Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 44, Ayat: 30-42)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } - إلى قوله - { هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } ، أي : ولقد نجى الله عز وجل بني إسرائيل من العذاب المذل والإهانة التي كان فرعون وقومه يعذبونهم بها . قال قتادة : عذابهم لبني إسرائيل هو قتلهم أبناؤهم واستحياء نساءهم . ثم قال : { إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ ٱلْمُسْرِفِينَ } أي : إن فرعون كان جباراً مستكبراً على ربه سبحانه مسرفاً متجاوزاً إلى غير ما يحب له من الكفر والطغيان . قال ابن عباس : من المسرفين : من المشركين . وقال الضحاك : من القتالين . ثم قال تعالى : { وَلَقَدِ ٱخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } ، أي : ولقد اخترنا بني إسرائيل على علم منا بهم على عالم زمانهم وقيل معناه : اخترناهم للرسالة والتشريف على علم منا بهم فذكر تعالى أنه أختارهم لكثرة الأنبياء منهم . قال قتادة ومجاهد معناه : اخترناهم على أهل زمانهم ذلك ولكل زمان عالم . ثم قال تعالى : { وَآتَيْنَاهُم مِّنَ ٱلآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُّبِينٌ } ، أي : وأعطيناهم من العبر والعظات ما فيه اختبار يبين لمن تأمله أنه اختبار اختبرهم الله عز وجل به . وقيل المعنى : آتيناهم نعماً عظيمة وعبراً ظاهرةً . روي أن الله عز وجل أنزل ببيت المقدس سلسلة معلقة من السماء فكانوا يتحاكمون في حقوقهم وخصوماتهم ودعاويهم إلى السلسلة . فمن كان محقاً أدرك بيده مس السلسلة ، ومن كان مبطلاً لم يدرك بيده مسها ، فلم يزالوا كذلك حتى مكروا / فرفعت ، وذلك فيما روي أن رجلاً منهم أودع رجلاً مالاً فجحده المودع عنده ، فتحاكما إلى السلسلة فعمد الذي جحد الوديعة إلى كلخ فقأ داخله ، ثم أدخل فيه الوديعة . فلما أتيا إلى السلسة قال الجاحد للوديعة لرب المال : أمسك لي هذه الكلخة ( في يدك ) حتى أمس السلسة ، فأمسكها رب المال وهو لا يعلم بما فيها . ثم تقدم الجاحد بحضرة الناس ، وقال : اللهم إن كنت تعلم أني قد وضعت ماله في يده وقبضه مني فأسألك ألا تفضحني ومَدَّ يده فأدرك السلسة فأقبل صاحب المال يقول : والله يا بني إسرائيل ( إن هذه السلسلة لباطل وزور ، فرفع الله السلسلة من ذلك الوقت . ويروى أنه كان لهم عمودان ، فإذا أتهم أحد بزنى فَأَقَرَّ رُجِمَ ، وإن جحد أدخل بين ) العمودين فإن كان كاذباً انضما عليه فقتلاه ، وإن ( كان بريئاً ) سلم . وكان الرجل منهم يعمل الذنب لا يعلم به أحد فيصبح ويجده مكتوباً على بابه . قال قتادة : البلاء هو أنه ( تعالى نجاهم ) من عدوهم ، ثم أقطعهم البحر وظلل عليهم الغمام ، وأنزل عليهم المن والسلوى . فيكون البلاء هنا على قول قتادة ، النعمة . وقال ابن زيد : ابتلاهم بالخير والشر ، يختبرهم فيما آتاهم من الآيات ، من يؤمن بها ومن يكفر . ثم قال تعالى : { إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَيَقُولُونَ * إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ } ، أي : إن مشركي قريش يا محمد ليقولن ما هي إلا موتتنا التي نموتها ، وما نحن بعد مماتنا بمبعوثين تكذيباً منهم للبعث والثواب والعقاب . ثم قال : { فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ، أي : قالوا لمحمد عليه السلام ومن آمن به فأتوا بآبائنا ، أي : فأحيهم لنا لنسألهم عن صدقكم إن كنتم صادقين . ثم قال تعالى : { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } ، أي : أهؤلاء المشركون يا محمد خير أم قوم تبع الحميري . وقالت عائشة رضي الله عنها : كان " تبع " رجلاً صالحاً ، فذم الله قومه ولم يذمه . قال كعب : كان " تبع " ملكاً من الملوك ، وكان قومه كُهَّاناً ، وكان معه قوم من أهل الكتاب [ فكان قومه يكذبون على أهل الكتاب عنده . فقال لهم جميعاً : قربوا قرباناً فَقَرَّبُوا . فتقبل قربان أهل الكتاب ] ولم يتقبل قربان قومه فأسلم ، فلذلك ذكر الله عز وجل قومه ولم يذكره . قال أبو عبيدة : " تبع " اسم ملك من ملوك اليمن ، سمي بذلك لأنه يتبع صاحبه . وروى سهل بن سعد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لاَ تَلْعَنُوا تُبَّعاً فَإِنَّهُ ( قَدْ كَانَ ) " أَسْلَمَ " " . وقوله : { وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } ، أي : من قبل قوم تُبَّع من الأمم الكافرة