Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 11-16)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } إلى قوله : { ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ } . من جعل الشاهد عبد الله بن سلام أو غيره من مؤمني بني إسرائيل ، كان المعنى عنده : وقال الذين كفروا من بني إسرائيل للذين آمنوا بمحمد عليه السلام منهم : لو كان إيمان هؤلاء بمحمد صلى الله عليه وسلم خيراً ما سبقونا إلى ذلك . ومن جعل الشاهد في هذه الآية موسى صلى الله عليه وسلم كان المعنى عنده : وقال مشركو قريش لمن آمن منهم بمحمد صلى الله عليه وسلم : لو كان الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم خيراً ما سبقنا هؤلاء إليه ، وهذا التأويل قول قتادة . قال : ذلك ناس من المشركين ، قالوا : نحن أعز به ونحن ونحن ، فلو كان الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم خيراً ما سبقنا إليه فلان وفلان يعنون عماراً وبلالاً وصهيباً وأصنافهم ، فأنزل الله جل ذكره : { يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ } [ البقرة : 104 ] . قال الحسن : أسلم " أسلم " " وغفار " فقالت قريش : لو كان خيراً ما سبقونا إليه . وقال الزجاج : أسلمت جهينة ومزينة وأسلم وغفار ، فقال بنو عامر وغطفان وأشجع وأسد : لو كان ما دخل فيه هؤلاء من الدين خيراً ما سبقونا إليه ، إذ نحن أعز منهم وإنما هؤلاء رعاة البهم . وفي قوله : { سَبَقُونَآ } خروج من خطاب إلى غيبة ، ولو جرى على صدر الكلام في الخطاب لقال : ما سبقتمونا ، ولكنه كلام فصيح حسن كثير في كلام العرب والقرآن ، ويجوز أن يكون قال : { مَّا سَبَقُونَآ } على أن يكون قاله الكفار لبعض المؤمنين ، فيكون على بابه لم يخرج من شيء إلى شيء ، فقيل : إنه قول وقع في أنفسهم ولم يقولوه ظاهراً بأفواههم . وقوله : { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ } . أي : بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به { فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ } . أي : هذا القرآن أكاذيب من أخبار الأولين قديمة . ثم قال : { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً } . أي : ومن قبل هذا القرآن كتاب موسى أنزلناه عليه ، " فالهاء " تعود على القرآن المتقدم ذكره في قوله : { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ } [ الأحقاف : 9 ] وهو التوراة إماماً لبني إسرائيل يأتمون به ، ورحمة لهم . ثم قال : { وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ } يعني : القرآن مصدق للتوراة . وقيل : مصدق لمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به . وقوله : { لِّسَاناً عَرَبِيّاً } نصبه على الحال من المضمر في { مُّصَدِّقٌ } . وقيل : هو حال من { كِتَابٌ } لأنه لما نعت قرب من المعرفة فحسنت الحال منه . وقيل : هو منصوب " بمصدق " ، وفيه بعد ؛ لأنه يصير المعنى أن القرآن يصدق نفسه ، فيصير التقدير : وهذا القرآن مصدق نفسه ؛ لأن اللسان العربي هنا هو القرآن ، وهذا المعنى ناقص إذا تأملته . وقيل : " اللسان " هنا عني به محمد صلى الله عليه وسلم ، فعلى هذا المعنى يحسن نصب " لسان " " بمصدق " ، كأنه قال : وهذا القرآن مصدق محمداً صلى الله عليه وسلم . ويجوز أن يكون في الكلام حذف مضاف . والتقدير : وهذا كتاب مصدق صاحب لسان عربي ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا قول حسن وتأويل صحيح . ثم قال : { لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أي : لينذر [ أهل ] الكتاب الذين ظلموا . وقيل معناه : لينذر محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن الذين ظلموا ، وهذا التأويل على قراءة من قرأ لينذر [ بالياء ، فأما على قراءة من قرأ بالتاء فلا يكون إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم ، والمعنى : لتنذر يا ] محمد الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بالله سبحانه . { وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ } . أي : وهو بشرى للذين أطاعوا الله عز وجل فأحسنوا لأنفسهم في فعلهم . