Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 45, Ayat: 1-11)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { حـمۤ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ } - إلى قوله - { مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ } ، قد تقدم ذكر الاختلاف في " حم " . والمعنى : هذا تنزيل القرآن من عند العزيز في انتقامه من أعدائه الحكيم في تدبيره . ثم قال تعالى : { إِنَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لأيَٰتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ } أي : إن فيها لعبراً وحُججاً للمصدقين بها ، أي : إن لها خالقاً لم يخلقها عبثاً . ثم قال تعالى : { وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } ، أي : وإن في خلقكم أيها الناس ، وما ينشر الله عز وجل في الأرض من دابة تدب عليها من غير جنسكم آيات لقوم يوقنون بحقائق الخلق ، وأن الله عز وجل اخترع جميع ذلك . ثم قال تعالى : { وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنَزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَّن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } ، أي : وإن في تعاقب الليل والنهار ، وما ينزل من السماء من مطر يكون عنه من النبات رزقكم . وسمي الماء رزقا لأن عنه يتكون الرزق في الأرض . وقوله : { فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } ، أي : أنزل الماء فاهتزت الأرض بالنبات بعد أن كانت لا نبات فيها . ثم قال : { وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ } ، أي : وكون الرياح مرة شمالاً ومرة جنوباً ، ومرة صبّاً ومرة دَبُوراً ، ونحو ذلك من اختلافها لمنافع الخلق . { ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } ، أي عبراً وحججاً لقوم يعقلون عن الله عز وجل أمره ونهيه ، فيتبعون رسله ، ويفهمون عنهم وحيه . وقوله : { وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٌ } النصب في " ءايات " حسن على معنى : وإن في خلقكم آيات . وحسن ذلك لإعادة حرف الجر مع خلقكم . ويجوز الرفع من ثلاثة أوجه . أحدها : أن ( تعطفها على الموضع ) مثل قراءة الجماعة : { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱلسَّاعَةُ } [ الجاثية : 32 ] بالرفع ، عطف على موضع { وعْدَ } . والوجه الثاني : ترفع " الآيات " بالابتداء ، وما قبلها خبرها . وتكون قد عطفت ( جملة على ) جملة منقطعة كما تقول إن زيداً خارج ، وأن أجيئك غداً . والوجه الثالث : أن ترفع على الإبتداء والخبر والجملة في موضع الحال . مثل قوله : { يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } [ آل عمران : 154 ] . وأما قوله : { وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } - إلى قوله - { ءَايَٰتٌ } ، فالرفع حسن على ما تقدم من الأوجه . والنصب عند سيبويه ( والأخفش والكسائي ) جائز على العطف على عاملين وهما " إن " وحرف الجر لأنك لم تُعِدْ " في مع " الاختلاف " كما أعدت أولا " في " مع " خلقكم " . فصرت تعطف بالواو على ما عملت فيه " إن " وعلى ما عمل فيه حرف الجر . فتخفض " الاختلاف " وتنصب " الآيات " . ونظير هذا من الكلام قولك : في الدار زيد والحجرة عمرو فتعطف بالواو على ما عملت فيه " في " وعلى ما عمل فيه الابتداء فتخفض الحجرة وترفع عمراً ، فتعطف على عاملين ( بحذف واحد . ولو أعدت " في " لم يكن عطف على عاملين . ومنع المبرد القراءة بالنصب وقال : لا يجوز العطف على عاملين . وكان الزجاج يحتج لسيبويه بأن قال : إن من رفع يقول : إنما قطعته مما قبله فرفعته بالابتداء وما قبله رفع فهو أيضاً عطف على عاملين لأنه عطف " واختلاف " على " خلقكم " وعطف " آيات " على موضع " آيات " الأولى . قال : / فقد صار العطف على عاملين إجماعاً . وهذا ، لا يلزم ، لأن من رفع يقول : إنما قطعته مما