Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 9-15)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } إلى قوله : { لَكَفُورٌ مُّبِينٌ } . أي : ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين من قومك ، من خلق السماوات والأرض ؟ { لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } ، أي : العزيز في انتقامه وسلطانه ، العليم بكل شيء . ثم قال تعالى : { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } ، أي بساطاً فسهل عليكم / التصرف فيها من بلد إلى بلد . { وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً } ، أي : طرقاً . { لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } ، أي : كي تهتدوا في تصرفكم بتلك الطرق فتتوجهوا حيث شئتم . ولولا ذلك ( لم يطق ) أحد برَاحاً من موضعه ومنشئه . قوله : { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } ليس بمتصل بما قبله ، لأن ما قبله من جواب المشركين - حكاه الله عنهم . ولو اتصل بما قبله لكان : " الذي جعل لنا الأرض " . لكن معناه : إن الله جل ذكره وصف نفسه بنعمه بعد جواب المشركين . فثم إضمار " هو " ، هو الذي جعل لكم الأرض مهاداً ، ثم وصف نعمه - نعمةً ( بعد نعمةٍ ) - تنبيه وتقرير . ثم قال تعالى : { وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ } ، أي : مطر بمقدار الحاجة بكم إليه . ولم يجعله كالطوفان فيكون عذابا يغرق ، ( ولا جعله ) قليلاً ( لا ينبت ) به الزرع والنبات ، ولكنه جعله بمقدار حاجتكم إليه . وقوله تعالى : { فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } ، أي : فأحيينا بذلك المطر بلداً لا نبات فيه ولا زرع فأنبت ، فهو كالحياة له . فكما أحيى الأرض بالمطر فأنبتت ولم يكن فيها نبات كذلك يحيي الموتى بالمطر فيخرجون من قبورهم ( إلى ربهم ) . وروي عن ابن مسعود أنه قال : يرسل الله جل ثناؤه ماء مثل مني الرجال ، وليس شيء مما خلق الله من الأرض إلا وقد بقي منه شيء ، فينبت بذلك الماء : الجسمان واللحوم ، تنبت من ( الثرى والمطر ) ، ثم قرأ ابن مسعود : { وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } - إلى - { تُخْرَجُونَ } . ثم قال تعالى : { وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا } ، أي : الأجناس والأصناف من الخلق . وقيل : معنى خلق كل شيء فزوجه ، بأن خلق الذكور من الإناث أزواجاً ، وخلق الإناث من الذكور أزواجاً . وواحد الأزواج على " فَعْل " وكان بابه أن يجمع على " أَفْعُلٌ " إلا أنهم استثقلوا الضمة في الواو فنقلوه إلى جمع " فعل " فجمعوه على " أفعال " ( وبابه " أفعال " ) فشبه فعلاً بفعل إذ عدد الحروف متساوية ، وعلى ذلك ( أيضاً شبهوا ) " فَعَلاً " بـ " فَعْل " وجمعوه على " أَفْعُل " وبابه " أَفْعَال " قالوا : زَمَنٌ وَأَزْمُنٌ . ثم قال تعالى : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ } يعني : السفن في البحر ، والإبل والخيل والبغال والحمير في البر ، تركبون ذلك حيث شئتم . ثم قال تعالى : { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ } ، ( أي : على ظهور ) ما تركبون ، فلذلك وحدت الهاء . وقال الفراء : معناه : على ظهور هذا الجنس ، فهو عنده بمنزلة " كَثُرَ الدِّرْهَمُ . والأحسن أن تكون مردودة على لفظ " ما " في قوله : { مَا تَرْكَبُونَ } و " ما " مذكرة اللفظ موحدة . ومثله الهاء في قوله : { إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ } . وإنما أتى " ظهوره " بالجمع ، لأنه رد على المعنى الواحد فيه بمعنى الجمع ، ورجعت الهاء على " ما " على اللفظ . وهذا نادر قدم فيه الحمل على المعنى ( على الحمل على اللفظ وباب " من " و " ما " أن يقدم فيه الحمل على اللفظ قبل الحمل على المعنى ) ونظيره قوله تعالى : { وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَٰجِنَا } [ الأنعام : 139 ] ( فقدم الحمل على المعنى قبل الحمل على