Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 44, Ayat: 16-29)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ } - إلى قوله - { وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ } ، أي : ننتقم منكم إن عدتم إلى كفركم عند كشفنا عنكم ما أنتم فيه من الجهد يوم نبطش البطشة الكبرى ، وهو يوم بدر عند أكثر المفسرين ، قاله ابن مسعود وابن عباس ومجاهد والضحاك وابن زيد وأبو العالية ، وهو قول وهو قول أُبي بن كعب ، أمكن الله عز وجل منهم المؤمنين يوم بدر فقتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين . والعامل في " يوم نبطش " : " منتقمون " . / وقيل : العامل فيه فعل مضمر ، تقديره : اذكر يا محمد يوم نبطش . وهو الأحسن ، لأن الظرف لا يعمل فيه ما بعد أن عند البصريين . وقيل التقدير : ننتقم يوم نبطش ، ودل عليه " منتقمون " . وفيه أيضاً بُعْدٌ لأن ما بعد " إنَّ " لا يفسر ما قبلها كما لا يفعل ( ما بعدها ) فيه . فإضمار " اذكر " أحسن الوجوه ، وذلك أن الله جل ذكره كشف عنهم ما كانوا فيه من الجهد فعادوا إلى كفرهم فأهلكهم قتلا بالسيف يوم بدر . فيكون العامل في " يوم نبطش " فعلاً مضمراً يفسره " إنا منتقمون " . ولا يحسن أن يعمل فيه " منتقمون " ، لأن ما بعد " أن " لا يعمل فيما قبلها . ويجوز أن يكون العامل " اذكر " مضمرة . وقال عكرمة : البطشة الكبرى هي بطشة الله عز وجل بأعدائه يوم القيامة . وكذلك روى قتادة عن الحسن . ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ } ، أي اختبرناهم وابتليناهم قبل مشركي قومك يا محمد . { وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ } يعني موسى صلى الله عليه وسلم أي " كريم عند ربه عز وجل . وقيل كريم من قومه . وقيل : الفتنة في هذا العذاب . وفي الكلام تقدير وتأخير ، والتقدير ، ولقد جاء قوم فرعون رسول كريم . وفتناهم ، أي : عذبناهم بالغرق ، لأن العذاب - وهو الغرق - كان بعد مجيء موسى إليهم وإنذاره إياهم وكفرهم . ثم قال تعالى : { أَنْ أَدُّوۤاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } . قال ابن عباس معناه : ( أن اتبعوني ) إلى ما أدعوكم إليه يا عباد الله فيكون " عباد " : نصب على النداء المضاف على هذا القول . وقال مجاهد معناه : أن أرسلوا معي عباد الله وخلوا سبيلهم ، يعني بني إسرائيل . فينتصب " عباد " على أنه مفعول به " بأدوا " على هذا القول . قال قتادة : قال موسى لفرعون : ( على من ) تحبس هؤلاء القوم ، قوما أحراراً ( اتخدتهم عبيداً ، خَلِّ ) سبيلهم . قال ابن زيد معناه : أرسل عباد الله معي ، يعني بني إسرائيل ، وهو مثل قوله : { فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ } [ طه : 47 ] . وقيل التقدير : وجاءهم رسول أمين يقول لهم : أدوا إِليِّ عباد الله أي : خلوا سبيلهم إني لكم رسول من الله إليكم ، أنذركم بأسه إن لم تؤمنوا ، أمين على وحيه ورسالته إليكم . ثم قال : { وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِنِّيۤ آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } ، أي : وجاءكم رسول كريم بأن أدوا إلي عباد الله وبألا تعلوا على الله ، أي : لا تطغوا على ربكم فتكفروا به . { إِنِّيۤ آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } ، أي : بحجة ظاهرة تدل على صحة ما جئتكم به . ثم قال : { وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ * وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَٱعْتَزِلُونِ } ، أي : قال لهم موسى " : وإني اعتصمت واستعذت بربي وربكم من أن تشتمون بألسنتكم ، قاله ابن عباس والضحاك . وقال أبو صالح : أن ترجمون معناه : أن تقولوا لي شاعر ( أو كاهن ) أو ساحر . وقال قتادة معناه : " أن ترجمون بالحجارة " . وقال الفراء : " الرجم - هنا - القتل " . استجار بالله عز وجل واعتصم به سبحانه من أن يقتلوه . ثم قال لهم : { وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَٱعْتَزِلُونِ } ، أي : إذا أنتم لم تصدقون فيما أقول لكم فخلوا سبيلي ( ولا تؤذون ) . وقيل معناه : فدعوني كفافاً ، لا عَلَيَّ ولا لي . قال : { فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ } ، أي : فدعا موسى ربه إذ كذبوه ولم يؤمنوا وهموا بقتله . وفي الكلام حذف تتصل الفاء به . والتقدير : فكفروا فدعا ربه ولو لم يكن هذا الإضمار لم تتصل الفاء بشيء ومثله الفاء في قوله : { فَأَسْرِ بِعِبَادِي } . قوله : { أَنَّ هَـٰؤُلاَءِ } ، أي فدعا ربه فقال إن هؤلاء قوم مجرمون لا يؤمنون بما جئتهم به . ثم قال تعالى : { فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ } . في هذا الكلام حذف . والتقدير : فأجابه ربه عز وجل بأن قال له : فأسر بعبادي ليلاً ، يعني : بني إسرائيل ، أي : فأسر بعبادي الذين صدقوك وآمنوا بك ليلاً إنهم متبعون ، أي : إن فرعون وجنوده من القبط يتبعونكم إذا سريتم من عندهم . ثم قال : { وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً } ، أي : إذا قطعت البحر ( أنت وأصحابك ) فاتركه ساكناً على حاله حين دخلته . هذا لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر . لم يكن في ( وسع موسى ) ترك ذلك ، ولم يكن الله عز وجل ليأمره بما لا يقدر عليه ، فهو وعد من الله عز وجل لموسى أن يفعله له ، وكأنه قال : ويبقى البحر على حاله ساكنا حتى يدخله فرعون وجنوده فيغرقون . قال ابن عباس ، معناه : واتركه طريقاً . وقال الضحاك : سهلاً . وقال مجاهد معناه : واتركه ساكناً لا يرجع إلى ما كان عليه حتى يحصل فيه آخرهم ، وهو معنى قول ابن عباس : اتركه طريقاً ، وروي عن مجاهد أيضاً " رهواً " : يابساً ، وحكى المبرد : عيش ( راهٍ ، أي ) : خفض وادع . قال : فمعنى رهواً : ساكناً ، حتى يحصلوا فيه وهو ساكن فلا ( ينفروا منه ) . وقيل الرهو : المتفرق ويقال : جاء القوم رهواً ، أي : على نظام واحد . وروي أن الله جل ذكره قال هذا لموسى بعد أن قطع البحر بنو إسرائيل . فعلى / هذا القول يكون في الكلام حذف . والتقدير : فسرى موسى بعبادي ليلاً وقطع بهم البحر فقلنا له بعدما قطعه وأراد رد البحر إلى هيئته التي كان عليها قبل انفلاقه : اتركه رهواً ، أي : ساكناً على حاله لا ترده إلى ( هيئته الأولى ) حتى يدخلوا كلهم فيه ويطمئنوا . هذا القول هو قول قتادة . قال قتادة : لما خرج آخر بني إسرائيل أراد نبي الله موسى عليه السلام أن يضرب بالبحر بعصاه حتى يعود كما كان مخافة أن يتبعه فرعون وجنوده ، فقيل له : اتركه ساكناً على حاله إنهم جند مغرقون ، فغرقهم الله عز وجل في البحر . ثم قال تعالى : { كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ } ، أي : كم ترك آل فرعون - يعني : القبط المغرقين - من بساتين وينابيع ماء تتفجر في بساتينهم وزروع قائمة . { وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } ، يعني : مقام الملوك والأمراء ، كانوا يعظمونه ويشرفونه ، يعني به المنابر ، ( قاله ابن عباس وقيل : هي المنازل الحسنة . ومعنى كريم : حسن ) . ثم قال : { وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ } ، أي : وأخرجوا من نعمة كانوا فيها متفكهين . قال قتادة : فاكهين : ناعمين . وعن ابن عباس : فاكهين : فرحين والنعمة - بالفتح - التنعم . وقرأ أبو رجاء العطاردي والحسن " فَكِهينَ " بغير ألف ، على معنى : كانوا فيها بطرين أشرين . ثم قال : { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ } ، أي : هكذا فعلنا بهم أيها الناس ، وأورثنا ما تركوا مما تقدم وصفه قوماً آخرين يعني : بني إسرائيل . ثم قال تعالى : { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ } ، أي : ما بكى عليهم حين هلكوا بالغرق أهل السماء ، ولا أهل الأرض . ثم حذف . وقيل : إن بكاء السماء حمرة أطرافها . قال السدي : " لما قُتل الحسين بن علي عليه السلام بكت السماء عليه وبكاؤها حمرتها " . وقال عطاء : " بكاؤها : حمرة أطرافها " . وقيل : معنى ذلك أن المؤمن إذا مات بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحاً ، فأعلمنا الله عز وجل أنهم لم يكونوا مؤمنين فتبكي عليهم السماء والأرض . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " بَدَأَ الإسْلاَمُ غَرِيباً وَسَيَعُودُ غَرِيباً ، أَلاَ لاَ غُرْبَةَ عَلَى المُؤْمِنِ [ مَا ] مَاتَ مُؤْمِنٌ في غُرْبَةٍ غَابَتْ عَنْهُ فِيهَا بَوَاكِيهِ إِلاَّ بَكَتْ عَلَيْهِ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ . ثُمَّ قَرَأَ : { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ } ثم قال : إِنَّهُمَا لاَ يَبْكِيَانِ عَلَى الكَافِرِ " . وممن قال أن السماء والأرض تبكيان على المؤمن ولا تبكيان على الكافر ، علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) وابن عباس والحسن والضحاك وقتادة . قال ابن عباس : ليس أحد من الخلائق إلا له باب في السماء ( ينزل منه ) رزقه وفيه يصعد عمله ، فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء ففقده بكى عليه ، وإذا أفقده مصلاه من الأرض والموضع الذي كان يذكر الله عز وجل فيه بكى عليه . وإن قوم فرعون لم يكن لهم عمل صالح في الأرض ولا في السماء فلم يبك عليهم شيء حين هلكوا هذا معنى قوله . وقوله : { وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ } ، معناه : لم يكونوا مؤخرين حين أتاهم العذاب وتم الأجل .