Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 74-89)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ } ، إلى آخر السورة ، أي : إن الذين اكتسبوا الكفر في الدنيا يوم القيامة في عذاب جهنم ماكثون أبداً ، لا يخفف عنهم العذاب . وهم في العذاب مبلسون ، قال قتادة : مستسلمون . وقال السدي : " مُبلسون : متغير حالهم " . وقال الزجاج : " المبلس : الساكت ، الممسك إمساك يائس من فرجٍ " . وقال الطبري : المبلس : اليأس من النجاة . وقال النحاس : المبلس : المتحير الذي قد يئس من الخير . ثم قال تعالى : { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّالِمِينَ } ، أي لم نظلمهم في عذابنا لهم ( ولكن هم ) ظلموا أنفسهم بكفرهم في الدنيا . ثم قال تعالى : { وَنَادَوْاْ يٰمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } أي : ونادى المجرمون بعد دخولهم جهنم مالك خازن جهنم فقالوا : يا مالك لِيُمِتْنَا رَبُّكَ فيفرغ من إماتتنا . روي أن مالك لا يجيبهم في وقت دعائهم ، ويدعهم ألف عام ثم يجيبهم فيقول : { إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } قاله ابن عباس . وقال ابن عمر : إن أهل جهنم يدعون مالكاً أربعين عاماً فلا يجيبهم ثم يقول : { إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } ، ثم ينادون ربهم : { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } [ المؤمنون : 107 ] فيدعوهم مثل الدنيا ثم يرد عليهم { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [ المؤمنون : 108 ] فما نفس القوم بعد ذلك بكلمة ، إن كان إلا الزفير والشهيق في نار جهنم . وقال نوف البكالي يتركهم مالك مائة سنة مما تعدون ( ثم يناديهم ) فيستجيبون له ، فيقول : { إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } . وقال السدي : يمكثون ألف سنة مما تعدون ، ثم يجيبهم بعد ألف عام ، إنكم ماكثون . قال ابن زيد وغيره : ليقض علينا ربك : ليمتنا . القضاء هنا الموت . ثم قال : { لَقَدْ جِئْنَاكُم بِٱلْحَقِّ } ، أي : لقد جاءتكم الرسل من عند ربكم . { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } ، أي أكثرهم لا يقبل الحق فهذا الذي أنتم فيه جزاء فعلكم . ثم قال : { أَمْ أَبْرَمُوۤاْ أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ } ، ( أي : أم أبرم ) هؤلاء المشركون من قريش أمراً يكبدون به الحق فإنا مبرمون . أي : نخزيهم ونذلهم ونظفرك يا محمد بهم . قال مجاهد : معناه إن كادوا بشرٍّ كدناهم مثله . وقال قتادة : معناه : ( أم أجمعوا ) أمراً فإنا مجمعون " . وقال ابن زيد معناه : ( أم أحكموا ) أمرهم فإنا محكمون لأمرنا . وقال الفراء معناه : أم أحكموا أمرا ينجيهم من عذابنا على قولهم فإنا نعذبهم . يقال : أبرم الأمر إذا بالغ في إحكامه . وأبرم الفاتل إذا أدغم ، وهو الفتل الثاني والأول يقال له سحيل كما قال زهير : @ … مِنْ سَحِيلٍ وَمُبْرَمِ @@ ثم قال تعالى : { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَىٰ } ، أي : نسمع ذلك ونعلم ما أخفوا وما أعلنوا . ثم قال : { وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } ، أي والحَفَظَةُ عندهم يكتبون ما نطقوا به . ويروى " أن هذه الآية نزلت في ثلاثة نفر تدارءوا في سماع الله عز وجل كلام عبادة " . قال محمد بن كعب القرظي : بينا ثلاثة نفر بين الكعبة وأستارها قرشيان وثقفي ، أو ثقفيان ، وقرشي ، فقال واحد من الثلاثة : ترون أن الله يسمع كلامنا ؟ ! فقال : إذا جهرتم سمع ، وإذا أسررتم لم يسمع . فقال الثاني : إن كان يسمع إذا أعلنتم فإنه يسمع إذا أسررتم قال : فنزلت : { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم } الآية . ثم قال تعالى : { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } ، أي : قل يا محمد إن كان للرحمن ولد على زعمكم فأنا أول المؤمنين بالله في تكذيبكم فقولوا ما شئتم ، هذا معنى قول مجاهد . وقال ابن عباس / معناه : " لم يكن ولد فأنا أول الشاهدين " ( فمعنى الكلام ) على قول ابن عباس : ما كان ذلك ولا ينبغي أن يكون ، وهو معنى قول قتادة وابن زيد ، وهو قول زيد بن أسلم . فـ " إن " بمعنى : ( " ما " التي للنفي ) . وقيل معنى : { فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } ، أي : أول من يعبد الله عز وجل بالإيمان والتصديق أنه ليس للرحمن ولد ، أي : على ( هذا عبد ) الله سبحانه وقال السدي معناه : " لو كان له ولد كنت أول من عبده ( بأن له ولداً ) ولكن لا ولد له " . فجعل " إن " للشرط ، وهو اختيار الطبري ، لأنك إذا جعلت " إن " بمعنى " ما " أوهمت أنك إنما نفيت عن الله سبحانه الولد فيما مضى دون ما هو آت . وإذا جعلت " إن " للشرط أخبرت أنه كان له ولد على قولكم فأنا أول من عبده على ذلك ولكن لا ولد ، ولا ينبغي أن يكون ، وهذا عنده ( من الإلطاف ) في الكلام ، وحسن المخاطبة بمنزلة قوله : { وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ سبأ : 24 ] ، وقد علم أن الحق معه وأن مخالفيه في الضلال . وقيل معنى " العابدين " الآنفين . حكى : ما عبد فلان إن فعل كذا ، أي : ما أنف . وهذا قول مردود لأنه يلزم منه أن يقول العابدين . إنما يقال ، فلان عبد من كذا ، أي : آنف منه . ولا يقال عابد بمعنى : أنف . وقال : أبو عبيدة مجازها : فأنا أول العابدين ، أي : الجاحدين من عبد يعبد إذا حجد . وحكى : فلان عَبَدَني حَقّاً ، أي : جحدني . ثم قال تعالى : { سُبْحَانَ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ، أي : تبرئة له وتنزيهاً له من الولد وغير ذلك من الأشياء المذمومة . وقوله : { رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } ، أي يكذبون . وحكى أبو حاتم أن قوماً يقفون { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ } ، ثم يبتدؤون : { فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } على معنى : قل يا محمد : ما كان للرحمن ولد : وهو قول يعقوب وغيره . ثم قال تعالى : { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } . هذا تهدد ووعيد من الله جل ذكره للمشركين ، أي : سيعلمون يوم القيامة جزاء لعبهم وخوضهم في الباطل . ثم قال تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِي ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ } ، أي : هو المعبود في السماء وفي الأرض ، فلا شيء تصلح له الألوهية إلا هو . قال قتادة : معنى الآية : وهو الذي يعبد في السماء ويعبد في الأرض . ثم قال : { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ } ، أي : وهو الحكيم في تدبيره خلقه ، العليم بمصالحهم . وفي حرف ابن مسعود : ( وهو الذي في السماء الله وفي الأرض الله ) ، وهي مروية عن عمر وأُبي . ثم قال تعالى : { وَتَبَارَكَ ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } ، أي : وتعالى الذي في ملكه ذلك كله وفي تدبيره وبيده . وقوله : { وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } ، أي : وتفرد بعلم قيام الساعة ، { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } ، أي : تردون بعد مماتكم . ثم قال تعالى : { وَلاَ يَمْلِكُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَاعَةَ } ، أي ، ولا تملك الآلهة التي يعبدها هؤلاء المشركون من دون الله شفاعة لهم ولا لغيرهم . وقيل المعنى : ولا يملك عزيرُ وعيسى والملائكة الذين عُبِدُوا من دون الله عز وجل شفاعة لمن عبدهم ، قاله مجاهد . والقول الأول قاله قتادة . { إِلاَّ مَن شَهِدَ بِٱلْحَقِّ } ، أي : بالتوحيد لله والطاعة له . { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } ، أي : يعلمون ( أن ما أقروا به حق ) . وقيل معنى { إِلاَّ مَن شَهِدَ بِٱلْحَقِّ } ، يعني : عيسى وعزيرُ والملائكة فإنهم يشفعون لمن أراد الله عز وجل . قال مجاهد ، معناه : لا يشفع المسيح وعزير والملائكة إلا من شهد بالحق ، أي : قال لا إله إلا الله . فهذا يدل على أنه استثناء ليس من الأول . ثم قال تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } ، أي ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله من قومك من خلقهم ليقولن خلقهم الله . ثم قال : { فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } ، أي : فمن أي وجه يصرفون عن عبادة الله الذي خلقهم ، ويحرمون اتباع رضاه . ثم قال تعالى : { وَقِيلِهِ يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ } من نصب " وقيله " عطفه ، عند الأخفش على " سرهم ونجواهم " ( أي : نسمع سرهم ونجواهم وقيله . وقيل إنما ) يجوز نصبه على المصدر . وقال الزجاج : هو معطوف على موضع الساعة ، ( لأن معنى " وعنده علم الساعة " ) ويعلم وقت الساعة ويعلم قيله . وقيل هو معطوف على مفعول " يعلمون " المحذوف ، والتقدير : هم يعلمون الحق وقيله . وقيل معطوف على مفعول " يكتبون " المحذوف ، والتقدير : ورسلنا لديهم يكتبون ذلك وقيله . ومن خفضه عطفه على لفظ " الساعة " ، أي : وعنده علم الساعة وعلم قيله . والرفع فيه جائز على الابتداء . والمعنى : ونسمع شكوى محمد وقيله : يا رب ، إن هؤلاء الذين أمرتني أن ندعوهم وننذرهم لا يؤمنون . وهذا قول كان يقوله النبي صلى الله عليه وسلم لما امتنعت عليه قريش من الإيمان فأنزله الله جل ذكره . قال مجاهد وقتادة : هذا قول نبيكم صلى الله عليه وسلم يشكو / قومه إلى ربه ، حكاه الله جل ذكره لنا في كتابه . والهاء في " وقيله " عائد على النبي صلى الله عليه وسلم وقيل : تعود على عيسى ، فترجع على قوله تعالى : { وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً } [ الزخرف : 57 ] - الآية . ثم قال تعالى : { فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ } ، أي : دعهم واغفر لهم قولهم وفعلهم ، وقل : مسالمة ومتاركة مني إليكم ، وتقديره : وقل أمري سلام . وهذا كان قبل أن يؤمر بالقتال ، ثم نسخ ذلك بالأمر بالقتال . وقال الفراء : التقدير : وقل سلام عليكم ، ثم حذف ، وهو بعيد لم يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يجيبهم ، إنما أمر ( بأن يسالمهم ) حتى يأتيه أمر الله عز وجل . وقد نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يبدأ النصارى واليهود بالسلام فكيف يأمره الله بذلك للمشركين وينهاه عنه . قال ابن عباس : " فاصفح عنهم ، أي : أعرض عنهم " . ثم قال : ( فسوف تعلمون ) . هذا تهدد ووعيد ، أي : سوف تلقون ما يسوؤكم غداً إن تماديتم على كفركم .