اللفظ . وهذا على قراءة من قرأ ) خالصة بتاء التأنيث ، ونظيره أيضاً : { كُلُّ ذٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً } [ الإسراء : 38 ] فأنث " سيئة " حملاً على معنى " كل " ، ثم قال : " مكروهاً " فذكَّر ، حملاً على لفظ " كل " . وهو كله ( نادر لم أجد ) له نظيراً . ثم قال تعالى : { ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ } ، أي : نعمة ربكم التي أنعم عليكم بها إذا سخر لكم ما تركبون في البر والبحر . ثم قال : { وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا } ، أي : وتقولوا تنزيها لله ( وبراءة له ) من السوء الذي سخر لنا هذا الذي ركبناه . قال قتادة : علمكم الله كيف تقولون إذا ركبتم الفلك : تقولون : { بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ هود : 41 ] ، وإذا ركبتم الإبل تقولون : { سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } . وعلمكم ( ما تقولون ) إذا نزلتم من الفلك والأنعام جميعاً ، تقولون : اللهم انزلنا { مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ } . وكان طاوس إذا ركب يقول : اللهم هذا من فضلك ومنك ثم يقول : { سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } . ومعنى { مُقْرِنِينَ } : مطيقين ، قاله ابن عباس وقتادة والسدي وابن زيد ، أي لم نطق على الانتفاع بهذه الأنعام إلا بك . وحكى أهل اللغة : أقرن له ، إذا أطاقه . وحكوا أنا مقرن لهذا أي : مطيق له . وقال أبو عبيدة ، مقرنين : ضابطين له . وحكى أنه " يقال : فلان مقرن لفلان ، أي : / ضابط له " . وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان ( إذا جعل رجله في الركاب يقول ) : بسم الله ، فإذا استوى راكباً قال : الحمد لله ، ثم يقول : { سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } اللهم لا إله إلا أنت قد عملت سوءاً ( وظلمت نفسي ) فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . ثم يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كفعلي . وقال مجاهد : من ركب ولم يقل : { سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا … } الآية ، قال له الشيطان تَغَنَّهْ ؛ فإن لم يحسن قال له تَمَنَّهْ . وقوله : { وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } ، أي : ويقولون أيضاً هذا . ومعناه : راجعون بعد الموت ، مبعوثون . وهذا كله في معنى الأمر بذكر نعم الله عز وجل على خلقه وشكره عليها . وقد قيل : إن التقدير : ليأمركم إذا استويتم على ظهوره أن تذكروا نعمته ، وهو مثل قوله : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] ، أي : لأمرهم أن يعبدون ، فقد أمرهم تعالى ذكره بذلك . ثم قال تعالى : { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا } ، يعني : ما أضاف المشركون إلى الله جل ذكره من البنات تعالى عن ذلك علواً كبيراً . ومعنى { وَجَعَلُواْ } ( ها هنا : ) قالوا ووصفوا ، وهو قولهم : الملائكة بنات الله سبحانه وتعالى ، قاله مجاهد والسدي . قال قتادة : الجزء هنا : العدل ، أي : جعل له المشركون عدلاً ، وهي الأصنام . وقال عطاء : جزءاً ، أي : نصيباً ، شريكاً وهو قول الضحاك والربيع بن أنس ، وهو معنى قول ابن عباس . وقال زيد بن أسلم : هي الأصنام . وذكر الزجاج أن الجزء هنا : البنات وأنشد : @ إِن أَجْزَتْ ( حُرَّةُ ) يَوْماً فَلاَ عَجَبَ قَدْ ( تُجْزِىءُ الحُرَّةُ المِذْكَارُ أَحْيَاناً @@ أي : إن ولدت إناثاً . وقال المبرد : الجزء : البنت . وقوله تعالى بعد الآية : { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ } ، وقوله : { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً } يدل على صحة قول مجاهد والسدي . وقوله : { إِنَّ ٱلإنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ } ، أي : إن الإنسان لجحود لنعم ربه ، يتبين كفرانه للنعم لمن تأمله بفكر قلبه ، وتدبر حاله . وهو هنا الكافر .