Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 44, Ayat: 43-59)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال تعالى : { إِنَّ شَجَرَةَ ٱلزَّقُّومِ } - إلى آخر السورة أي : إن شجرة الزقوم التي أخبر تعالى أنها تنبت في أصل الجحيم هي طعام الكافر في جهنم ، والأثيم : الآثم وهو في هذا أبو جهل ومن كان مثله . ولما نزلت هذه الآية دعا أبو جهل بزبد وتمر ودعا أصحابه ( فقال : تَعَالَوْا ، تَزَقَّمُوا ) ، فهذا الذي يَعِدُنَا به محمد أنه طعامنا في الجحيم . وذكر ابن هشام أن أبا جهل لما سمع قول الله جل ذكره { إِنَّ شَجَرَةَ ٱلزَّقُّومِ * طَعَامُ ٱلأَثِيمِ } قال : يا معشر قريش هل تدرون ما شجرة الزقوم ) التي يخوفكم بها محمد ؟ ، قالوا : لا . قال : هي عَجْوَةُ يَثْرِب بِالزَّبد . والعجوة صنف من التمر طيب . ورُوي أن أبا الدرداء كان يُقْرِئُ رَجُلاً { إِنَّ شَجَرَةَ ٱلزَّقُّومِ * طَعَامُ ٱلأَثِيمِ } فكان الرجل يقول : طعام اليتيم . فلما أكثر عليه أبو الدرداء ولم يفهم الرجل ، قال له : إن شجرة الزقوم طعام ) الفاجر . فهذه قراءة على التفسير لا يحسن أن يُقْرَأَ بها . وقال ابن عباس : " لو أن قطرة من زقوم جهنم أنزلت على الدنيا لأفسدت على الناس معائشهم " . وقال ابن زيد : الأثيم هنا : أبو جهل . قال : { كَٱلْمُهْلِ يَغْلِي فِي ٱلْبُطُونِ } ، أي : شجرة الزقوم - التي جعلنا ثمرها طعام الكافر في جهنم - كالرصاص أو الفضة المذابة إذا ما تناهت حرارتها . وقال ابن عباس : " كالمهل : كُدْردِيِّ الزيت " . ( وروي عنه أنه رأى فضة قد أذيبت فقال : هذا المُهْلُ وروى ) الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كَالمُهَلِ : كَعَكِرِ الزَّيْتِ ، إِذَا قرب إلى وَجْهِ الكَافِرِ سَقَطَتْ ( فَرْوَةُ ) وَجْهِهِ فِيهِ " وقيل : " المهل " عكر القطران . وقيل : هو الصديد من الحميم . وقوله : { كَغَلْيِ ٱلْحَمِيمِ } ، أي : ( يغلي ) ذلك في بطون الكفار كغلي الماء المحموم ، وهو الذي قد أوقد عليه حتى تناهت شدة حره ، والحميم بمعنى : ( محموم ، كقتيل ) بمعنى : مقتول . ثم قال تعالى : { خُذُوهُ فَٱعْتِلُوهُ } : يعني الأثيم ، وهو الكافر ، يقال للملائكة : خذوا الكافر فاعتلوه ، أي : ( فادفعوه وسوقوه ) على عنف . يقال عتله : إذا ساقه بالدفع والجذب . وقوله : { إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } ، أي : إلى وسطها ، أي : ادفعوه إلى وسط النار . ثم قال : { ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ ٱلْحَمِيمِ } ، أي : صبوا على رأس هذا الأثيم - وهو الكافر - من عذاب الجحيم . ثم قال : { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } ، أي : يقال له ذق هذا العذاب إنك أنت كنت العزيز في قومك . قال قتادة : " نزلت هذه الآية في أبي جهل عدو الله لقي النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم فَهَزَّهُ ، ثم قال : " أَوْلَى لَكَ يَا أَبَا جَهْلٍ ، ثُمَّ أَوْلَى لَك فَأَوْلَى " فقال أبو جهلٍ أيوعدني محمد ، لأنا أعز من يمشي بين جبليها . فنزلت { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } أي : المدعي ذلك " ، وفيه نزلت : { وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً } [ الإنسان : 24 ] / ، وفيه نزلت : { كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب } [ العلق : 19 ] . فالمعنى : ذُقْ عذاب الله ، إنك أنت العزيز عند نفسك ، الكريم فيما كنت تقول . وقوله " ذق " عند من كسر " إن " واقع على محذوف وهو العذاب . فأما من فتح " أن " فمعناه مثل ذلك : ذق العذاب