Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 45, Ayat: 12-21)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ } - إلى قوله - { سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } ، أي : الذي تجب له العبادة والخضوع والطاعة هو الله الذي سخر لكم البحر لتجري السفن فيه بأمره وبقدرته فتنتفعون بذلك لمتجركم ، ومعائشكم ، وتصرفكم في البلدان ، وتبتغون من فضله فهو الذي يجب له الشكر على نعمه دون غيره . ثم قال تعالى : { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ } ، أي : سخر لكم أيضاً - أيها الناس - ما في السماوات من شمس وقمر ونجوم وليل ونهار وما في الأرض من دابة وشجر وجبل وغير ذلك لمنافعكم ومصالحكم جميعاً منه ، أي : نعمة منه عليكم ، فإياه فاحمدوا واشكروا . وقرئت : " جميعا منة " ، أي من ( عليكم بذلك منة ) . ثم قال : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لأيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } ، أي : إن في تسخير ما تقدم ذكره لمنافع الخلق ومصالحهم لعبراً لقوم يتفكرون في آيات الله عز وجل وحججه سبحانه وأدلته فيعتبرون بها ويتعظون . و { جَمِيعاً مِّنْهُ } ( وقف جيد ) . ومن قرأ " منة " وقف على " جميعاً " ، ثم ابتدأ " منة " إن في ذلك " ، أي : من عليكم بذلك منة . ثم قال تعالى : { قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ } ، أي : قل لهم اغفروا يغفروا . فهو جواب أمر محمول على المعنى . والمعنى : قل يا محمد للذين صدقوك : اغفروا للذين لا يخافون أيام الله ، أي : بأس الله ووقائعه فيمن كفر به ونقمه منهم يغفروا . { لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } ، أي : ليجزي الله عز وجل في الآخرة هؤلاء / الذين يؤذون المؤمنين بما اكتسبوا في الدنيا من أذى المؤمنين ( ومن غير ) ذلك . وروي عن عاصم أنه قرأ { لِيَجْزِيَ قَوْماً } بنصب قوم والفعل لما لم يسم فاعله . وهذا بعيد جداً لم يجزه سيبويه ولا جميع البصريين . وإنما تقديره عنده : ليجزي الجزاء قوماً . فيقيم المصدر مقام ما لم يسم فاعله ويضمره وينصب الاسم المقصود بالمعنى وهو شاذ بعيد في النظر والقياس . ولم يجز النحويون : " ضُرِبَ الضربُ زيداً " برفع الضرب ونصب زيد ، ولو جاز هذا لجازت هذه القراءة ولكن لا يجيزونه إلا في شعر على بعد . قال ابن عباس : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عن المشركين إذا آذوه ، وكانوا يستهزؤون به ويكذبونه ، ثم أمره الله عز وجل أن يقاتلهم كافة . فكان هذا من المنسوخ . وعن ابن عباس أيضاً ، وهو قول الضحاك : إن الآية نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه شتمه رجل من المشركين بمكة قبل الهجرة ، فأراد أن يبطش به فنزلت : { قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ } - يعني عمر - { يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ } ، ثم نسخ هذا في " براءة " بالأمر بالقتال والقتل للمشركين ، وهو أيضاً قول قتادة ، إلا أنه قال : نسخها قوله : { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي ٱلْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ } [ الأنفال : 57 ] وقاله الضحاك . وعن أبي هريرة أنه قال نسخها قوله : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ } [ الحج : 39 ] . وقيل : معنى " لا يرجون أيام الله " : لا يخافون البعث . ثم قال تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ } ، أي : لخلاص نفسه يعمل ، والله عز وجل غني عن عمله ، إنما عمله له . { وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } ، أي : ومن عمل عملاً سيئا فعلى نفسه جنى وفي عطبها سعى ، لا يضر الله سبحانه ذلك ولا ينقصه من ملكه . { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ } أيها الناس . { تُرْجَعُونَ } ، ( أي : تردون ) في الآخرة فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته . ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ } ، أي : ولقد أعطينا بني إسرائيل التوراة والإنجيل . { وَٱلْحُكْمَ } يعني : الفهم بالكتاب والعلم بما فيه من السنن التي لم تنزل في كتاب . قال مجاهد : " الحكم : اللب " . وقوله : { وَٱلنُّبُوَّةَ } ، أي : وجعلنا منهم الأنبياء والرسل إلى الخلق ، فأكثر الأنبياء والرسل من بني إسرائيل . ثم قال : { وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } ، يعني : المَنَّ والسَّلْوَى وغير ذلك من المطاعم . ثم قال تعالى : { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ } ، أي : على عالم زمانهم . ثم قال : { وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ } ، أي : وأعطيناهم واضحات من أمرنا بتنزيلنا التوراة عليهم فيها تفصيل كل شيء . ثم قال : { فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ } أي : لم يختلفوا في دينهم إلا من بعد { مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } ، أي : إلا من بعد ما أنزلت عليهم التوراة فاختلفوا للرياسة بعد علمهم بالحق مما اختلفوا فيه فتنافسوا في الدنيا ورياستها فبغوا بغياً فيما بينهم ، وتركوا تبيين ما أنزل الله عليهم . ثم قال : { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بِيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } ، أي : يحكم ( ويفصل بينهم ) فيما اختلفوا فيه يوم القيامة ، فيعلي المحق على المبطل . ثم قال تعالى : { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا } ، أي : ثم جعلناك يا محمد بعد بني إسرائيل على طريقة وسنة ومنهاج من أمرنا الذي أمرنا به من قبلك من الرسل ، فاتبع تلك الشريعة { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } ، أي : ولا تتبع ما يدعوك إليه الجاهلون بالله . قال ابن عباس : { عَلَىٰ شَرِيعَةٍ } : " على هدى من الأمر وبينة " . وقال قتادة : " الشريعة : الفرائض والحدود والأمر والنهي " . وقال ابن زيد : الشريعة : الدين ، وقرأ { شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } [ الشورى : 13 ] فنوح أولهم ومحمد آخرهم صلى الله على جميع النبيين وسلم . ثم قال تعالى : { إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي إن هؤلاء الجاهلين بربهم لن ينفعوك من الله شيئا إن اتبعت أهواءهم وما يدعونك إليه . ثم قال تعالى : { وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } ، أي : وإن الكافرين بعضهم أنصار بعض وأعوانهم على أهل الإيمان بالله عز وجل . { وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُتَّقِينَ } ، أي : هو ولي من اتقاه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه . ثم قال تعالى : { هَـٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ } ، أي : هذا القرآن بصائر يبصر به من العمى وهو الضلالة ، ويهتدي به من جار عن طريق / الحق ، وتاه في ميدان الباطل { وَرَحْمَةٌ } ، أي : وهو رحمة لمن آمن به واتبعه . ( وقوله : { لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } ، أي هو نور ورشاد ورحمة لمن أيقن أنه من عند الله فآمن به واتبعه ) . ثم قال تعالى : { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } ، أي : أيحسب الكفار بالله عز وجل المكتسبون الكبائر أن يكونوا كالمؤمنين بالله عز وجل المجتنبين للكبائر . ويدل على أن المراد بالمكتسبين السيئات في هذه الآية الكفار قوله : " كالذين ءامنوا وعملوا الصالحات " . فذكر الإيمان مع العمل ، ولو كانوا مؤمنين لقال : كالذين عملوا الصالحات ولم يذكر الإيمان . ثم قال : { سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } . قال مجاهد معناه : إن المؤمن يموت على إيمانه ويبعث على إيمانه والكافر يموت على كفره ويبعث عليه . وقال أبو الدرداء : " يبعث الناس على ما ماتوا عليه " . هذا معنى قراءة من رفع " سواء " فجعله مبتدأ " ومحياهم " خبر ، ومماتهم عطف على " محياهم " . وإنما حَسُنَ الرفع في " سواء " ( لأن الفعل ) قد استوفى مفعوليه فارتفع " سواء " على الابتداء ، كما قيل " سَوَاءُ العَاكِفُ فِيهِ وَالبَادِي " . وإنما اختير الرفع في " سواء " لأنه اسم في معنى المصدر فلم يحسن جريه على الأول فارتفع بالإبتداء إذ الفعل قد تعدى إلى مفعوليه . ولو كان في موضع " سواء " مستو لحسن النصب لأنه يجري على الأول ، فينصب مع المعرفة على الحال وهذا هو الاختيار عند سيبويه وجميع النحويين . ويجوز النصب عند سيبويه وغيره كما أجاز : مررت برجل سواءً عليه الخير والشر ، فإذا نصبت على الحال ، إذ قبله معرفة . فكما جاز أن يكون صفة للنكرة جاز أن يكون حالاً للمعرفة وهو بعيد ، لأن الأسماء التي ليست بجارية على الفعل ، الرفع الاختيار فيها عند النحويين إذا رفعت ظاهراً بعدها . وبالنصب قرأ حفص وحمزة والكسائي على الحال من الهاء والميم في " نجعلهم " . وقرأ الأعمش { سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ } بالنصب في ذلك كله ينصب " سوا " على الحال ، وينصب " محياهم ومماتهم " على تقدير في محياهم ومماتهم كأنه يجعله ظرفاً . ويجوز أن يكون { مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ } بدلا من الهاء والميم في { نَّجْعَلَهُمْ } فيصير المعنى : ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعل محياهم ومماتهم سواء ) ، أي كمحيى الذين آمنوا ومماتهم . والوقف على " الصالحات " حسن عند نافع وأبي عبيدة على قراءة من رفع . وقال غيرهما : من نصب سواء وقف عليه . وهو بعيد لا وجه له ، لأن " محياهم " مرتفع " بسواء " . والتمام عند الأخفش : " ومماتهم " وعند غيره " يحكمون " . ومعنى " ساء ما يحكمون : " بيس الحكم يحكمون إن حسبوا ذلك وظنوه . و " ما " في موضع رفع إن جعلتها معرفة . وفي موضع نصب على البيان إن جعلتها نكرة . قال مجاهد في معنى الآية : محيى المسلمين ومماتهم ، كلاهما محمود ، محيى الكفار ومماتهم مذموم ، فلا يستويان .