Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 45, Ayat: 22-29)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } - إلى قوله - : { مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ، أي : خلق ذلك للعدل والحق لا لما يحسب هؤلاء الجاهلون بالله عز وجل من أن يجعل من اكتسب السيئات بالكفر كمن آمن بالله تعالى وعمل صالحا في المحيى والممات ، لأن هذا من فعل غير أهل العدل والإنصاف . فمن الحق والعدل عند الذي خلق السماوات والأرض لهما ، أن يخالف بين حكم من كفر ومن آمن في العاجل والآجل . ثم قال : { وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } ، أي : وخلق ذلك لتجزى كل نفس في الآخرة بما كسبت في الدنيا من خير وشر . { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } ، أي : لا يظلمون جزاء أعمالهم . وروى أبو هريرة حديثاً يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إِذَا كانَ يَوْمَ القِيَامَةِ بَعَثَ اللهُ عز وجل مَعْ كَلِّ امْرِئٍ عَمَلَهُ ، فَلاَ يَرَى المُؤْمِنُ شَيْئاً ( يُرَوِّعُهُ وُلا شَيْئاً ) يَخَافُهُ إِلاَّ قَالَ لَهُ عَمَلُهُ : لاَ تَخَفْ إِنَّكَ وَالله مَا أَنْتَ بِالَّذِي هُوَ يُرَادُ بِالَّذِي هَا هُنَا ، وَلاَ أَنْتَ المَعْنِي بِهِ . فَإِذَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ مِرَاراً قَالَ لَهُ المُؤْمِنُ : مَنْ أَنْتَ رَحِمَكَ اللهُ ، فَوَالله مَا رَأَيْتُ شَيْئاً قَطْ هُوَ أَحْسَنُ مِنْكَ وَجْهاً وَلاَ أَطْيَبُ مِنْكَ رِيحاً وَلاَ أَحْسَنُ منك لَفْظاً . فَيقول : / أَتَعْجَبُ مِنْ حُسْنِي ؟ إِنَّ عَمَلَكَ وَالله - ، كَانَ حُسْناً في الدُّنْيا ، وَإِنِّي أَنَا عَمَلُكَ ، وَإِنَّكَ كُنْتَ تَحْمِلُنِي في الدُّنْيا عَلَى ثِقْلِي ، وَإِنِّي وَالله لأَحْمُلَكَ اليَوْمَ وَأُدَافِعُ عَنْكَ ، قال : ( وَإِنَّهَا لِلَّتِي ) يَقُولُ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ : { وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } " . ثم قال تعالى : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } . قال ابن عباس : " ذلك الكافر اتخذ بغير هدى من الله ولا برهان " . قال قتادة : " لا يهوى شيئاً إلا ركبه ، لا يخاف الله " . وقال ابن جبير : " كانت قريش تعبد العزى - وهو حجر أبيض - حيناً من الدهر ، فإذا وجدوا ما هو أحسن منه طرحوا الأول وعبدوا الآخر فأنزل الله عز وجل : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } . قال الحسن : " هو الذي كلما اشتهى شيئاً لم يمتنع منه " . ثم قال تعالى : { وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } ، أي : وخذ له الله عن طريق الحق في سابق علمه على علم منه بأنه لا يهتدي ولو جاءته كل آية . قال ابن عباس : " أضله الله في سابق علمه " . وقال ابن جبير : " أضله على عدم قد علمه منه " . وقيل المعنى : أضله الله عن الثواب على علم منه بأنه لا يستحقه . وقيل المعنى : " على علم منه بأن عبادته لا تنفعه " . ثم قال تعالى : جل ذكره : { وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً } ، أي : وطبع على سمعه أن يسمع ( مواعظ الله وما ) ينتفع به ، وطبع على قلبه ( فلا يعي ) شيئاً من الخير ، وجعل على بصره غطاءً أن يبصر به حجج الله عز وجل ، يعني : بصر قلبه . فهو لا يهتدي لخير ، نسأل الله ألا يخذلنا عما فيه رشدنا عنده . ثم قال : { فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ } ، أي : فمن يوفقه لإصابة الحق بعد إضلال الله عز وجل له ، وخذلانه إياه . { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } أيها الناس ما يذكر لكم وما توعظون به . ثم قال تعالى : { وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا } ، وقال هؤلاء المشركون ما حياتنا إلا