بربها . يقول الله جل ذكره : فليس هؤلاء المشركون من قومك يا محمد بخير من أولئك الذين أهلكوا بكفرهم ، فطمعوا أن ( نصفح عنهم ) ولا نعذبهم وننتقم منهم بكفرهم . وقوله : { أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } ، أي : أهلكنا قوم تبع والذين من قبلهم من الأمم الكافرة إنهم كانوا قوماً مجرمين . فإذا انتقمنا من الأفضل لكفره فما ظنك بالأدون . ثم قال تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ } ، أي : لم نخلق ذلك لعبا ، بل خلقناه لإقامة العمل والحق الذي لا يصلح التدبير إلا به . ينبه جل ذكره خلقه على صحة كون البعث والثواب والعقاب ، وأنه لم يخلق الخلق عبثا ، بل خلقهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا وأقبل للطاعة ، فيجازي المحسن بالإحسان والمسيء بما أراد ، وهو قوله : { مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقّ } ، أي للحق والعدل . { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ، أي : أكثر هؤلاء المشركين لا يعلمون أن الله خلق ( ذلك لذلك ) فهم لا يخافون عقاباً ( ولا يرجعون لتكذيبهم ) بالمعاد والثواب والعقاب . وذهب أبو حاتم إلى جواز الوقف على " تبع " . يقدر أن قوله : " والذين من قبلهم أهلكناهم " مبتدأ وخبره . كأنه يجعل المهلكين هم الذين كانوا من قبل قوم تبع ( لا قوم تبع ) . والوقف عند غيره " أهلكناهم " على أن يكون الذين عطف على " قوم " وَأَتَمُّ منه " مجرمين " . ( ثم قال : { إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ } ، أي : إن يوم فصل الله بين خلقه وقت لجميع الخلق يجتمعون فيه للفصل بينهم ) . ثم قال تعالى : { يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً } . " يوم " بدل من " يوم " الأول . ومعناه إن يوم لا يغني ولي عن ولي شيئاً وقت لجميع الخلق يجتمعون فيه للفصل بينهم ، أي : يوم لا يدفع ابن عم عن ابن عم ، ولا صاحب عن صاحب شيئاً من العذاب . { وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } ، أي : ولا ينصرهم أحد مما حَلَّ بهم من النقمة بكفرهم . قال قتادة : " انقطعت الأسباب يومئذ يا ابن آدم ، وصار الناس يومئذ إلى أعمالهم ، فمن أصاب يومئذ / خيراً سَعِدَ به ، ومن أصاب يومئذ شراً شقي به " . والمولى والولي في اللغة : الناصر . وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ " في تفسيره ثلاثة أقوال : - أحدها : إن معناه : من كنت أتولاه فعلي يتولاه . - والثاني : من كان ( يتولاني ، يتولاه ) علي . - والثالث : إنه كان قوله ذلك في سبب ، وذلك أن أسامة بن زيد قال لعلي : لست مولاي ، إنما مولاي رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كنت مولاه فعلي مولاه " . ثم قال تعالى : { إِلاَّ مَن رَّحِمَ ٱللَّهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } " من " عند الأخفش في موضع رفع على البدل على المعنى كأن التقدير : ( ولا ينصر ) أحد إلا من رحم الله . وأجاز أن تكون في موضع رفع على الابتداء . كأنه في التقدير : إلا من رحم الله فيغني عن غيره ، أي : يشفع لغيره ممن أراد الله عز وجل له الشفاعة كما قال : { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } [ الأنبياء : 28 ] . وقيل : " من " رفع لفعلها ، أي لا يغني إلا من رحم الله ( " فمن " على هذا القول بدل من " مولى " أي : لا يشفع إلا من رحم الله ) . وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمنين يشفعون . وقال الكسائي " من " في موضع نصب على الاستثناء المنقطع وهو قول الفراء . وتقف على " ينصرون " إن جعلت " من " ( ابتداء ، ويكون ) التقدير : إلا من رحم الله فإنه تغني شفاعته . فإن جعلت " من " بدلاً أو استثناء منقطعاً لم تقف على ينصرون . وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إِنَّ الرَّجُلَ مِنَ المُؤْمِنِينَ يُقَامُ في صَفِّ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى يَرَى رَجُلاً مِنَ المُوَحِّدِينَ قَائِماً ( فِي صَفِّ ) أَهْلِ النَّارِ ( قدْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ ) في الدُّنْيَا فَيُذَكِّرُهُ ذَلِكَ فَيَذْكُرُ ، فَيَشفَعُ فِيهِ فَيُحَوَّلُ إِلى صَفِّ أَهْلِ الجَنَّةِ " . وقوله : { إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } ، أي : العزيز في انتقامه من أعدائه ، الرحيم بأوليائه وأهل طاعته .