Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 47, Ayat: 5-15)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ } إلى قوله : { فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } الآيات . من قرأ قَتلوا أو قُتلوا على ما لم يسم فاعله ، فالمعنى سيهديهم إلى جنته ويصلح شأنهم فيها بالنعيم المقيم وغفران الذنوب ويدخلهم إياها ، ويجوز أن يكون المعنى : سيهدي من بقي منهم حيّاً كما قال : { قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ } [ آل عمران : 146 ] أي : فما وهن من بقي منهم ، ومن قرأ " قاتلوا " فالمعنى : سيوفقهم في الدنيا إلى الرشد والعمل الصالح ويصلح فيها حالهم حتى يتوفاهم على ما يرضاه منهم ويدخلهم الجنة في الآخرة . { عَرَّفَهَا لَهُمْ } أي : زينها لهم ، قال أبو سعيد الخدري : إذا نجّى الله المؤمنين من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فاقتص بعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا ثم يؤذن لهم بالدخول إلى الجنة ، قال : فما كان المؤمن بأدل بمنزله [ في الدنيا منه بمنزله ] في الجنة حتى يدخلها . قال مجاهد : يهتدي أهل الجنة إلى بيوتهم ومساكنهم منها لا يخطئون كأنهم سكانها منذ خلقوا لا يستدلون عليها بأحد . قال ابن زيد : بلغنا عن غير واحد أنه يدخل أهل الجنة وهم أعرف بمنازلهم فيها من منازلهم في الدنيا التي يختلفون إليها في عمر الدنيا ، فذلك قوله : { عَرَّفَهَا لَهُمْ } . قال / سلمة بن كهيل معناه : عَرَّفهم طرقها . وقيل معناه : طَيَّبَها لهم ، يقال طعام مُعَرَّفٌ : أي : مطيب . وقيل معناه : رفعها لهم ، مأخوذ من عُرْف الدابة . وقيل معناه : عرَّف المكلفين من عباده أنها لهم . ثم قال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } . أي : إن تنصروا دين الله أو أولياء الله أو رسول الله ينصركم على عدوكم ويثبت أقدامكم ، إذا لقيتم عدوكم فلا تفروا منه لكثرة عددهم وقلة عددكم . وقيل معناه : ويثبت أقدامكم في موقف الحساب بأن يجعل الحجة لكم . ثم قال : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ } قال ثعلب : التعس : الشر ، قال : وقيل هو البعد . قال : والنكس : قلب أمره وفساده . قال ابن السكيت : التعس أن يخر على وجهه ، والنكس على رأسه قال : والتعس أيضاً الهلاك . قال الزجاج التعس في اللغة : الانحطاط والعثور . قال ابن زيد : فتعساً لهم : فشقاء لهم . ودخلت الفاء في " فتعساً لهم " لأن " " الذين " فيه إبهام أشبه به الشرط ، فدخلته الفاء في خبر " هم " كما تدخل في جواب الشرط ، وجواب الشرط هو " أن " لخبر الابتداء في أكثر أحكامه . وقوله : { وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } . أي : أبطلها وأتلفها ، والمعنى : أن هؤلاء القوم ممن يجب أن يقال لهم أتعسهم الله ، أي : أخزاهم الله ، وهذا مما يدعى به على العاثر . وقوله : { وَأَضَلَّ } أتى على الخبر حملاً على لفظ { ٱلَّذِينَ } لأنه خبر في اللفظ فدخلت الفاء حملاً على المعنى ، وأتى { وَأَضَلَّ } حملاً على اللفظ ، وهذا يسميه بعض أهل المعاني الإمكان : [ أي ] يمكن هذا فيه ( ويمكن هذا فيه ) . ثم قال : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } أي : كرهوا قبول ما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو القرآن فكفروا به فأحبط الله أعمالهم ؛ أي : أبطلها وأتلفها أي : هذا الذي فعلنا بهم ، لأنهم كرهوا / القرآن وكفروا به . ثم قال : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } . أي : لو لم يسافر هؤلاء المشركون الذين يكرهون القرآن ويكذبون محمداً إلى الشام وإلى غيره من البلدان ، فيمرون على ديار من كان قبلهم من الأمم الماضية المكذبة لأنبيائها فينظروا كيف كان عاقبة فعلهم ، أن الله أهلكهم ودمر عليهم . { وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } أي : ولمن تمادى على كفره منكم أمثال هذه الفعلة التي فعلنا بالأمم الماضية من الهلاك والتدمير ، وهذا وعيد وتهديد من الله جل ذكره لقريش ولمن ركب طريقتهم في الكفر والتكذيب للأنبياء . قال الزجاج : " والهاء في أمثالها " تعود على العاقبة ، وهو قول الطبري ، قال : المعنى : وللكافرين من قريش أمثال عاقبة تكذيب الأمم الذين كانوا من قبلهم . ثم قال : { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي : وليهم وناصرهم وموفقهم . { وَأَنَّ ٱلْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ } أي : لا ولي ينقذهم من الضلال ، وفي قراءة عبد الله بن سعود : ذلك بأن الله ولي الذين آمنوا . قال ابن عباس : المولى الناصر وأكثر المفسرين على أن المولى هنا : الولي ، والمعنى واحد ، وعلى هذا يتناول قول النبي صلى الله عليه وسلم " من كنت مولاه فعلي مولاه " أي : من كنت وليه وناصره فعلي وليه وناصره . وقيل معناه : من كان يتولاني وينصرني فهو يتولى [ علياً ] وينصره . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } . هذا وعد من الله جل ذكره للمؤمنين أنه سيدخلهم بساتين تجري الأنهار من تحت أشجارها ( ثم أخبر بالطائفة الأخرى ) وهم الكفار فقال : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ } أي : في الدنيا . { وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ ٱلأَنْعَامُ } . أي : يأكلون ولا يتفكرون في معاد ، كما أن البهائم تأكل ولا تفكر في معاد ، فهما متساويان في الحال . ثم قال : { وَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } أي : مسكن ومأوى لهم في الآخرة . ثم قال : { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ } . أي : وكم من أهل قرية هم أشد قوة من أهل مكة الذين أخرجوك منها أهلكوا على شدة قوتهم وتمكن بأسهم فلم ينصرهم ناصر من الهلاك ، فما ظنك يا محمد بأهل قريتك على ضعفهم وعدم الناصر لهم كيف تكون حالهم إن تمادوا على كفرهم بالله وتكذيبك . قال ابن عباس : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة إلى الغار ، التفت إلى مكة فقال : أنت أحب بلاد الله إلى الله ، وأنت أحب بلاد الله إلي ، فلو أن المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك " ، ( فأعتى الأعداء من عدا ) على الله في [ حرمه ] أو قتل غير قاتله ، أو قتل بدخول الجاهلية / قال : فأنزل الله : { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ } الآية ( وأجرى الخبر للقرية ) والمراد أهلها . ثم قال : { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَاءَهُمْ } . أي : أفمن كان على برهان وحجة وعلم ويقين من أمور ربه فهو يعبده على بصيرة كمن حسّن له الشيطان قبيح عمله فرآه حسناً ، [ فتمادى ] عليه ، وهي عبادتهم الأوثان التي زين لهم الشيطان عبادتها ، فتمادوا على ذلك . { وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَاءَهُمْ } . أي : ما دعتهم إليه أنفسهم ، وما سوّل لهم الشيطان بغير حجة ولا برهان ولا علم ولا يقين . قال قتادة : أفمن كان على بيّنة من ربه وهو محمد صلى الله عليه وسلم كمن زين له سوء عمله : المشركون . ثم قال : { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } [ أي : صفة الجنة التي وعدها الله ] من أتقى معاصيه وعمل بطاعته . { فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ } أي : غير متغير الريح ولا عكر ، وفيها : { وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ } . أي : لم يحمض لطول مقامه ، ولا راب ولا غيرته الأيدي بالحلب من الضروع ، بل هو كوثر . وفيها : { وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } . لا تحيل عقولهم ، ولا تلحقهم منه كراهة ، ولا صداع ، كما تفعل خمر الدنيا التي تحيل العقول وتكره شاربها ويعبس بعد شرابها ، ويعرض له / منها الصداع والقيء . وفيها : { وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى } . أي : لا غير فيه ولا ندى فيه ، ولا شيء يخالطه ، كما يكون في عسل الدنيا . ثم قال : { وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } . أي : من كل ما اشتهت أنفسهم من الثمرات ، قال كعب : أربعة أنهار من الجنة وضعها الله في الدنيا . فالنيل : نهر العسل في الجنة ، والفرات : نهر الخمر في الجنة ، وسيحان : نهر الماء في الجنة ، وجيحان : نهر اللبن في الجنة . وقال كعب أيضاً : النيل في الآخرة عسل أغور ما يكون من الأنهار التي سماها الله عز وجل ، ودجلة في الآخرة لبن أغزر ما يكون من الأنهار التي سمى الله عز وجل ، والفرات في الآخرة خمر أغزر ما يكون من الأنهار التي سمى الله عز وجل ، وسيحان ماء أغزر ما يكون من الأنهار التي سمى الله عز وجل . ثم قال : { وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ } أي : لهم مغفرة ؛ أي : ستر على ذنوبهم ، وعفو من الله عليها فلا يجازيهم بها ، والتقدير عند سيبويه : وفيها يتلى عليكم مثل الجنة ، وفيها يقص عليكم مثل الجنة . وقال يونس ( و ) النضر بن شميل والفراء : " مثل " بمعنى صفة ومثله وقد تقدم ذكره : { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ } [ إبراهيم : 18 ] وهذه الآية هي تفسير لقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [ الحج : 14 ] من أي شيء هي ، فذكر أنها من ماء ومن لبن ومن عسل ومن خمر . ويروى أن الماء الذي هو غير آسن هو من تسنيم لا تمسه يد [ مجيء ] حتى يدخل في فِيه . ثم قال : { كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ } . أي : ماكث أبدا في جهنم ، أي : هل يستوي من هو في هذه الجنات والأنهار التي تقدم وصفها مع من هو ماكث في نار جهنم . ثم قال : { وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً } أي : وسقي هؤلاء الذين في النار ماء قد أنتهى حره . { فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } . روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله : " { وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ } قال : " يقرب إليه فيتكرهه فإذا أدني منه شوى وجهه ، ووقعت فروة رأسه ، فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره " " .