Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 30-35)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { قَالُواْ يٰقَوْمَنَآ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً [ أُنزِلَ ] } إلى آخر السورة . أي : قالت الجن الذين استمعوا القرآن لقومهم إذ رجعوا إليهم يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه ، أي : مصدقاً للتوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الله يهدي إلى الحق ؛ أي يرشد مستمعه وقابله إلى الحق وإلى طريق مستقيم لا اعوجاج فيه وهو الإسلام . قال قتادة : ما أسرع ما عقل القوم ، ذكر لنا أنهم صرفوا إليه من نينوى . ثم قال حكاية عن قول / الجن لقومهم { يٰقَوْمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ } . أي : أجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما يدعو إليه من طاعة الله وآمنوا به . { وَآمِنُواْ بِهِ } أي : وبرسوله ، وهو الداعي ، فالهاء في " به " تعود على الداعي وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم فحضوهم على الإيمان برسول الله وطاعته ووعدهم بالمغفرة على ذلك . فقالوا : { أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ وَآمِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ } أي : يسترها عليكم في الآخرة . { وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } أي : وينقذكم يوم القيامة من عذاب مؤلم إن أجبتموه وآمنتم به . ثم قال / عنهم : { وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ ٱللَّهِ } . يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم ، أي : قالوا لقومهم من لا يجب محمداً ولا يؤمن به { فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي ٱلأَرْضِ } أي : ليس بمعجز ربه بهربه في الأرض إن أراد عقوبته ؛ لأنه حيث كان في قبضة ربه وسلطانه . { وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءُ } أي : ليس لمن لا يجب داعي الله من دون الله أولياء ينقذونه من عذابه . { أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي : أولئك الذين لا يجيبون داعي الله ولا يؤمنون به في جور ظاهر عن قصد الحق وإصابة الصواب . ثم قال : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ [ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ ] } . أي : أوَلم يعلم قومك يا محمد أن الله الذي خلق السماوات والأرض وابتدعهما على غير مثال ، قادر على أن يحيي الموتى فيردهم أحياء كما كانوا ، فخلق السماوات والأرض وإيجادهما على غير مثال أعظم في القدرة من إعادة شيء قد كان له مثال على لطافة خلقه . { بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي : بلى يقدر على ذلك ، إنه على كل شيء يريد قادر ، لا يمتنع عليه شيء أراده . وقرأ الأعرج وابن أبي إسحاق والجحدري : يقدر على أن يحيي الموتى . وقرأ ابن مسعود " قادر " بغير باء . واختار بعض النحويين " يقدر " على " بقادر " ؛ لأن الباء إنما تدخل في النفي ، وهذا إيجاب . وروى ذلك عن أبي عمر والكسائي ، والباء " إنما دخلت عند النحويين لدخول لم " في أول الكلام . وقال علي بن سليمان : تدخل " الباء " في النفي ، فإذا دخل على النفي استفهام لم يغيره عن حاله ، فتقول : " أما زيد بقائم " كما تقول : " ما زيد بقائم " . ثم قال : { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَىٰ ٱلنَّارِ } . أي : واذكر يا محمد يوم يعرض الذين كفروا - وأنكروا البعث والجنة والنار - على نار جهنم ، فيقال : أليس هذا بالحق وقد كنتم تكذبون به في الدنيا ؟ فيجيبون ويقولون : بل هو الحق وربنا ، فيقال [ لهم ] : فذوقوا العذاب الآن بكفركم به وجحودكم إياه في الدنيا . ثم قال : { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } . أي : فاصبر يا محمد على ما تلقاه من قومك كما صبر أولوا العزم من الرسل من قبلك على ما لقوا من قومهم من التكذيب والمكاره ، فصبر نبيّه على ما يناله من قومه من الأذى والمكروه وعلّمه أن ذلك قد لقيه الرسل قبله ليتأسى بهم ، وأولوا العزم من الرسل الذين كانوا امتحنوا مع قومهم في ذات الله في الدنيا ، فلم تردهم المحن عن تبليغ ما أرسلوا به وإنذار من أرسلوا إليه في الدنيا . قال عطاء : هم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم . وقال ابن زيد : كل الرسل كانوا أولي عزم ، لم يتخذ الله رسولاً إلا كان ذا عزم ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصبر كما صبروا . وقال قتادة : هم أربعة : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى صلوات الله عليهم . وقال مجاهد : هم خمسة كقول عطاء ( وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم . ثم قال : { وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ } أي : ولا تستعجل لهم يا محمد إتيان العذاب من عند ربك على كفرهم ، فإنه نازل بهم لا محالة ، وإن متعوا في الدنيا فإنما هو متاع قليل . ثم قال { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ } . وذلك أنهم ينسون مقدار لبثهم في الدنيا ، وتهون عليهم مدته لهول ما يرون ، وشدة ما يلقون ، وما يعانون من الأهوال والعذاب وهذا مثل قوله قال : { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ ٱلْعَآدِّينَ } [ المؤمنون : 112 - 113 ] ، استقلوا لبثهم في الدنيا حتى جعلوه يوماً أو أقل من يوم لعظيم ما عاينوا ، والعادون : الملائكة . وقوله : { بَلاَغٌ } معناه : كأنهم لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ، ذلك لبث بلاغ لهم في الدنيا إلى آجالهم ، اي : لبث بلاغهم إلى آجالهم ، ثم حذف المضاف مثل / { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] . وقيل المعنى : هذا القرآن ، أو هذه التلاوة والإنذار بلاغ لهم ، ( أي : كفاية لهم ) أن تكفروا واعتبروا وتذكروا . وقيل بلاغ : معناه : قليل ، تقول العرب : ما معه من الزاد إلا بلاغ ؛ أي : قليل ، وقيل المعنى : هذا الذي وعظوا به بلاغ . وقرأ عيسى بن عمر : " بَلاغاً " بالنصب ، جعله نعتاً لساعة وقيل نصبه على المصدر . وقرأ أبو مجلز " بَلِّغْ " على الأمر . ثم قال : { فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ } أي : فهل يهلك الله بعذابه إلا القوم الذين خرجوا عن طاعة الله ، وخالفوا أمره وكفروا به . وقيل المعنى : فهل يهلك مع تفضل الله ورحمته إلا القوم الفاسقون . وحكى أبو حاتم عن بعضهم - واستبعده - أن الوقف ولا تستعجل ثم يبتدئ { لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ } أي : لهم بلاغ ، وفيه بعد ؛ لأن الخبر قد بعد من الابتداء واعترض بينهما شيء كثير ليس منه . وقال غيره { وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ } وقف تام : وعن الحسن { مِّن نَّهَارٍ } تمام الكلام ، وهو قول أبي حاتم أيضاً ، وقال يعقوب ثم تبتدئ { بَلاَغٌ } أي : " ذلك بلاغ " . وكذلك قال نافع / ، إلاّ أنه قال : وإن شئت وقفت على " بلاغ " . ومن نصب فلا يقف إلا على بلاغ ؛ لأن ما قبله عمل فيه فلا يفرق بينهما ، ومن قرأ " بَلِّغْ " وقف على " نَهَارٍ " واستأنف بالأمر .