Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 44, Ayat: 1-15)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال تعالى : { حـمۤ * وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } - إلى قوله - : { إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ } ، قد تقدم ذكر حم . وقوله : { وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } معناه ، وحق الكتاب الظاهر ، يعني : القرآن . وجواب القسم في قوله : { وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } قوله : { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } . وقيل : { إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ } . وقيل : لا يجوز أن يكون الجواب { إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ } لأنه صفة للمقسم به . ولا يكون صفة المقسم به جواباً للقسم . ثم قال : { إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } ، يعني : القرآن أنزل إلى السماء الدنيا جملة ليلة القدر ، وهي الليلة المباركة ، ثم نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في نيف وعشرين سنة نجوماً ، نجم بعد نجم ، وهو معنى قوله تعالى : { وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ } [ النجم : 1 ] ، أي : والقرآن إذا نزل ، وهو معنى قوله أيضاً : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } [ الواقعة : 75 ] ، اي : أقسم بنزول القرآن و " لا " صلة . قال قتادة : الليلة المباركة : ليلة القدر . ونزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان ، ( ونزلت التوراة لست ليالٍ مضين من رمضان ، ونزل الزبور لاثنتي عشرة ليلة مضت من رمضان ) ، ونزل الإنجيل لثماني عشرة ليلة مضت من رمضان ، ونزل القرآن لأربع وعشرين مضت من رمضان . قال ابن عباس : أنزل الله عز وجل القرآن في ليلة القدر إلى السماء الدنيا جملة واحدة ، ثم نزل به جبريل في عشرين سنة . وقيل المعنى : إنا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر . وقوله : { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } . قال عكرمة : هي ليلة النصف من شعبان فيها يبرم أمر السنة . وظاهر التلاوة يدل على أنها ليلة قدر تفرق فيها الأرزاق وتقضى الآجال إلى مثلها من قابل . قال أبو العالية : ليلة القدر بركة كلها ، لا يوافقها عبد مؤمن يعمل إحساناً إلا غفر له ما مضى من ذنوبه . قال عكرمة : يكتب في ليلة النصف من شعبان الحاج حاج بيت الله الحرام فلا يغادر منهم أحدا ولا يزاد فيهم أحد . والبركة في اللغة : الثبات والدوام والزيادة . وقوله : { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } ، أي : منذرين خلقنا بهذا القرآن الذي أنزلناه في ليلة القدر أن يحل بهم العذاب بكفرهم . ثم قال تعالى : { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } ، أي في تلك الليلة المباركة يقضى كل أمر محكم ، وهو أمر السنة كلها ، من يموت ومن يولد ، ومن يُعَزُّ ومن يُذَلُّ ، وغير ذلك . سئل الحسن : هل ليلة القدر في كل رمضان ؟ فقال : أي ، والله إنها لفي كل رمضان ، وإنها الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم ، فيها يقضي الله كل أجل وأمل ورزق إلى مثلها ، وهو قول مجاهد وقتادة ، وقاله ابن عباس وغيره . وقيل معنى " يفرق " : يفصل بين المؤمن والكافر والمنافق فيقال للملائكة هذا فيعرفونه . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " " ( تُقْطَعُ الآجَالُ ) مِنْ شَعبَانَ إِلى شَعْبَانَ حَتَّى أَنَّ الرَّجُلَ لَيَنْكِحُ وَيُولَدُ لَهُ وَلَقَدْ خَرَجَ اسْمُهُ فِي المَوْتَى " ، وَبِهِ قَالَ عِكْرِمَةُ : إِنَّهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ . ثم قال تعالى : { أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ } ، أي : قضاء قضيناه ، أي : أمراً نأمر به تلك الليلة . وانتصب أمراً على أنه مصدر في موضع الحال عند الأخفش ، أي : إنا أنزلناه آمرين أمراً وراحمين رحمةً . وقال المبرد : نصبه نصب المصدر على معنى : أنزلناه إنزالاً فالأمر يشتمل على الإخبار . وقال الجرمي : هو حال من نكرة ، وأجاز هذا رجلٌ مُقْبِلاً . وقال الزجاج : هو مصدر : والتقدير : فيها يفرق فرقاً / فأمر ، بمعنى : فرق . وقيل : إن " يفرق " يدل على " يؤمر " فانتصب " أمراً " على المصدر وعمل فيه المعنى . وقوله : { رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } . انتصب الرحمة على الحال - عند الأخفش - ، ونصبه الفراء على أنه مفعول لـ " مرسلين " ، وجعل " الرحمة " هي النبي صلى الله عليه وسلم وأجاز الزجاج أن تنصبه على أنه مفعول من أجله . وقيل : هي بدل من " أمراً " . وقيل : نصبها على المصدر . والمعنى : إنا كنا مرسلين رسولا وهو الرحمة . إن الله هو السميع لما يقول المشركون في رسوله ، العليم بما ينطق ( في علمه ) ضمائرهم وغير ذلك من أمورهم . " وإنا أنزلناه جواب القسم . ثم قال تعالى : { رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ } ، أي : الذي أنزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم هو رب السماوات والأرض وما بينهما ، أي : هو مالك ذلك كله ومبتدعه ومدبره . { إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ } ، أي : إن كنتم توقنون بحقيقة ما أخبرتكم به من أن ربكم رب السماوات والأرض . وقوله : { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } ، أي : هو مالككم ومالك من مضى قبلكم من آبائكم الأولين . ثم قال : { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ } ، أي ما هم على يقين مما يقال لهم ( لكنهم في شك منه ، فهم يلعبون لشكهم . ثم قال تعالى : { فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } أي : فانتظر يا محمد ) النقمة منهم وقت يحول بينهم وبين السماء دخان من شدة الجوع . بلغ بهم الجوع إلى أن كانوا يأكلون الغلهز ، والغلهز أن يفقأ القُراد في الصوف . ويشوى ذلك الصوف بدم القراد ويؤكل . والقُراد : الحلم . فرحمهم النبي صلى الله عليه وسلم وبعث إليهم بصدقة ومال . ومفعول : " فارتقب " محذوف ، وهو النقمة وشبهها . وقيل : التقدير هذا عذاب أليم فارتقبه يوم تأتي ، وفيه بُعْدٌ لحذف الهاء من غير صلة ولا صفة ، ولأنه رفع " العذاب " مع حذف الهاء ، وذلك لا يحسن إلا في الشعر . " وقد حَلَّ ( بقريش ذلك كله ) ، إذ دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " اللَّهُمَّ سِنِينَ كَسِني يُوسُفَ " " . فأُخِذُوا بالجوع . فكان الرجل يحول بينه وبين النظر إلى السماء دخان من شدة الجوع ، فيصير كهيئة الدخان ، هذا قول ابن مسعود وغيره من المفسرين . وقيل : الدخان آية من آيات الله يرسله الله عز وجل على عباده قبل مجيء الساعة فيدخل في أسماع أهل الكفر ويعتري أهل الإيمان كهيئة الزكام ، روي ذلك عن ابن عمر والحسن . وروى حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أَوَّلُ الآياتِ الدُّخَانُ ، وَنُزُولُ عِيسَى ، وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنُ أبين تَسُوقُ النَّاس إِلَى المَحْشَرِ تَقِيلُ مَعَهُمْ إِذا قَالُوا . قال حذيفة : يا رسول الله وما الدخان ؟ : فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } - الآية ، ثم قال : ( يُمْلَكُ بِالدُّخَانِ ) مَا بَيْنَ ( المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ ) ، يَمْكُثُ أَرْبَعِينَ يَوْماً وَلَيْلَةً . أَمَّا المُؤْمِنُ فَيُصِيبَهُ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزَّكْمَةِ ، وَأَمَّا الكَافِرُ فَكَهَيْئَةِ السَّكْرَانِ ، يَخْرُجُ مِنْ مَنْخَرَيْهِ وَأُذُنَيْهِ وَدُبُرِهِ " . وقيل : إن الدخان هو ما ينتظر بهم يوم القيامة من العذاب ، قاله زيد بن علي . ثم قال : { يَغْشَى ٱلنَّاسَ هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، أي : يغشى ذلك الدخان الناس يقولون هذا عذاب أليم . ثم قال : { رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ } ، أي : يقولون ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون . ثم قال تعالى : { أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ } ، أي : من أي وجه لهم التذكر بالإيمان عند حلول العذاب بهم ، وقد تولوا عما جاءهم به رسولهم . { وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ } ، أي : علم هذا الذي جاءنا به ليس هو من عند الله . ثم قال تعالى : { إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً } ، أي : إنا نكشف عنكم العذاب الذي نزل بكم بالخصب والرخاء وقتاً قليلاً ، إنكم عائدون إلى كفركم إذا كشفناه عنكم ، ( وتنقضون ما عهدتم ) به أنكم تؤمنون إذا كشف عنكم . وقيل معناه : إنكم عائدون في عذاب الله ( في الآخرة ) إن لم تؤمنوا . وقيل معناه : عائدون إلى الشرك .