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } . أي قالوا : لا إله إلا الله ، ثم استقاموا على ذلك فأطاعوا الله عز وجل فأحسنوا لأنفسهم في فعلهم حتى ماتوا فلا خوف عليهم من فزع يوم القيامة ، ولا هم يحزنون على ما خلفوا بعدهم في الدنيا . ثم قال : { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا } . أي : هؤلاء الذين تقدمت صفتهم هم أصحاب الجنة ماكثين فيها جزاء لهم من الله عز وجل بأعمالهم الصالحة . ثم قال تعالى { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ [ كُرْهاً ] } . أي : ووصينا ابن آدم بوالديه الحسنى في صحبته إياهما أيام الدنيا ، والبر بهما حياتهما وبعد مماتهما لما لقيانه في حمله وتربيته ، ثم بيّن ما لقيا منه من التعب فقال : { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً } أي : بمشقة ، ووضعته بمشقة . قال أبو محمد ( مؤلفه رضي الله عنه ) : فبر الوالدين أعظم ما يتقرب به إلى الله جل ذكره ، وعقوقهما من أعظم الكبائر المهلكات ، وقد تقدم القول في ذلكما في " سبحان " وبيّنه الله عز وجل بقوله تعالى : { إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ } [ الإسراء : 23 ] . فنهى الله عز وجل الولد أن يقول أف إذا شم منهما رائحة يكرهها ، فالنهي لما فوق ذلك أعظم ، وهذا باب مختصر في الحض على بر الوالدين . روى ابن مسعود " أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل قال : " الإيمان بالله ، والصلاة لوقتها ، وبر الوالدين ، والجهاد في سبيل الله " " . وروى مورق العجلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " هل تعلمون نفقة أفضل من نفقة في سبيل الله ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : نفقة الولد على الوالدين " . وروى أبو هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن ، دعوة الوالدين ، ودعوة المسافر [ ودعوة ] المظلوم " . وفي رواية أخرى : " ودعوة الإمام العادل في موضع ، ودعوة المظلوم " . قال الحسن : دعاء الوالدين للولد نجاة ، ودعاؤهما عليه استيصال . قال : وعن المسيب " أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد يوماً المنبر فلما وضع رجله على الدرجة الأولى قال : آمين ، ثم وضع رجله على الدرجة الثانية فقال : آمين ، ثم وضع رجله على الدرجة الثالثة فقال : آمين ، فلما فرغ من خطبته ذكروا له ذلك فقال : إن جبريل استقبلني حين وضعت رجلي على الدرجة الأولى ، فقال : من أدرك أبويه أو أحدهما فلم يغفر له فأبعده الله ، قل آمين ، فقلت : آمين ، فلما صعدت إلى الثانية قال : من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فأبعده الله ، قل آمين ، فقلت : آمين ، فلما صعدت إلى الثالثة ، قال : ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله قل آمين ، فقلت : آمين " . وروى مجاهد يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كل شيء بينه وبين الله حجاب إلا شهادة أن لا إله إلا الله ، ودعوة الوالدين " . وعن الحسن " أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له إني حججت ، وإن والدتي قد آذنت لي في الحج ، فقال [ له ] : " لقعدة معها تقعدها على مائدتها أحب إلي من حجتك " " . وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعده " . وقال عمر رضي الله عنه " من أراد أن يصل أباه بعد موته فليصل إخوان أبيه بعده " . وعن النبي عليه السلام أنه قال : " ودك ود أبيك لا تقطع من كان يصل أباك فيطفأ بذلك نورك " . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر : الإشراك بالله وعقوق الوالدين ، واليمين الغموس " . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه ، قيل : وكيف يسب الرجل والديه ، قال : يسب أبا الرجل ، فيسب أباه ويسب أمه [ فيسب أمه ] " . وروى أبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أربعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ، عَاقٌّ ، وَمَنَّانٌ ، وَمُدْمِنُ خَمْرٍ ، وَمُكَذِّبٌ بِقَدَر " . قال الحسن : انتهت القطيعة إلى أن يجافي الرجل أباه عند السلطان ، يعني يخاصمه ، ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الأم أعظم حق في البر والطاعة من الأب " . وعن الحسن أنه قال : ( ثلثا البر الطاعات للأم والثلث للأب ) . وروى أبو هريرة : " أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله من أحق مني بحسن الصحبة ، قال : أمك ، قال ثم من ، قال : أمك ثلاثاً ، قال : ثم من ؟ قال : أباك " . وقد قرن الله جل ذكره شكره بشكر الوالدين فقال : { أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ } [ لقمان : 14 ] . وقال كعب الأحبار : قال لقمان لابنه " يا بني من أرضى والديه فقد أرضى الرحمن ومن أسخطهما فقد أسخط الرحمن يا بني إنما الوالدان باب من أبواب الجنة ، فإن رضيا مضيت إلى الجنان وإن سخطا حجبت " . وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوك فيعتقه " . وقوله : { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ [ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً ] } . يقال إن الإنسان ها هنا إنسان بعينه ، وليس كل إنسان حمله وفصاله ثلاثون شهراً ، بل يزيدون وينقصون ، وليس كل من بلغ أشده يقول : { رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ } . وقيل : نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما . والذي عليه أكثر الناس أنها عامة على الأكثر من الناس في الحمل والفصال . وقوله : { قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ } . هذه صفة المؤمن وما يجب له أن يقول ، فهو وإن لم يقل ذلك فذلك اعتقاده ومذهبه ، وذلك ما يجب له أن يقول . قال ( قتادة والحسن ومجاهد ) : المعنى حملته مشقة ووضعته مشقة ، و " حُسْناً " في مصاحف الحرمين والشام والبصرة بغير ألف قبل الحاء ، وعلى ذلك أجمع القراء في سورة " العنكبوت " ، وهو في مصاحف الكوفيين بألف ، وعلى ذلك أجمع القراء في قوله : { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } ، فالقراءتان متكافئتان ، إذ في كتاب الله لكل واحدة مثال ، فجمع عليه . وقرأ عيسى بن عمر " حَسَناً " بفتح الحاء والسين على معنى فعلاً حسناً ، ولا يجوز حُسْنَى بغير تنوين ؛ لأن هذا لم تتكلم به العرب بألف التأنيث إلا بالألف واللام في أوله نحو الحُسْنَى والفُضْلى ، وإِحْسَانٌ مصدر أَحْسَن ، وَحَسَنَ بمعناه ، وَكَرْهاً مصدر في موضع الحال . وزعم أبو حاتم أن القراءة بفتح الكاف لا تحسن ؛ لأن الكره بالفتح : الغصب والقهر ، وبالضم المكروه ، فبالضم يتم المعنى عنده ، وذكر أن بعض العلماء سمع رجلاً يقرأ بفتح الكاف فقال له لو حَمَلته كرها ( لَرَمَتْ بِهِ ) لأن الكره عنده الغضب والقهر . وهما عند أكثر العلماء غيره لغتان مشهورتان بمعنى واحد ، ومعناه المشقة . والفتح عند المبرد وسيبويه أولى به لأنه المصدر بعينه . وقد حكى سيبويه والخليل أن كل فعل ثلاثي فمصدره فَعْلٌ ، واستدلا على ذلك أنك إذا رددته إلى المرة الواحدة جاء مفتوحاً ، تقول : قَامَ قَوْمَةً ، وَذَهَبَ ذَهْبَةً ، والذهاب عندها اسم للمصدر ، لا مصدر ، فكذلك الكره بالضم إنما هو اسم للمصدر ، والكره بالفتح هو المصدر . ثم قال تعالى : { وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً } . أي : ومدة حمل أمه له وفصالها إياه من الرضاع ثلاثون شهراً . وهذا مما استدل به العلماء على أن أقل الحمل ستة أشهر ؛ لأنه قد قال تعالى في سورة البقرة : { وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } [ البقرة : 233 ] فأخبر بمدة الرضاعة الكاملة ، فالذي يبقى من الثلاثين شهراً التي ذكر الله هنا هو ستة أشهر فهي للحمل . وقرأ الجحدري " وَحَمْلُهُ وَفَصْلُهُ " . ورويت عن الحسن . والفصال والفصل مصدران . يقال فَصَلَهُ فِصَالاً وَفَصْلاً ، والفَصْلُ على مذهب سيبويه هو المصدر ، والفِصَال اسم للمصدر على ما تقدم . وهذا النص مخصوص غير عام ، إنما هو في أكثر الناس لأن منهم من يقيم في الحمل أكثر من ثلاثين شهراً ، والفصل بعد ذلك ، وقد قيل إنه إنسان بعينه . ثم قال تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً } " أشُدَّهُ " عند سيبويه جمع شدة ، وقد ذكر شرحه في " يُوسُف " بأبين من هذا . قال ابن عباس : الأشد ثلاث وثلاثون سنة ، والاستواء أربعون سنة ، والعمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة . وقال الشعبي : الأشد بلوغ الحُلُم ، وذلك إذا كتبت لك الحسنات وعليك السيئات . وقيل : الأشد ثماني عشرة سنة . ثم قال : { قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ ( وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً ) } . أي : قال هذا الإنسان الذي هداه الله لرشده ، وعرف حق الله في بره والديه ، أَعِني على شكر نعمتك التي أنعمت علي ، وتعريفي توحيدك وهدايتك إياي للعمل بطاعتك وعلى والدي من قبلي . وَأَصْلُ أَوْزِعَنِي : مِن وَزَعْتُ الرَجُل على كذا : إِذَا دَفَعْتُه إِلَيْهِ . وكان أبو بكر بن عياش يقول هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، فلم يكفر له أب ولا أم بل أسلما . قال أوزعني : معناه ألهمني ، روي " أنه لما بلغ أشده ثماني عشرة سنة صحب النبي صلى الله عليه وسلم والنبي عليه السلام ابن عشرين سنة ، وسافر معه إلى الشام في تجارة فنزلا منزلاً فيه سدرة ، فقعد النبي صلى الله عليه وسلم في ظلها ، ومضى أبو بكر إلى راهب بجوار الموضع يقال له بحيرى فسأله أبو بكر رضي الله عنه عن الدين وتحدث معه ، فقال له الراهب : من الرجل الذي في ظل السدرة ؟ فقال له أبو بكر : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب فقال له الراهب : هذا والله نبي ، والله ما استظل تحتها أحد بعد عيسى ابن مريم إلا محمد صلى الله عليه وسلم ، فلما بعث النبي عليه السلام وهو ابن أربعين سنة وأبو بكر ابن ثمان وثلاثين سنة ، آمن به وصدّقه وصحبه ، ففيه نزلت الآيات . ثم قال تعالى : { وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ } . أي : وأوزعني أن أعمل عملاً صالحاً يرضيك عني . { وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ } . أي : وأصلح لي أموري في ذريتي الذين وهبتم لي بأن تجعلهم على الهدى واتباع مرضاتك . { إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ } أي : تبت إليك من الذنوب التي سلفت مني . { وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } أي : من الخاضعين لك بالطاعة ، المسلمين لأمرك ونهيك ثم قال : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ } . أي : والذين هذه صفتهم يتقبل الله منهم أحسن أعمالهم فيجازيهم عليها ويصفح عن سيئاتهم … وقوله : { فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ } . أي : يفعل بهم ذلك فعله في أصحاب الجنة . ثم قال : { وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ } . أي : وعدهم وعد الحق لا شك فيه أنه موف لهم بذلك .