : يوم القيامة . وقال الطبري : معناه : لولا قول سبق : يا محمد من ربك ألا يعاجلهم بالعذاب لقضي بينهم ، ولكنه أخر ذلك إلى يوم القيامة . ثم قال : { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ } ، أي : وإن الذين أورثوا الكتاب من بعد هؤلاء المختلفين في الحق لفي شك منه ، يعني : اليهود والنصارى . والكتاب هنا : التوراة والإنجيل . ومعنى : { لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ } أي : لفي شك من الدين الذي وصى الله عز وجل به نوحاً وأوحاه إليك يا محمد وأمرك بإقامته مريب . وقيل ، المعنى : إن اليهود والنصارى الذين أورثت قريش الكتاب من بعدهم ، أي : من بعد اليهود والنصارى - لفي شك منه ، أي : من القرآن . وقيل : من محمد صلى الله عليه وسلم . فالشك على هذا لليهود والنصارى . وقيل : هو لقريش ، الذين أورثوا الكتاب من بعد اليهود والنصارى وهم في شك من القرآن .