لأنك وبأنك كنت تقول : أنا العزيز الكريم . وهذا كلام معناه التقريع والتوبيخ وليس بمدح له ، إنما هو على طريق الحكاية لما كان يدعي في الدنيا من العزة والكرم ، إذ كان يقول : أنا العزيز الكريم ، فقرع به عند حلول العذاب به إذ صار في ذلة وهوان . فكأنه قيل له : ذق هذا العذاب إنك كنت تقول : أنا العزيز الكريم ، فأنت الآن الذليل المهان . فأين ما كنت تقول في الدنيا . وذلك أشد لنكا له وحسرته . " وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي أبا جهل فقال له : " إِنَّ الله أَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ لَكَ { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ * ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ : واللاَّتِ لاَ تَمْلِكُ لِي نفعاً ولا ضراً وَإِنِّي لأَمْنَعُ أَهْلِ البِطْحَاءِ ، وَإِنِّي لأَعَزُّ وَأَكْرَمُ فَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا هُوَ صَانِعٌ بِهِ يِوْمَ القِيَامَةِ ، وَمَا يُقَالُ لَهُ جَوَاباً لِقَوْلِهِ : أنا أعز وأكرم ، فقال له : { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } عند نفسك ، وأنت الذليل المهان عند الله " . ثم قال : { إِنَّ هَـٰذَا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ } ، أي : يقال لهم إن هذا العذاب الذي كنتم تَشُكُّونَ . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ } ، أي : إن الذين اتقوا الله عز وجل فأدوا طاعته ( واجتنبوا معصيته ) في موضع إقامة آمنين فيه من السوء كله . وكل من ( تقبل الله ) له عملاً وإن قل فهو من المتقين بدلالة قوله : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } [ المائدة : 27 ] . قال علي ( بن أبي طالب ) رضي الله عنه : مَا قَلَّ عَمَلٌ مع تقوى وكيف يَقِلُّ ما يتقبل . ويروى أن سائلاً سأل ابن عمر فأمر ولده أن يعطيَه ديناراً فأعطاه وقال له : تقبل الله منك يا أبتاه ، فقال ابن عمر : لو علمت أن الله عز وجل تقبل مني سجدة واحدة ، أو صدقة درهم واحد ، لم يكن غائب أحب إلي من الموت . أتدري ممن يتقبل ؟ ! إنما يتقبل الله من المتقين ! ذكر ذلك أبو عبيد في كتاب الشواهد . ووصف المقام " بأمين " لأنه يؤمن فيه . والمقام - بالفتح - اسم المكان من قام ، وبالضم اسم المكان ( من أقام ) . ثم بين تعالى ذكره ذلك المقام قال : { فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } ، أي : في بساتين وعيون من الماء متطرداً في أصول أشجار الجنات . ثم قال تعالى : { يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ } . السندس : مَا رَقَّ من الديباج . والإستبرق : ما غَلُظَ منه : وقيل : السندس : الخِزُّ المُوَشَّى . وقوله : " متقابلين ، أي : هم على سررهم لا يستدبر بعضهم بعضاً . ثم قال تعالى : { كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } ، أي : كما أدخلناهم الجنات ، وألبسناهم السندس والإستبرق ، كذلك أكرمناهم بأن زوجناهم أيضاً فيها بحور عين ، وهن النقيات ( البياض ، والواحدة ) حوراء . وقال مجاهد : { وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } ، أي : " أنكحناهم حوراً . والحور التي يحار فيهن الطرف ، بادٍ مُخُّ سوقهن من ( وراء ثيابهن ) . يرى الناظر وجهه في كبد إحداهن كالمرآة من رقة الجلد وصفاء اللون " . والحَوَرُ في اللغة : البياض ، كما قيل للدقيق الصافي البياض الحُوَّارَى وفي حرف ابن مسعود : " زوجناهم بعيس عين " ، والعيس جمع عيساء وهي البيضاء من الإبل . والعين جمع عيناء وهي العظيمة العينين من النساء . ومن العرب من يقول : بحير عين على الاتباع للثاني . ومثله من الحديث رواية من روى " اُرْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ " والفصيح : ارجعن موزورات . ثم قال : { فِيهَا بِكلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ } ، أي : يدعو هؤلاء المتقون من في الجنة بكل نوع من الفاكهة اشتهوه آمنين فيها من انقطاع ذلك عنهم ، ونفاده ، وغائلة ( أذاه ) ( ومن كل ) سوء يحذر في الدنيا . ثم قال تعالى : { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ } ، أي : بعد الموتة الأولى ، أي : لا يذوقون فيها موتاً بعد موتهم في الدنيا . فـ " إلا " ها هنا قريبة المعنى من " بعد " . وقال بعض النحويين " إلا " هنا بمعنى " سوى " أي : لا يذوقون في الجنة الموت سوى الموتة الأولى التي كانت في الدنيا ، ومثله عنده { إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } [ النساء : 22 و 23 ] . وطُعِنَ في هذا القول ، لأن القائل لو قال ( لا أذوق ) اليوم الطعام إلا الطعام الذي ذقته قبل اليوم بمعنى " سوى " ، لجاز أن يريد أن عنده طعاماً من نوع الطعام الذي ذاق بالأمس ، وإنه ذائقه اليوم دون سائر الأطعمة . فيحتمل معنى الآية إذا كانت " إلا " بمعنى " سوى " أن يكون ثم موت من جنس الموت الأول ( يحل بهم ) / وهذا محال . وقال النحاس : المعنى لا يذوقون فيها الموت البتة . ثم قال : { إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ } على الاستثناء المنقطع . ولذلك أجاز بعضهم الوقف على " الموت " ( لأن ما ) بعده منقطع . وأكثرهم على أن " إلا " بمعنى " بعد " ، كما تقول : ما كلمت رجلاً اليوم إلا رجلاً عندك ، أي : بعد رجل عندك . ( والأحسن أن يكون " إلا " بمعنى " غير " ، أي : لا يذوقون فيها موتاً غير الموتة الأولى التي كانت في الدنيا ) . ثم قال : { وَوَقَاهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } ، أي : نجاهم منه . ثم قال : { فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ } ، أي : تفضلاً منه . وهو مصدر والعامل فيه فعل مضمر . وقيل العامل : { يَدْعُونَ فِيهَا بِكلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ } . ( وقيل العامل : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ } ) . وقيل العامل : { وَوَقَاهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } . وقيل : الكلام كله الذي قبله عامل فيه ، لأنه تفضل منه عليهم إذ وفقهم في الدنيا إلى أعمال يدخلون بها الجنة . وقيل : سماه " تفضلاً " لأنه غفر لهم صغائر لو أخذهم بها لم يدخلوا الجنة . وقيل : إنما سماه " تفضلاً " لأن نعمه عليهم في الدنيا تستغرق حسناتهم فأدخلهم الجنة بفضله ورحمته لا بأعمالهم . روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الجَنَّةِ بِعَمَلِهِ . قِيلَ : وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ الله ؟ ! قَالَ : ( وَلاَ أَنَا ) إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِرَحْمَتِهِ " . ثم قال تعالى : { ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } ، ( أي : هذا الذي تقدم وصفه للمتقين هو النجاء العظيم والظفر ) الكبير . ثم قال تعالى : { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ } أي أنزلنا القرآن بلسان العرب لعلهم يفهمون ( فيتذكرون ويتعظون ) . ثم قال تعالى : { فَٱرْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ } ، أي : فانتظر أن يحكم الله بينك وبينهم ، إنهم منتظرون بك ريب الحدثان . وقيل المعنى : فانتظر الفتح والنصر فإنهم منتظرون عند أنفسهم قهرك وغلبتك .