حياتنا الدنيا التي نحن فيها ، لا حياة سواها ، تكذيباً بالبعث والجزاء . قال قتادة : " هذا قول مشركي العرب " . وقوله : { نَمُوتُ وَنَحْيَا } أي نموت نحن ويحيى أبناؤنا بعدنا . وقيل : هو كلام فيه تقديم وتأخير . والتقدير : نحيى ونموت . وقيل المعنى : نكون أمواتاً ، يعني : النطق ، ثم نحيى ، أي : نصير أحياء في الدنيا ثم لا يهلكنا إلا الدهر ، أي : إلا مرور الزمان وطول العمر . وقيل المعنى : نموت ( ونحيا على قولكم أيها المؤمنون ) - على طريق الاستبعاد للبعث - بعد الموت ، قاله علي بن سليمان . وهؤلاء قوم لم يكونوا يعرفون الله فنسبوا ما يلحقهم من الموت إلى الدهر . وقيل : بل كانوا يعرفون الله سبحانه ، ولكن نسبوا الآفات والعلل التي تلحقهم فيموتون بها إلى الدهر . جهلوا أن الآفات مقدرة من عند الله عز وجل . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ ، فَإِنَّ الدَّهْرَ هُوَ اللهُ " . ومعنى ذلك : أنهم كانوا يسبون الدهر ويقولون : هو يهلكنا فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك . فيكون معنى نهيه : لا تسبوا الدهر فإن الله هو مهلككم لا الدهر الذي نسبتم ذلك إليه . وقيل المعنى : لا تسبوا خلقاً من خلق الله فيما لا ذنب له ، فإن الله عز وجل هو خالق الدهر . فيكون على حذف مثل { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] . وقيل معنى ذلك ، فإن الله مقيم الدهر ، أي : مقيم أبداً لا يزول . ثم قال تعالى : { وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ } ، أي : وما لهم - بقولهم : لا نبعث - من علم ، إنما ينكرون ذلك ويقولون : ما هي إلا حياتنا الدنيا - تخرصاً بغير خبر أتاهم من الله عز وجل . ما هم إلا في ظنون ، أي : في شك من ذلك وحيرة . ثم قال تعالى : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَاتٍ } ، أي : وإذا تتلى على هؤلاء المكذبين بالبعث آيات الله عز وجل ظاهرات تخبرهم بالبعث بعد الموت . لم تكن حجتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قولهم : جئ بآبائنا الذين هلكوا وانشرهم لنا إن كنت صادقاً في قولك : إنا نبعث بعد الموت . وروى هارون وحسين عن أبي بكر عن عاصم : " ما كان حجتهم " بالرفع . ثم قال تعالى : { قُلِ ٱللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } ، أي : قل لهم يا محمد : الله يحييكم ما شاء أن يحييكم في الدنيا ثم يميتكم فيها إذا شاء ، ثم يجمعكم إلى يوم القيامة ، أولكم وآخركم لا شك في ذلك ، فلا تشكوا فيه . ثم قال : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أي : أكثر الناس الذين هم أهل تكذيب بالبعث لا يعلمون حقيقة ذلك . ثم قال تعالى : { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } ، أي : سلطان ذلك دون من تدعون من دون الله من الآلهة . ثم قال تعالى : { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ } ، أي : وله الملك يوم تقوم الساعة . والعامل في " يومئذ " : " يخسر " . وقيل : العامل في " يوم تقوم " : " يخسر " و " يومئذ " بدل منه . فيبتدئ بـ " يوم تقوم الساعة " . قوله : { يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ } ، أي : يغبن / ذلك اليوم الذين أبطلوا في الدنيا في أقوالهم ودعواهم أن ( لله شريكا ) فيخسرون منازلهم في الجنة ، ويبدلون بها منازل في النار كانت للمحقين في أقوالهم ودعواهم أن الله لا شريك له فأبدلوا منها بمنازلهم في الجنة . فمفعول " يخسر " محذوف ، وهو المنازل . ثم قال تعالى : { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا } ، أي : وترى يا محمد ذلك اليوم أهل كل أمة ودين جاثية على رُكَبِها مجتمعة ( مستوفرة ) من هول ذلك اليوم . قال مجاهد : جاثية على الركب ( مستوفزين ) : وهو قول الضحاك وابن زيد وغيرهما . وعن مجاهد أن " الأمة هنا : الواحد " . ثم