قبله فرفعته بالابتداء وما قبله خبره . وحكى الفراء رفع " الاختلاف " ورفع " الآيات " . جعل " الآيات " هو " الاختلاف " . وهذا وجه حسن ظاهر لولا أن القراءة سنة . وإنما بعد العطف على عاملين ( عند المبرد وغيره لأن حرف العطف إنما أتى به لينوب مناب العامل للاختصار . فلم يقرأ أن يجعل ينوب مناب عاملين مختلفين ، ولو جاز أن ينوب مناب عاملين ) لجاز أن ينوب مناب ثلاثة وأكثر ( وهذا لا يقوله أحد ) لأنه لو ناب مناب رافع وناصب لكان [ رافعاً ( ناصباً ) في حال ، وللزوم أن ينوب مناب رافع وناصب وجار فيكون ] ناصباً ورافعاً جاراً في حال . وهذا محال ظاهر على أنهم قد أجمعوا أنه لا يجوز إذا تأخر المجرور ، نحو قولك : زيد في الدار وعمرو الحجرة ، وإنما أجازه من أجازه إذا كان المجرور يلي حرف العطف . وهذا تحكم بغير علة . ثم قال تعالى : { تَلْكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ } ، أي : تلك حجج الله نتلوها عليك يا محمد ، أي : نخبرك عنها بالحق لا الباطل كما يخبر مشركو قريش عن آلهتهم بالباطل يقولون : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] . ثم قال تعالى : { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِ يُؤْمِنُونَ } ، أي : فبأي حديث يا محمد بعد قرآن الله عز وجل وكتابه وآياته يؤمن هؤلاء المشركون . ومن قرأه بالتاء فمعناه : فبأي حديث بعد قرآن الله سبحانه وكتابه تؤمنون أيها المشركون . ثم قال تعالى : { وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً } ؟ روي : أنها نزلت في النضر بن الحارث كان يخلف النبي صلى الله عليه وسلم في مجلسه ويحدث قريشاً . بأخبار ملوك العجم ويقول : أنا أحسن حديثاً من محمد صلى الله عليه وسلم . فالمعنى : الواد السائل من صديد أهل جهنم لكل كذاب ، ذي إثم سامع لآيات الله تُقرأ عليه ثم يتمادى على تكبره وتجبره على ربه سبحانه ، فلا يذعن لأمره ونهيه كأن لم يسمع ما قرئ عليه { كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً } [ لقمان : 7 ] ، أي : صمماً ، فلا يسمع شيئاً لإصراره على كفره . فبشره يا محمد بعذاب مؤلم ، أي : موجع يوم القيامة . قال ابن عباس نزلت في الحارث بن كلدة " . ثم قال تعالى : { وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءَايَٰتِنَا شَيْئاً ٱتَّخَذَهَا هُزُواً } ، أي : وإذا علم هذا الأفاك الأثيم من آيات الله شيئاً اتخذها هزوا ، أي : يسخر منها ، وذلك كفعل أبي جهل حين نزلت : { إِنَّ شَجَرَةَ ٱلزَّقُّومِ * طَعَامُ ٱلأَثِيمِ } [ الدخان : 43 و 44 ] ، إذ دعا بزبد ( وثمر ) فقال : تزقموا من هذا ، فما يفزعكم محمد إلا بهذا . ثم قال : { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } ، أي : لهم في الآخرة عذاب يهينهم ، ويذلهم في نار جهنم . وجمع في قوله : { أُوْلَـٰئِكَ } رداً على قوله : { لِّكُلِّ أَفَّاكٍ } . ثم قال تعالى : { مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ } ، أي : أمامهم جهنم . { وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم } من عذابها . { مَّا كَسَبُواْ } في الدنيا من الأموال والأولاد شيئاً . { وَلاَ مَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ } أي : ولا تغني عنهم آلهتهم التي اتخذوها أولياء من دون الله فعبدوها ، ولا رؤساؤهم الذين أطاعوهم في الكفر فاتخذوهم أولياء على ذلك من عذاب الله شيئاً . ثم قال : { وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ، يعني : نار جهنم وما فيها من أصناف العذاب . ثم قال تعالى : { هَـٰذَا هُدًى وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ } ، أي : هذا القرآن الذي أنزلنا هدى لمن وفقه الله إلى الإيمان به والعمل بما فيه . والذين جحدوا آيات ربهم ولم يؤمنوا بها ، لهم عذاب مؤلم من الرجز . قال المبرد : " الرجز : أغلظ العذاب وأشده " .