Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 26-29)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ } إلى قوله : { وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } . أي : ولقد مكنا عاد الذين أهلكوا بكفرهم فيما لم نمكن لكم أيها القوم فيه من الدنيا . قال قتادة : أنبأنا الله عز وجل بأنه قد مكنهم / في شيء ولم يمكنا . قال المبرد : " ما " هاهنا بمعنى " الذي " و " إن " بمعنى " ما " وقيل إنَّ " إن " زائدة ، ولا يعرف زيادة " إن " إلا في النفي ، وإنما تكون زائدة في الإيجاب " أن " المفتوحة . ثم قال : { وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً } . أي : خلقنا لمن تقدم من عاد سمعاً يسمعون به مواعظ ربهم وأبصاراً يبصرون بها آيات ربهم ، وأفئدة أي : قلوب يعقلون بها الحق ويميزونه من الباطل ، فما أغنى عنهم ذلك شيئاً ولا نفعهم ، إذ لم يستعملوه فيما أمروا به مما يقربهم إلى الله عز وجل إذ كانوا يجحدون بآيات الله ، أي : لم ينفعهم ما أعطوا من الجوارح ولا وصلوا بها إلى ما يقربهم إلى الله إذ كانوا يكفرون بآيات الله ورسله . ثم قال : { وَحَاقَ بِهم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } . أي : وحلّ بهم عقاب استهزائهم بالرسل ، وهذا كله تهديد ووعيد من الله جلّ ذكره لقريش وتحذير لهم ، أي : يحل بهم ما حل بعاد . وأن يبادروا بالتوبة قبل النقمة . ثم قال : { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلْقُرَىٰ } . أي : من أهل القرى ، هذا مخاطبة لأهل مكة من قريش وغيرهم أعلمهم الله أنه قد أهلك أهل القرى التي حولهم بكفرهم كعاد وثمود ، وأنه محل بهم مثل ذلك إن تمادوا على كفرهم . ثم قال : { وَصَرَّفْنَا ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } . أي : ووعظناهم بأنواع العظات وذكرناهم بضروب من الذكر ليرجعوا عن كفرهم ، فأبوا إلا الإقامة على الكفر فأهلكناهم ، ففي الكلام حذف ، وهو معنى ما ذكرنا من إقامتهم على الكفر وهلاكهم على ذلك . ثم قال : { فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ [ قُرْبَاناً آلِهَةَ } . أي : فهلا نصر هؤلاء الكفار الذين عبدوا من دون الله ] وتقربوا بعبادتهم إلى الله بزعمهم ، بل حلّ بهم الهلاك ، ولا ناصر لهم من دون الله ، وهذا احتجاج من الله لنبيه عليه السلام على مشركي قومه ، أن الآلهة التي يعبدونها من دون الله لا تنفع ولا تنقذ من عبدها من ضر ، فكذلك أنتم يا قريش في عبادتكم هذه الأصنام ، إن أتاكم بأس الله ونقمته ، لم تنقذكم آلهتكم منه كما لم تغن عمن كان قبلكم . ثم قال : { بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } . أي : بل تركتهم آلهتهم فأخذت غير طريقهم إذ لم يصبها ما أصابهم من العذاب إذ هي حجارة وجماد فلم يصبها ما أصابهم فذلك ضلالها عنهم . ثم قال : { وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ } . أي : وهذه الآلهة التي ضلّت عنهم هي كذبهم وافتراؤهم في قولهم أنها تقربنا إلى الله زلفى ، و " الإِفْكُ " هنا مصدر في موضع المفعول ، والمعنى وهذه الآلهة مَأفُوكُهُمْ : أي مكذوبهم لأن الإِفك إنما هو فعلُ الإفك ، " وَقُرْبَاناً " منصوب " باتخذوا " و " آلِهَةٌ " بدل منه ، ويجوز أن يكون مصدراً ، وأن يكون مفعولاً من أجله ، وتنصب الآلهة باتخذوا في الوجهين . وقرأ ابن عباس : ( وَذَلِكَ أَفَكَهُمْ ) ، جعله فعلاً ماضياً ، فتكون " ما " في قوله : { وَمَا كَانُواْ } في موضع رفع عطف على المضمر في إفكهم ، والمعنى : وذلك أرداهم وأهلكهم هو وما كانوا يفترون ؛ أي : أهلكهم ذلك هو وافتراؤهم ، وفيه قبح حتى يؤكده المضمر المرفوع . ويجوز أن تكون " ما " في موضع رفع عطفاً على ذلك ، والتقدير : وذلك افتراؤهم أهلكهم وأظلهم ، " وما " في موضع رفع على قراءة الجماعة عطفاً على " إفكهم " وهي وما بعدها مصدر فلا تحتاج إلى عائد فإن قيل جعلتها بمعنى : " الذي " قدرتها محذوفة ، والتقدير وما كانوا يفترونه . وحكى الزجاج : وذلك أفكهم بالمد : بمعنى أكذبهم . ثم قال : { وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ } . أي : واذكر يا محمد إذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن ، وصرفه إياهم هو الرجم الذي حل بهم بالشهب / من السماء عند الاستماع على عادتهم ، فلما رجموا بالشهب ومنعوا مما لم يكونوا يمنعون منه قالوا : إن هذا الحادث ( حدث في السماء لشيء ) حدث في الأرض ، فذهبوا يطلبون ذلك الحادث في الأرض حتى رأوا النبي صلى الله عليه وسلم خارجاً من سوق عكاظ يصلي بأصحاب الفجر ، فسمعوا قراءته وذهبوا إلى أصحابهم منذرين ، وهذا قول ابن جبير . قال ابن عباس : لم تكن السماء تحرس في الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام ، وكانت / الجن تقعد من السماء مقاعد للسمع فلما بعث الله نبيه عليه السلام حرصت السماء حرصاً شديداً ، فرجمت الشياطين فأنكروا ذلك ، وقالوا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً . فقال إبليس اللعين : لقد حدث في الأرض حدث فاجتمع إليه الجن ، فقال : تفرقوا في الأرض فأخبروني ما هذا الخبر الذي حدث في السماء ، وكان أول بعث بعثه ركباً من أهل نصيبين وهم أشراف الجن وسادتهم ، فبعثهم الله إلى تهامة فاندفعوا حتى بلغوا وادي نخلة فوجدوا نبي الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الغداة ببطن نخلة فاستمعوه فلما سمعوه يتلو القرآن قالوا : أنصتوا ، ولم يكن النبي عليه السلام يعلم بهم ، فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين ، قال ابن عباس : وكانوا سبعة من أهل نصيبين فجعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلاً إلى قومهم . وقال ( زر بن حبيش ) : كانوا تسعة ، قال ابن عباس : لم يشعر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال الحسن : لما أتوا ليستمعوا أعلم الله نبيه عليه السلام بمكانهم . وقال قتادة : بل أمر رسول صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عليهم ، وروى عنه أنه قال لأصحابه : " أمرت أن أقرأ على الجن فأيكم يتبعني فأطرقوا ، ثم قالها لهم ثانية وثالثة فأطرقوا فاتبعه ابن مسعود ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم شعباً يقال له شعب ( الحجون ) ثم خط رسول الله صلى الله عليه وسلم ( على عبد الله خطاً ) . قال عبد الله : فجعلت الجن تهوي وأرى أمثال النسور تمشي ، وسمعت لغطاً شديداً حتى خفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم تلا القرآن ، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : يا نبي الله ما اللغط الذي سمعت ؟ قال : اجتمعوا إلي في قتيل كان بينهم فقضى [ فيه ] بالحق " . " وروى جابر بن عبد الله وابن عمر : " أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليهم سورة الرحمن فكلما قرأ النبي : { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } قالت الجن : لا بشيء من آلاء نعمائك نكذب ربنا فلك الحمد " ولما قدم ابن مسعود الكوفة رأى شيوخاً شمطاً من الزط فراعوه فقال : من هؤلاء ؟ قالوا : هم نفر من الأعاجم ، فقال : ما رأيت للذين قرأ عليهم نبي الله من الجن شبهاً أدنى من هؤلاء . وروى معمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم خط على ابن مسعود خطاً ثم قال له : لا تخرج منه ، ثم ذهب إلى الجن فقرأ عليهم القرآن ثم رجع إلى ابن مسعود فقال له : هل رأيت شيئاً ؟ قال : سمعت لغطاً شديداً . قال : إن الجن تدارت في قتيل قتل بينهما فقضى فيه بالحق . وسألوه الزاد ، فقال : كل عظم لكم غداء ، وكل روثة لكم خضرة ، فقالوا يا رسول الله يقدرها الناس علينا ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستنجي بأحدهما " وقد كثر الاختلاف في حديث ابن مسعود ، وكثير من العلماء روى أنه لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة أحد ، وروى ذلك عن ابن مسعود قال : ما شهدها منا أحد ، وعنه ما شهدها أحد غيري ، وكانت قراءته عليهم بالحجون وقيل بنخلة ، وأكثر المفسرين على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلهم إلى قومهم لينذروهم عذاب الله ، ومنهم من قال : بل مضوا من غير أمره وما علم عليهم إلا بعد ذلك .