Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 17-25)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ } إلى قوله : { نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } . هذه الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه عند بعض العلماء ، ورد ذلك بعضهم قال : هذا يبطله قوله : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } ، فقد حقت / عليه وعلى أمثاله كلمة العذاب بهذه الآية ، وأن عبد الرحمن من أفاضيل المؤمنين . وقال ابن عباس : نزلت في ابن لأبي بكر الصديق قال له : أتعدني أن أبعث بعد الموت ، منكراً لذلك ، ولم يذكر اسمه . وروي أن معاوية لما كتب إلى مروان أن يبايع الناس ليزيد قال عبد الرحمن ابن أبي بكر : جئتم بها هرقلية ( فقال له مروان : يا أيها الناس ) إن هذا الذي قال الله فيه : { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ } الآية ، فغضبت عائشة لما بلغها ذلك وقالت : والله ما هو به ، ولو شئت أن أسميه لسميته ، ولكن الله لعن أباك وأنت في صلبه - تعني الحكم - طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتقدير في الآية ، والذي قال لوالديه إذ دعواه إلى الإيمان بالله والإقرار بالبعث بعد الموت أف لكما ، أي : قَذَراً لكما أتعدانني أن أخرج من قبري بعد الموت . وقرأ الحسن : أن أخرج ، جعل الفعل له . قال قتادة : هذا عبد سوء عاق لوالديه فاجر . وقوله : { وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي } . أي : أتعدانني في أن أبعث بعد الموت وقد مضت قبلي القرون فهلكت ، ولم يبعث أحد منهم بعد موته ، فكيف أبعث أنا ولم يبعث أحد ممن هلك قبلي ، فتوهم المخذول أن لما لم يبعث من مات قبله ، لا يبعث هو ، ولم يدر أن للجميع أجلاً ووقتاً يبعثون فيه . ثم قال : { وَهُمَا يَسْتَغثِيَانِ ٱللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ } . أي : ووالداه يصرخان الله عليه ، ويقولان له ويلك آمن بالله وبالبعث ، وصدّق بوعد الله ووعيده ، إن وعد الله حق ، إنه يبعث الموتى ليجازيهم على أعمالهم ، فيقول لهما مكذباً لقولهما : ما هذا إلا أساطير ؛ أي : ما تقولان لي إلا أخباراً / من أخبار الأولين باطلة . { يَسْتَغثِيَانِ ٱللَّهَ } تَمَامٌ عند نافع ، وَيْلَكَ آمِنِ التمام عند يعقوب وغيره " وَحَقٌ " ، هو التمامُ عند غيرهما ؛ لأنه من تمام القول الذي قالا له وهو الصواب إن شاء الله " . ثم قال : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } . أي : وجبت عليهم كلمة العذاب في الآخرة مثل ما وجبت للأمم المتقدمة المنكرة للبعث ، الضالة عن الهدى من الجن والإنس كفعل هذا الذي تقدم ذكره . { إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } . أي : مغبونين ببيعهم الهدى بالضلالة ، والجنة بالنار . وهذه الآية تدل على موت الجن كما يموت الإنس أمة بعد أمة ، لأنه قال : { فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ } ، وهي تدل على مجازاة الجن كما يجازي الإنس ، ودخول الجن النار والجنة كما يدخلها الإنس ، وليس المراد بقوله : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } عبد الرحمن الذي نزلت فيه الآية ، وإنما المعنى ، من عمل مثل هذا الذي ذكر عنه ، إنكاراً للبعث فهو الذي حق عليه العذاب ، فأول الكلام خاص ، وآخره عام . وروى قتادة عن الحسن أنه قال : الجن لا يموتون ، قال قتادة : فاحتجت عليه بهذه الآية . ثم قال : { وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ } أي : ولكل هذين الفريقين من الجن والإنس من أعمالهم منازل ومراتب عند الله يوم القيامة في الجنة أو في النار . قال ابن زيد : درج أهل النار يذهب سفالاً ، ودرج أهل الجنة يذهب علواً . ثم قال : { وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَٰلَهُمْ } أي : ولنعطي جميعهم أجور أعمالهم من حسن وسيء . { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } أي : لا يزاد على أحد ذنب غيره ، ولا ينقص أحد من حسن عمله . والوقف عند بعضهم { مِّمَّا عَمِلُواْ } ، على أن تكون " اللام " متعلقة بفعل مضمر بعد هذا ، والتمام : يظلمون . ثم قال : { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ } . أي : واذكر يا محمد يوم يعرض الذين كفروا على نار جهنم . وقيل العامل في " يوم " فعل مضمر بعده ، والتقدير ويوم يعرض الذين كفروا على النار يقال لهم : { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ } ، فيقال هو العامل في " يوم " والمعنى : يقال لهم أذهبتم طيباتكم في الدنيا وتطلبون النجاة اليوم . ( وذكر بعض العلماء أن معناه : أذهبتم طيباتكم في الدنيا لأنفسكم ، ولم تعطوا منها الحاجة ، وتؤثروا أهل الفقر لوجه الله عز وجل . وأكل الطيبات من المطاعم حلال إذا طاب أصلها ، يقول الله جل ذكره : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ } [ المائدة : 87 ] وقال : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 32 ] فأخبرنا أن الطيبات من الرزق مباحة للمؤمنين في الدنيا ، وأنها خالصة لهم يوم القيامة في الآخرة إذ يشاركهم فيها في الدنيا الكفار ، فلا شيء فيها للكفار في الآخرة ) . ويروى أن عمر رضي الله عنه رأى جابر بن عبد الله ومعه إنسان يحمل عنه شيئاً فقال : " ما هذا ؟ قال : لحم اشتريته بدرهم فقال : أوكلما قدم أحدكم اشترى لحماً بدرهم والله لو شئت أن أكون أطيبكم طعاماً ، وأينعكم ثوباً لفعلت ، ولكن الله يقول : { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا } فَأَنَا أَتْرُكُ طَيِّبَاتِي " . وروى قتادة عن أبي هريرة أنه قال : " إنما كان طعامنا مع نبي الله صلى الله عليه وسلم الأسودين : الماء والتمر ، والله ما كنا نرى سراءكم هذه / ولا ندري ما هي " . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه دخل على أهل الصفة ، وهو مكان يجتمع فيه فقراء المسلمين وهو يرقعون ثيابهم بالأدم ما يجدون لها رقاعاً فقال : أنتم غير من يغدوا أحدهم في حلة ويروح في أخرى ، ويغدا عليه بتحفة ويراح عليه بأخرى ويستر بيته كما تستر الكعبة ، قالوا نحن يؤمئذ خير قال : بل أنتم اليوم خير " . ثم قال : { فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } . أي : بتكبركم في الدنيا على ربكم / ومخالفتكم أمره ونهيه بغير ما أباح لكم وبفسقكم . ثم قال : { وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ } . أي : واذكر يا محمد لقومك أخا عاد وهو هود إذ أنذر قومه كما أنذرت أنت قومك . والأحقاف جمع حقف ، وهو ما استطال من الرمل ولم يبلغ أن يكون جبلاً . قول المبرد ، " هو رمل مكثتن ليس بالعظيم وفيه أعواج يقال أحقوقف الشيء : إذا اعوج حتى يلتقي طرفاه . كما قال : " سماوة الهلال حتى احقوقف " . قال ابن عباس : الأحقاف جبل بالشام ، وقاله الضحاك . وعن ابن عباس أنها واد بين عمان ومهرة . وقال ابن إسحاق . كانت الأحقاف ما بين عمان إلى حضرموت واليمن كلها . وقال مجاهد : الأحقاف : الرمل . وقال قتادة : هي رمال مشرفة على البحر بالشحر ، والشحر ما يقرب من عدن . وقوله : { وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ } . والنذر جمع نذير ، والنذير الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو بمعنى منذر . وقيل : النذر هنا اسم المصدر بمعنى الإنذار ، وليس بجمع . وقال الضحاك : لم يبعث الله عز وجل رسولاً إلا بأن يعبد الله وحده . ثم قال : { إِنَّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ [ عَظِيمٍ ] } . قال لهم هود ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم إن عبدتم غير الله سبحانه عذاب يوم عظيم هوله وهو يوم القيامة . ثم قال : { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا } . أي : قال قوم هود وهم عاد لهود { أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا } وتصرفنا عن عبادة آلهتنا إلى عبادة ما تدعونا إليه ، فأْتنا بما تعدنا من العذاب إن كنت صادقاً في قولك أنك تخاف علينا عذاب يوم عظيم . ثم قال { قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ } . أي : قال لهم هود إنما العلم بمجيء وقت العذاب إليكم على كفركم عند الله لا علم لي من ذلك إلا ما علمني ربي . { وَأُبَلِّغُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ } [ أي ] : وأنا أبلغكم ما أمرت أن أبلغكم إياه ، إنما أنا رسول لا علم عندي من الغيب . { وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ } . مواضع حظوظكم فلا تعرفون ما يضركم ولا ينفعكم فتستعجلون العذاب لجهلكم بقدرة الله سبحانه . ثم قال : { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ } . أي : فلما رأت عاد العذاب الذي استعجلته سحاباً عارضاً مستقبلاً نحو أوديتهم . { قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } أي : ظنوه أنه مطرٌ يأتيهم بخير . قال ابن عباس : كان لقوم عاد واد إذا أمطروا من نحوه وأتاهم الغيم من قبله كان ذلك العام عام خصب متعالم فيهم ، فبعث الله عز وجل عليهم العذاب من قبل ذلك الوادي ، فجعل هود يدعوهم ويقول : إن العذاب قد أظلكم فيقولون : كذبت هذا عارض ممطرنا ، ونزلت الريح فنسفت الرعاة فجعلت تمر على الغنم ورعاتها حتى تغرقها ، ثم تحلق بهم في السماء حتى تقذفهم في البحر ، ثم نسفت البيوت حتى جعلتها كالرميم . قال قتادة : ذكر لنا أنه حبس عنهم المطر زماناً فلما رأوا العذاب مقبلاً ظنوه مطراً يأتيهم وقالوا : كذب هود ، [ فلما رآه هود ] قال لهم : بل هو ما استعجلتم به من العذاب ، هو ريح فيها عذاب أليم ، فروي أن الريح كانت تلقى الفسطاط . وتأتي بالرجل الغائب فتلقيه وتحل الظعينة فترفعها حتى ترى كأنها جرادة . قال ابن عباس : كان لعاد واد إذا جاء المطر أو الغيم من ناحيته كان غيثاً فأرسل الله عز وجل عليهم العذاب من ناحيته ، فلما وعدهم هود بالعذاب ورأوا العارض قالوا : هذا عارض ممطرنا ، فقال لهم هود : { بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } . ثم قال : { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } . أي : تهلك الريح كل شيء أمرت بهلاكه . قال ابن عباس : ما أرسل الله عز وجل على عاد من الريح إلا قدر خاتمي هذا ونزع خاتمه / . ثم قال : { فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ } أي : فأصبح قوم هود لم يبق إلا مساكنهم . ثم قال : { كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } أي : كما جزينا عاداً بكفرهم كذلك نجزي قومك يا محمد إن تمادوا في غيّهم .