Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 16-25)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

( قال تعالى : { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ } ، إلى قوله : { عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } ، معناه : لم يتخذ ذلك فأنتم أيها المشركون مبطلون في قولكم ( تعالى عن ذلك علواً ) كبيراً . وهذا لفظ استفهام معناه التوبيخ ، أي : كيف يتخذ البنات على قولكم وأنتم ( لا ترضونهن ) لأنفسكم ( أفأصفاكم واختصكم ) بالبنين . ثم قال تعالى : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً } أي : وإذا بشر أحد هؤلاء الجاعلين لله سبحانه من عباده جزءاً بما وصف ربه به من اتخاذ البنات سبحانه وتعالى صار وجهه مسوداً وهو كظيم ، أي حابس لغمه وحزنه وكربه . قال قتادة : " وهو كظيم ، أي : حزين " . ثم قال : { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } " من " في موضع رفع بالابتداء . ويجوز أن يكون في موضع نصب ترده على { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ } فتبدله من البنات . ويجوز أن يكون في موضع خفض ( تبدله من " ما " ) في قوله : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً } . وفي جواز هذين الوجهين في البدل ضعف لدخول ألف الاستفهام قبل " من " فهي تحول بين البدل والمبدل منه . والمعنى : أجعلتم لله جزءاً ممن يرى في الحلية ويتزين بها ، وهو في مخاصمة من خاصمه غير مبين لحجته وبرهانه لعجزه وضعفه . ففي الكلام حذف استغني عنه - بدلالة ما ذكر بعده . والتقدير : أو من ينشأ في الحلية يجعلون لله نصيباً . قال ابن عباس : عنى بذلك المرأة . وقال مجاهد : " رخص للنساء في الحرير والذهب ، وهن الجواري ؛ جعلوهن للرحمن ولداً ؛ كيف يحكمون " . قال قتادة : " جعلوا لله البنات وهم إذا بشر أحدهم بهن ولّى وجهه مسوداً وهو كظيم " . وقال قتادة : وقوله : { وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } يعني النساء فقلما تتكلم امرأة فتريد أن تتكلم بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها . وقال ابن زيد ( عنى ) بذلك أوثانهم التي كانوا يعبدونها من دون الله ، يضربونها من ( فضة وذهب ) ويعبدونها ، فهم أنشؤوها ضربوها من تلك الحلية ثم عبدوها ، وهي لا تتكلم ولا تبين عن نفسها شيئاً . ثم قال تعالى : { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً } ، أي : ووصفوا الملائكة بهذا الوصف . فجعل هنا بمعنى " وصف " تقول : جعلت فلان أعلم الناس / ، أي : وصفته بهذا . يتعدى إلى مفعول واحد ( في الأصل ) . ثم قال : { أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ } هذا على التقرير والتوبيخ لهم ، ومعناه : لم يشهدوا خلق الملائكة ، فكيف تجرؤوا على وصفهم بالإناث . ثم قال تعالى : على التهدد والوعيد لمن فعل ذلك ( ولمن يقول ذلك ) : { سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ } ، أي : يسألون عن قولهم وافترائهم يوم القيامة ، ولن يجدوا إلى الاعتذار من قولهم سبيلاً . ثم قال تعالى : { وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ } ، أي : وقال هؤلاء المشركون : لو شاء الرحمن ، ما عبدنا أوثاننا من دونه ، وإنما لم تحل بنا العقوبة على عبادتنا إياها لرضاه عنا . قال مجاهد : لو شاء الرحمن ما عبدناهم يعني الأوثان ، والمعنى : هو أمرنا بعبادتها ، دل على ذلك : قوله : { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } ، أي : يكذبون . فهذا الرد عليهم لا يحتمل أن يكون رد الظاهر من قولهم : { لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ } ، لأنه قول صحيح لا يرد ولا ينكر . كما أن قولهم - إذا سُئِلُوا عمن خلق السماوات والأرض فقالوا خلقهن العزيز العليم لا يرد ولا ينكر . ثم قال تعالى : { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ } هذا مردود إلى أول الآية . والتقدير : { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً } { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ } ، أي : ما لهم بقولهم الملائكة إناثاً من علم ، وقيل : إن ذلك مردود على ما قبله ، والتقدير : وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدنا هذه الأوثان ، ثم قال الله : ما لهم بذلك من علم ، أي : من عذر يقوم لهم في عبادتهم الأوثان لأنهم رأوا أن ذلك عذرهم . فرد الله عز وجل عليهم . فالمعنى : ما لهم من علم بحقيقة ما يقولون : ( من ذلك ) ، إنما يقولونه تخرصاً واختراعاً من عند أنفسهم لأنهم لا خبر عندهم من الله عز وجل أن الله سبحانه شاء عبادتهم الأوثان ، ورضي بذلك منهم . ثم قال تعالى : { إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } ، أي : يخرصون ويكذبون في قولهم : لو شاء الرحمن ما عبدنا هذه الأوثان . ثم قال تعالى : { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ } أي : آتينا هؤلاء المتخرصين كتاباً يدل على حقيقة ما يقولون فيحتجون به . والهاء في " من قبله " تعود على القرآن . ثم قال تعالى : { بَلْ قَالُوۤاْ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ } ، أي : لم يأتهم كتاب بعبادتهم الأوثان ولكنهم قالوا : إنا وجدنا آباءنا على دين وملة ، فنحن نتبع ما كانوا عليه . وقرأ مجاهد وعمر بن عبد العزيز " على إمّةٍ " بكسر الهمزة قال الكسائي : هما لغتان وقال غيره : هو مصدر أممت القوم إمة . وحكي عن العرب : " ما أحسن إِمَّتَهُ وعِمَّته وجِلسته " . ثم قال : { وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّهْتَدُونَ } ، أي : قالوا : وجدنا آباءنا على دين ، فنحن متبعون لما كانوا عليه . هذا كله حكاية عن قريش . ثم قال تعالى : { وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } ، أي : كما قال لك ( يا محمد قومك ) إنهم متبعون في دينهم لما كان عليه آباؤهم كذلك قال من كان قبلهم من مترفي الأمم لرسلهم الذين ينذرونهم من عقاب الله عز وجل . والمترفون : الرؤساء والأشراف منهم . فسلك قريش فعلهم سبيل من كان قبلهم من الأمم المكذبة . ومعنى " مقتدون " أي : نقتدي بفعلهم ، فاتبعوهم على الكفر . ثم قال تعالى : { قَٰلَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ } ، أي : قل يا محمد لهؤلاء المتبعين ما وجدوا عليه آباءهم من الدين ، أَوَلَوْا جِئْتُكُمْ أيها المشركون - من عند ربكم - بأهدى مما كان عليه آباؤكم من ( الدين تتبعون ) ما وجدتم عليه آباءكم ، وغيره أهدى الى الحق وأصوب منه ! ثم قال تعالى : { قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } ، أي : فقال محمد صلى الله عليه وسلم ذلك لهم فقالوا : إنا بما أرسلتم به كافرون ، أي : جاحدون منكرون . وجمع في قوله : " أرسلتم " لأن من كذب نبياً فقد كذب جميع الأنبياء . ثم قال تعالى : { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } ، أي : فانتقمنا من هؤلاء الذين كذبوا رسلهم ، فانظر يا محمد كيف كان عاقبة المكذبين ، فكذلك ننتقم من قومك إن تمادوا على تكذيبك .