Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 62-73)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ } - إلى قوله - : { مِّنْهَا تَأْكُلُونَ } ، أي : ولا يمنعكم الشيطان من اتباع الحق . { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } أي : ظاهر العداوة . ثم قال تعالى : { وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِٱلْحِكْمَةِ } ، أي : ولما جاء عيسى ) بني إسرائيل بالآيات الواضحات . يعني : المعجزات . وقيل : بالبينات : بالإنجيل : قاله قتادة ، قال لهم قد جئتكم بالحكمة . قال السدي : الحكمة ها هنا النبوءة . وقيل : الحكمة : الإنجيل . ثم قال : { وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ } . قال أبو عبيدة : " بعض " بمعنى : " كل " وَرَدَّ ذلك أكثر العلماء لأن فيه التباسَ المعاني وفسادَ الأصول ونقضَ العربية . والمعنى عند الزجاج : ولأبين لكم في الإنجيل بعض الذي تختلفون فيه . ( فبين لهم ) من غير الإنجيل ما احتاجوا إليه . وقيل معناه : إنه يبين لهم بعض الذي اختلفوا فيه من أحكام التوراة على مقدار ما سألوه عنه ، ويجوز أن يختلفوا في أشياء غير ذلك لم يسألوه عن بيانها . قال مجاهد معناه : ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه من تبديل التوراة . وقيل المعنى : إن بني إسرائيل اختلفوا بعد موسى في أشياء من أمر دينهم ، وأشياء من أمر دنياهم ، فبين لهم عيسى بعض ما اختلفوا فيه وهو أمر دينهم خاصة ، فلذلك قال : { بَعْضَ ٱلَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ } . ثم قال : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } ، أي : فاتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه ، وأطيعون فيما أقول لكم . { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ } ، أي : إن الذي يستوجب الإفراد بالعبادة هو الله . { هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } ، أي : هذا الذي أمرتكم به هو الطريق المقوم الذي لا يوصل إلى رضى الله إلا باتباعه . ثم قال تعالى : { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ } . قال قتادة : الأحزاب هنا ، هم الأربعة الذين أخرجهم بنو إسرائيل يقولون في عيسى . ذكر ابن حبيب أن النصارى افترقت في عيسى بعد رفعه على ثلاث فرق : فرقة قالت : هو الله ، هم اليعقوبية قال الله عنهم : { لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَآلُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ } [ المائدة : 17 ] . وفرقة ثانية قالت : هو ابن الله ، وهم النسطورية . وهم الذين قال الله فيهم : { وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } [ التوبة : 30 ] . وفرقة ثالثة قالت : هم ثلاثة : الله إله ، وعيسى إله ، وأمه إله وهم الملكانية . وهم الذي قال الله فيهم : { لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } [ المائدة : 73 ] . فالنصارى فيه إلى اليوم على هذه الثلاث فرق . وكانوا فيه - إذ كان بين أظهرهم - على فرقتين : فرقة آمنت به ، وفرقة كفرت به - وهم الأكثر - ثم لما رفع اختلفوا / فيه على هذه الأقوال الثلاثة . وقال السدي : " الأحزاب : اليهود والنصارى " . ومعنى من بينهم ، أي : من بين من دعاهم عيسى إلى ما دعاهم إليه من اتقاء الله والعمل بطاعته . ثم قال : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ } ، أي : فالوادي السائل من القيح والصديد في جهنم للذين كفروا بالله من عذاب يوم أليم ، وهو يوم القيامة . ثم قال تعالى : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً } ، أي : هل ينظر هؤلاء الأحزاب المختلفون في عيسى إلا الساعة ( بغتة ، أي : فجأة ) . " وأن " في موضع نصب بدل من " الساعة " بدل الاشتمال . { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } ، أي : لا يعلمون بمجيئها . ثم قال تعالى : { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } أي : المتخالون على معاصي الله في الدنيا يوم تقوم الساعة يتبرأ بعضهم من بعض إلا الذين تخالوا فيها على تقوى الله . قال ابن عباس : " كل خلة في الدنيا هي عداوة يوم القيامة ، إلا خلة المتقين " . وقال مجاهد ، معناه : الأخلاء في الدنيا على معصية الله متعادون يوم القيامة . ثم قال تعالى : { يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } وفي الكلام حذف ، أي : إلا المتقين ، فإنه يقال لهم يا عبادي لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون على فراق الدنيا ، لأنكم قَدِمْتُمْ على ما هو أفضل منها . وروي ( أن الناس ) ينادون بهذا النداء يوم القيامة فيطمع فيها من ليس من أهلها ، حتى إذ سمع قوله : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ } ( فييئس منها عند ذلك كل أحد إلا المسلمين ومعنى " وكانوا مسلمين " ، أي : وكانوا أهل خضوع لله عز وجل بقلوبهم . وقيل : { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ } الرسل واستسلام له . وروي عن بعض التابعين أنه قال يخرجون من القبور وكلهم مدعين فيناديهم منادٍ : { يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } فيطمع فيها الخلق كلهم ، فيتبعها : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ } . فيئس منها الخلق إلا أهل الإسلام . قال ( ابن عباس ) : يخرجون فينظرون إلى الأرض غير الأرض التي عهدوا ، ( وإلى الناس غير الناس الذين عهدوا ) . وكان ابن عباس يتمثل بعد هذا القول بقول الشاعر : @ فَمَا النَّاسُ بِالنَّاسِ الذِينَ عَهِدتَّهُمْ ولا الدَّارُ بِالدَّارِ الَّتِي كُنْتَ تَعْرِفُ @@ ثم قال تعالى : { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ } ، أي : تكرمون ، قاله ابن عباس . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن تحبرون فقال : " اللَّذَّةُ والسَّماعُ بِمَا شَاءَ اللهُ ( مِن ذِكْرِهِ ) " . " فالذين " يحتمل أن يكون مبتدأ " وادخلوا " الخبر على حذف القول ، أي : يقال لهم : ادخلوا الجنة . ويجوز أن يكون نعتاً " للعباد " في موضع نصب ، يدل على ذلك قوله : { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ } وما بعده . فأتى بلفظ الخطاب . ويدل على الوجه الأول قوله : { يُطَافُ عَلَيْهِمْ } وما بعده ، فأتى بلفظ الغيبة . فالعباد مخاطبون لأن المنادى مخاطب . " والذين " لفظهم لفظ غيبة . فكلا ( الوجهين له ) دليل . ثم قال تعالى : { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ } ، أي : يطاف على هؤلاء الذين آمنوا في الجنة بقصاع من ذهب وأكواب من ذهب ، أي : يطوف عليهم بذلك الغلمان . " والأكواب : التي ليست لها آذان " ، قاله السدي . وقال قتادة : هي دون الأباريق . وقيل : الكوب الإبريق المستدير الذي لا أذن له ولا خرطوم . والمعنى : يطاف عليهم في الجنة بصحاف الطعام وأكواب الشراب من ذهب . فاستغنى بذكر الصحاف والأكواب عن ذكر الطعام والشراب لمعرفة السامعين بمعناه . قال ابن جبير : إن أدنى أهل الجنة منزلة مَنْ له قصر فيه سبعون ألف خادم ، في يد كل خادم صحفة سوى ما في يد صاحبتها . لو فَتَحَ بابه فضافَه أهل الدنيا لوسعهم ، لا يستعين عليهم بشيء من غيره ، وذلك قوله : { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا } [ ق : 35 ] { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ } . قال عبد الله بن عمر : ( وما أحد ) من أهل الجنة إلا يسعى عليه ألف غلام ، ( كل غلام على ) عمل خلاف ما عليه صاحبه . وقوله : { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ } ، أي : وفي الجنة ما تشتهي نفوسكم أيها المؤمنون وتلذ أعينكم . { وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } ، أي : ماكثون أبداً . " وروى سفيان أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ، إني أحب الخيل ، فهل في الجنة خيل ؟ فقال له : " إنْ يُدْخِلكَ اللهُ الجَنَّةَ - إِنْ شَاءَ اللهُ - فَلاَ تَشَاءُ أََنْ تَرْكَبَ فَرَساً مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ يَطيرُ بِكَ في أَيِّ الجَنَّةِ شِئْتَ إِلاَّ فَعَلْتَ . فقال الأعرابي : يا رسول الله ، إنى أحب الإبل ، فهل في الجنة إبل ؟ فقال : يَا أَعْرَابِيُّ ، إِنْ يُدْخِلَكَ اللهُ الجَنَّةَ - إِنْ شَاءَ اللهُ - فَفِيها مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ لَكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ " " . وقال أبو أمامه : إن الرجل من أهل الجنة ليشتهي الطائر وهو يطير فيقع في كفه نضيجاً فيأكل منه ( حيث تشتهي ) نفسه / ثم يطير ، ويشتهي الشراب ، فيقع الإبريق في يده فيشرب منه ما يريد ، ثم يرجع إلى مكانه . وقال أبو طيبة السلمي : إن الشَّرْبَ من أهل الجنة لَتُظِلُّهُم السحاب ، فقال فتقول : ما أمطركم ؟ قال : فما يدعو داع شيئاً إلا أمطرتهم ، حتى إن القائل منهم ليقول : أمطرينا كواعب أتراباً . ثم قال تعالى : { وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِيۤ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ، ( أي : وتلك الجنة أورثكموها الله عن أهل النار ، بما كنتم تعملون ) في الدنيا من الخير . { لَكُمْ فِيهَا } ، أي : في الجنة . { فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ } ، أي : من كل نوع . { مِّنْهَا تَأْكُلُونَ } ، أي : من الفاكهة تأكلون ما اشتهيتم . وقد قال ابن خالويه : إنما أشار إلى الجنة بإشارة البعيد فقال : " وتلك " وأشار إلى جهنم في ( قوله : هذه ) جهنم بإشارة القريب لتأكيد التخويف من جهنم لأن الله عز وجل قد يتفضل على عباده فيدخلهم الجنة بغير عمل كالأطفال والمجانين ، ولا يعذب أحداً منهم إلا على ذنب اكتسبه ، فحذرهم الله عز وجل في النار وقَرَّب الإشارة إليها ، ( أكثر مما شوقهم ) إلى الجنة ، فجعل جهنم كأنه يُنظر إليها كالحاضرة ، تخويفاً منها .