Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 47, Ayat: 1-4)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } إلى قوله : { فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ } . الذين جحدوا بآيات الله ورسوله وعبدوا غيره ، وصدوا من أراد أن يؤمن برسوله عن الإيمان ، أضلّ أعمالهم ، أي : أتلفها وأبطلها وأحبطها فلا ينتفعون بها في أخراهم . وهي ما كان من صدقاتهم وصلتهم الرحم . ونحوه من أبواب البر أحبطها الله ؛ لأنها كانت على غير استقامة لم يرد بها وجه الله . قال ابن عباس [ هم ] أهل مكة . وقوله : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } . يريد به الأنصار ، فالآيتان عنده مخصوصتان ، وغيره يقول إنهما عامتان . ويجوز أن [ تكونا مخصوصتين ] في وقت النزول ثم هما عامتان بعد ذلك لكل من فعل فعلهما . وأصل الصد : المنع ، يقال : صد في نفسه وصد غيره ، وحكي أصد غيره ، والمصدر في نفسه الصدود ، وصد غيره صداً قال الله جل ذكره { يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً } [ النساء : 61 ] فهذا غير متعد والمعنى : والذين صدقوا محمداً وما جاء به وعملوا بطاعة الله واتبعوا كتابه . { كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } أي : غطاها وسترها ، فلا يؤاخذهم بها في الآخرة ، فشتان ما بين الفريقين قوم أخذوا بسيئاتهم وأبطلت حسناتهم ، وقوم غفرت سيئاتهم وتقبلت حسناتهم . وقوله : { وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } . قال ابن عباس : بالهم : أمرهم . وقال مجاهد : شأنهم . وقال قتادة وابن زيد : حالهم . والبال كالمصدر ، ولا يعرف منه فعل ، ولا تكاد العرب تجمعه إلا في ضرورة شعر فيقولون : بالات . وقال المبرد : قد يكون للبال موضع آخر يكون فيه بمعنى القلب . ( وقال النقاش : وأصلح بالهم : نياتهم ) ، يقال : ما يخطر هذا على بالي ؛ أي : على قلبي ، والمعنى عند الطبري : وأصلح شأنهم وحالهم في الدنيا عند أوليائه في الآخرة بأن أورثهم نعيم الأبد والخلود في جناته ، والآية نزلت في أهل المدينة ، ثم هي عامة فيمن كان مثلهم . ثم قال : { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَاطِلَ } أي : الأمر ذلك ، وقيل المعنى : ذلك الضلال والهدى المتقدم ذكرهما ، من أجل أن الذين كفروا اتبعوا الباطل ، وهو الشيطان وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق الذي جاءهم من عند ربهم ، وهو كتاب الله ورسوله . والتقدير عند الطبري : هذا الذي فعلنا بهذين الفريقين من إضلال أعمال الكفار وإبطالها والتكفير لسيئات الذين آمنوا ، جزاء منا لكل فريق على فعله ، لأن الكفار اتبعوا الشيطان وأطاعوه والمؤمنون اتبعوا كتاب الله وصدقوا رسوله . قال مجاهد : الباطل هنا : الشيطان . ثم قال : { كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ } أي : كما / بيّنت لكم أيها الناس سبب تفريقي بين الفريقين ، كذلك أمثل لكم الآيات وأشبه لكم الأشباه . قال الزجاج : معناه كذلك يبيّن الله للناس أمثال المؤمنين وسيئات الكفار كالبيان الذي ذكر . ومعنى قول القائل : " ضربت له مثلاً : بينت له ضرباً من الأمثال " ، أي : صنفاً منها . ثم قال : { فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ } . أي : فاضربوا رقابهم حتى يؤمنوا . والتقدير : فاضربوا الرّقاب ضرباً ، وهذا المصدر الذي يقوم مقام الفعل يجوز أن ينون وأن يقدم عليه مفعوله ولا صلة له ، وإنما تكون له صلة إذا كان بمعنى " إن فعل " و " إن يفعل " . ثم قال : { حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ } . أي : حتى إذا غلبتموهم وقهرتموهم بالقتل ، وبقيت منهم بقية أسرى في أيديكم لم يلحقهم قتل ، فشدوهم في الوثاق كيلا يهربون . { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً } . أي : فإذا أسرتموهم بعد الإثخان بالقتل ، فإما أن تمنوا عليهم مناً ، فتحرروهم بغير عوض ولا فدية ، وإما أن تفادوهم ، فتأخذوا منهم عوضاً وتطلقوهم . قال الزجاج : " أثخنتموهم : أكثرتم فيهم القتل ، ومنه قول : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ } [ الأنفال : 67 ] . وقال ابن جريج : هذه الآية منسوخة ، لأن أهل الأوثان لا يجوز أن يفادوا ولا يمن عليهم ، والناسخ لها عنده { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] وهي محكمة في أهل الكتاب يجوز أن يمن عليهم وأن يفادوا فكأنه ينحو إلى أنها مخصوصة ، فسمى التخصيص نسخاً ، وهو قول السدي وجماعة من الكوفيين . وقال بعض / العلماء : هي في جميع الكفار ، وهي منسوخة بقوله : { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] قالوا : وإذا أسر المشرك فلا يجوز أن يمن عليه ولا أن يفادى من أهل الكتاب كان أو من أهل الأوثان . قالوا : فإن أسر المسلمون المرأة جاز أن يفادى بها ؛ لأنها لا تقتل ، وكذلك الصبيان ومن تؤخذ منه الجزية فإنه لا يقتل لأنه في عهد . قال قتادة : هي منسوخة نسخها { فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ } [ الأنفال : 57 ] . وقال مجاهد نسختها { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] . وقال الضحاك : الآية ناسخة لقوله : { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] وقال : لا يقتل المشرك إذا أسر ولكن يمن عليه أو يفادى . كما قال جل ذكره ، فالآية أيضاً عنده ناسخة لقوله : { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] . وكان الحسن يكره قتل الأسير ، ويختار أن يمن عليه أو يفادى . وقال ابن جبير : الآية محكمة ، [ ولا يكون فداء ولا أسر إلا بعد الإثخان والقتل بالسيف ، واستدل بآية الأنفال . وقال ابن عباس : الآية محكمة ] جعل الله للنبي والمؤمنين الخيار في الأسارى ، إن شاءوا قتلوا وإن شاءوا استعبدوا ، وإن شاءوا فادوهم ، فالآيتان عنده محكمتان ومعمول بهما ، وهذا القول هو قول أهل المدينة والشافعي وأبو عبيد . فأما قوله : { حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } . فالمعنى والله أعلم : فإذا لقيتم الذين كفروا فاضربوا رقابهم وافعلوا بأسراهم ما بيّنت لكم حتى يتوب المشركون عن شركهم ، فتكون الحرب ألجأتهم إلى الإيمان فتسقط عنهم آثامهم . وقال مجاهد معناه : " افعلوا هذا الذي أمرتم به ( حتى يضع المحارب آلة حربه ) بنزول عيسى فيسلم كل يهودي ونصراني وصاحب ملة ، وتأمن الشاة الذئب ولا تقرض فأرة جراباً وتذهب العداوة من الأشياء كلها ، وذلك عند ظهور الإسلام على الدين كله . وقال قتادة : معناه حتى لا يكون شرك . قال الزجاج معناه : فاقتلوهم واسروهم حتى يؤمنوا ، وما دام الكفر فالجهاد قائم أبداً . وقيل المعنى : فاقتلوهم واسروهم حتى تأمنوا فيضعوا السلاح . والحرب مؤنثة وتصغيرها حريب وكذلك قوس ودود يصغران بغير هاءٍ وهما ثلاثيان مؤنثان سماعاً من العرب . ثم قال : { ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ } . أي : هذا الذي أمرتكم به أيها المؤمنون هو الحق ، ولو يشاء ربكم لانتصر منهم بعقوبة ينزلها بهم ، وذلك عليه هين يسير ، ولكن أراد أن يختبركم ويعلم أهل الطاعة منكم / والمجاهدين في سبيل الله ليجازيهم على طاعتهم ويعذب أعداءه بذنبهم . ثم قال : { وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } هذه الآية نزلت في قتلى أُحد . وقرأ الحسن " قُتِّلُوْا " بالتشديد ، على معنى : قتلوا المشركين قتل بعضهم بعض . وقرأ الجحدري " قَتَلُوْا " بالفتح ، على معنى : قتلوا المشركين في الله وفي سبيل الله . { فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ } أي : لن يجعل الله أعمالهم التي عملوها باطلاً كما أبطل أعمال الكفار . وقال قتادة : " نزلت هذه الآية يوم أُحد والنبي صلى الله عليه وسلم في الشِّعب وقد فشت فيهم الجراحات والقتل وقد نادى المشركون أعلى هُبَل ونادى المسلمون [ الله ] أعلى وأجل ، فنادى المشركون يوم بيوم [ بدر ] أن الحرب سِجَال ، أن لنا العُزى ولا عُزى لكم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قولوا الله مولانا ولا مولى لكم ، إن القتلى مختلفون أما قتلانا فأحياء يرزقون ، وأما قتلاكم ففي النار يعذبون " .