Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 16-22)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } إلى قوله { وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ } الآيات . أي : ومن هؤلاء الكفار يا محمد من يستمع إلى قراءتك وهم المنافقون . { حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً } . أي : فإذا خرج هؤلاء المنافقون المستمعون إليك ، لم يعوا شيئاً ولا حفظوا مما قلت شيئاً ، لأنهم حضروا لغير الله ، واستمعوا بغير نية ، فإذا خرجوا بغير علم ولا فهم ، قالوا : لأصحابك المؤمنين ما قال محمد آنفاً . أي : منذ ساعة . قال قتادة : هم المنافقون ، دخل رجلان : رجل ممن عقل عن الله ، فانتفع بما سمع ، ورجل لم يعقل عن الله ، فلم ينتفع بما سمع . وكان يقال : الناس ثلاثة : سامع فعاقل ، وسامع فغافل ، وسامع فتارك ، وكان ابن عباس يقول : { قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً } أنا منهم ، وقد سئلت ( فيمن سئل ) . قال ابن زيد : " هم الصحابة " . قال عبد الله بن بريدة : قالوا ذلك لابن مسعود . وقيل إنهم سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ثم خرجوا فقالوا للمسلمين استهزاء : ماذا قال آنفاً ، / أي : إنّا لم نلتفت إلى ما قال . ثم قال : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } . أي : أولئك الذين هذه صفتهم هم الذين ختم الله على قلوبهم فهم لا يهتدون للحق ، فرفضوا أمر الله واتبعوا ما دعتهم إليه أنفسهم بغير برهان ولا حجة ، فهذه في المنافقين . وقال : { كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَاءَهُمْ } . هذه في أهل الشرك ، فكلا الفريقين اتبعوا أهواءهم . ثم قال : { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى } . أي : والذين وفقهم الله لاتباع الحق من المستمعين زادهم الله بما سمعوا منك هدى . ففي { زَادَهُمْ } ضمير يعود على ( الله وقيل هو يعود على ) قول النبي ، أي : زادهم قول النبي هدى . وقيل : هو عائد على فعل المشركين ، وقولهم : { مَاذَا قَالَ آنِفاً } أي : زادهم الله بضلال المنافقين واستهزائهم هدى . وقوله : { وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } / . أي : ( وأعطى الله هؤلاء المتقين ) تقواهم بأن استعملهم بطاعته ، وقيل معناه : وألهمهم عمل أهل النعم . وقيل المعنى : وأعطاهم ثواب تقواهم . وقيل : إن المؤمنين آمنوا بالقرآن لما نزل ، فلما نزل الناسخ [ والمنسوخ ] زادهم ذلك هدى . ثم قال : { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً } . أي : فهل ينظر هؤلاء المنافقون إلا إتيان الساعة وقيامها عليهم بغتة . " فأن " في موضع نصب بدلاً من " الساعة " بدل الاشتمال . و " بغتة " نصب على المصدر ، أي : تبغتهم بغتة ، وقيل : هي مصدر في موضع الحال ، وحكى أبو عبيد ( أن في بعض مصاحف الكوفيين أن تأتيهم ، على الشرط ) ، والجواب : فقد جاء . وقال أبو جعفر الرواسي قلت لأبي عمرو ما هذه " الفاء " في قوله : { فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا } . فقال : هي جواب للجزاء ، قال : فقلت له : إنها أن تأتيهم ، فقال : معاذ الله إنما هي أن تأتهم . وهذه القراءة تفسر المعنى لو صحت ؛ لأنه يصير المعنى : إنها تأتيهم بغتة ، ويجوز : أن تأتيهم غير بغتة ؛ لأنه بمعنى الشرط والجزاء ، وقد قال الله { لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً } [ الأعراف : 187 ] والأمر المحدود الذي لا بد منه ولا يكون غيره ، لا يدخله الشرط ، لأن الشرط إنما يدخل في الموضع الذي يجوز أن يكون ، ويجوز ألا يكون ، ويحسن أن يقع ، ويحسن ألا يقع ، فليس هذا موضعاً للشرط البتة ، وجاء قوله : { يَنظُرُونَ } بمعنى " ينتظرون " وهم لا يؤمنون بالساعة فكيف ينتظرونها ، وإنما ذلك بمعنى الوعيد والتهدد ، كما تقول لمن أصر على الذنوب والكفر : هل تنتظر إلا العذاب ، وكما تقول لعبدك يصر على مخالفتك : هل تنتظر إلا العقوبة ، فالمعنى : هل ينتظرون في الحقيقة عندنا وعند المؤمنين إلا أن تأتيهم الساعة بغتة . وقوله : { فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا } أي : فقد جاء هؤلاء الكفار علاماتها ومقدماتها وآياتها . قال الحسن : موت النبي عليه السلام من علاماتها ، وقال غيره : بعث النبي من علاماتها ، لأنه نبي بعث لا نبي بعده ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعة كَفَرَسَيْ رِهان " ( وقال أيضاً ) : " بُعِثْت أَنَا والسَّاعة كَهَاتَيْن " وأشار بالسبابة والوسطى . ثم قال : { فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَٰهُمْ } أي : فمن أي وجه لهؤلاء الكفار تقع الذكرى إذ جاءتهم الساعة بغتة ، أي : ليس ينفعهم ذلك الوقت تذكر ولا ندم ، إذ ليس هو وقت عمل ولا استعتاب ولا تأخر ، فالتقدير : من أين لهم منفعة التذكر والازدجار عن الكفر إذا جاءت الساعة وانقطعت التوبة . ثم قال : { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } أي : فاعلم يا محمد أنه لا معبود تصلح له العبادة إلا الله ، واسئل ربك الستر على ذنبك وعلى ذنوب المؤمنين والمؤمنات . ثم قال : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } [ أي ] : يعلم أعمالكم في تصرفكم وفي سكونكم لا يخفى عليه شيء . وقيل المعنى : يعلم متصرفكم ومثواكم في الدنيا والآخرة ، ومخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم هنا هي مخاطبة لأمته ، والفاء في قوله : " فاعلم " جواب المجازات ، والتقدير : قد بيّنا أن الله واحد ، فاعلم . ثم قال : { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ } . أي : ويقول الذين صدقوا الله ورسوله هل نزلت سورة من الله تأمرنا بجهاد أعداء الله من الكفار ، فإذا أنزل الله سورة محكمة بالفرائض تأمرهم بالجهاد ، رأيت الذين في قلوبهم مرض ، يعني المنافقين ينظرون إليك [ يا محمد نظر المغشي عليه من الموت ، أي : ينظرون إليك ] نظراً أمثال نظر الذي غشي عليه من حلول الموت به خوفاً أن تأمرهم بالجهاد مع المسلمين ، وجبنا من لقاء العدو . قال قتادة : كل سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة وهي أشد القرآن على المنافقين ، والمرض هنا : الشك والنفاق . وقوله تعالى : { فَأَوْلَىٰ لَهُمْ } هو وعيدٌ لهم . ثم ابتدأ فقال : { طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } . أي : طاعة وقول معروف أولى بهم ، وأمثل لهم ، / وأجمل بهم ، وفيه معنى الأمر من الله لهم بذلك ، فالوقف على هذا : { فَأَوْلَىٰ لَهُمْ } وأولى ، عند بعض أهل المعاني : " أفعل " التي للتفضيل كما تقول : هذا أخزى لك وأقبح لوجهك ، وهو عنده مشتق من الويل وفيه قلب ، قلبت اللاَّم في موضع العين لئلا يقع إدغام ، ومعنى { فَأَوْلَىٰ لَهُمْ } أي : وليهم المكروه / بمعنى أولى لهم المكروه . والعرب تقول لكل من قارب الهلكة ثم أفلت : " أولى لك " أي : كدت تهلك . وعن ابن عباس : قوله تعالى : { لَهُمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } ، من قول المؤمنين ، أي : لهم طاعة وقول معروف قبل الأمر بالقتال ، فإذا أمروا نظروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم نظر الذي غشي عليه من خوف الموت فيكون الوقف على هذا " فأولى " ثم يبتدئ : { لَهُمْ * طَاعَةٌ } أي : يقول المؤمنون للمنافقين لهم طاعة وقول معروف : قبل نزول السورة بالأمر بالجهاد . فإذا نزلت بذلك نظروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم نظر من غشي عليه من الموت . وقيل : هو خبر من الله جل ذكره عن هؤلاء المنافقين أنهم قبل أن تنزل السورة يقولون : سمعاً وطاعة ، فإذا نزلت السورة بذلك كرهوه فقال لهم الله طاعة وقول معروف قبل وجوب الفرائض عليكم ، فإذا أنزلت الفرائض شق ذلك عليكم ، وكرهتموه ، فالكلام متصل على هذا القول لا يوقف على ما قبل طاعة ، والوقف على القول الأول : فأولى لهم " وعليه أكثر العلماء وقد ذكرته . وقوله : { فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ } . أي : فإذا وجب القتال وفرض كرهتموه ، فالجواب محذوف لعلم السامع . وقيل المعنى : فإذا [ جَدَ ] الأمر ، قاله مجاهد ، وعنه : فإذا جاء الأمر بالقتال . وقيل المعنى : فإذا عزم أصحاب الأمر ، يعني : النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . ثم قال : { فَلَوْ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } أي : فلو صدق هؤلاء المنافقون الله وتركوا التعلل والهرب لكان صدقهم الله خيراً لهم . ثم قال : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ } . هذه مخاطبة للمنافقين الكارهين للجهاد . أي : فهل عسيتم أيها القوم لعلكم أن توليتم عن ما فرض الله عليكم من الجهاد أن تفسدوا في الأرض ؛ أي : أن تعصوا الله ورسوله ، وتعودوا لما كنتم عليه من سفك الدم وقطع الرحم ، والتفرق بعد ما جمعكم الإسلام وألف بين قلوبكم ، هذا معنى قول قتادة وغيره . وقال محمد بن كعب معناه : فهل عسيتم أن توليتم من أمور الناس شيئاً أن يقتل بعضكم بعضاً . وقيل المعنى : فهل عسيتم أن توليتم عن النبي صلى الله عليه وسلم . فكفرتم بما جاءكم به أن ترجعوا إلى ما كنتم عليه من الكفر فتفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ، وترجعوا إلى العداوات والحروب التي كانت بين الأوس والخزرج . وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " أَنْ تُوُلِّيتُمْ " على ما لم يسم فاعله أي : إن وَلِيَ عليكم غيركم .