قال تعالى : { كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ، أي أهل كل أمة يدعون إلى كتابهم الذي أَمْلَت حفظتهم في الدنيا من أعمالهم وألفاظهم ، يقال لهم : اليوم تجزون ثواب أعمالكم في الدنيا ، إن خيراً فخير وإن شراً فشر . فالمعنى : كل يجزى بما تضمنه كتابه من عمله في الدنيا ، وهو مثل قوله : { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ } [ الإسراء : 13 ] . ويدل على صحة هذا التفسير قوله بعد ذلك : { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } . وقيل معنى الآية : كل أمة تدعى إلى كتابها الذي فرض عليها من حلال وحرام فتجازى بما عملت فيه . قال ابن عباس : يعرض من خميس إلى خميس ما كتبته الملائكة عليهم السلام من أفعال بني آدم . فينسخ منه ما يُجْزَى عليه من الخير والشر ، ويُلغى سائره . ثم قال : { هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقِّ } ، أي يقال لهم في ذلك اليوم إذا عُرِضَتْ عليهم أعمالهم في كتبهم التي أحصتها عليهم الحفظة : هذا كتابنا ينطق عليكم بما أسلفتم في الدنيا من الأعمال ، قد أحصته عليكم الحفظة ، فاقرؤوه . { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ، أي : كانت حفظتنا تكتب أعمالهم فتثبتها في الكتب عليكم . وقال ابن عباس : هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ، ( هو أم ) الكتاب فيه أعمال بني آدم . وقوله : { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ، قال هم الملائكة يستنسخون أعمال بني آدم من اللوح المحفوظ قبل أن يَعمَلوها ، ثم يقابلون بذلك أعمال بني آدم فلا يزيدون شيئاً ولا ينقصون شيئاً قد كتب الله عز وجل ذلك قبل خلقهم وعلمه وقضاه . قال ابن عباس : إن الله جل ذكره خلق النون - وهي الدواة - وخلق القلم فقال : اكتب قال : ما أكتب ، فقال : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل معمول ، بر أو فجور ورزق مقسوم من حلال ( أو حرام ) ، ثم الزم كل شيء من ذلك شأنه : دخوله في الدنيا ومقامه فيها كم ، وخروجه منها كم هو ، ثم جعل على العباد حفظة ، وعلى الكتاب خزاناً ، فالحفظة ينسخون كل يوم من الخزان عَمَلَ ذلك اليوم فإذا فنى الرزق وانقطع الأثر ، وانقضى الأجل أتت الحفظة الخزنة يطلبون عمل ذلك اليوم ( من الخزنة ) فتقول لهم الخزنة : ما نجد لصاحبكم عندنا شيئاً ، فترجع الحفظة فيجدونهم قد ماتوا . قال ابن عباس : " ألستم قوماً عرباً تسمعون الحفظة تقول : إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ، وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل " . وعنه أيضاً أنه قال : فرغ الله عز وجل مما هو كائن فتنسخ الملائكة ما يعمل يوماً بيوم من اللوح المحفوظ ، فيقابل به عمل الإنسان لا يزيد على ذلك ولا ينقص . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " إن الملائكة ينزلون في كل يوم بشيء يكتبون فيه أعمال بني آدم " . وقيل لابن عباس : ما توهمنا إلا أنهم يكتبونه بعدما يعمل . فقال : أنتم قوم عرب والله يقول : إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون " وهل يكون الاستنساخ إلا من نسخة . وروى مجاهد عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أَوَّلَ شَيْءٍ خَلَقَهُ اللهُ عز وجل القَلَمُ ، فَأَخَذَهُ بِيَمِينِهِ - وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِين - فَكَتَبَ : الدُّنْيَا وَمَا يَكُونَ فِيها مِنْ عَمَلٍ ( مَعْمُولٌ بِرٍّ ) أَوْ فُجُورٍ ، رَطْبٍ أَو يَابِسٍ ، فَأَمْضَاهُ عِنْدَهُ ( فِي الذِّكْرِ ) . ثُمَّ قَالَ : اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ : { هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } فَهَلْ تَكُونُ النَّسْخَةُ إِلاَّ مِنْ شَيْءٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ " .