Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 103-103)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ [ وَلاَ سَآئِبَةٍ } الآية . أي : ما حرم الله ذلك . وقيل : المعنى : ما بحر الله بحيرة ] ، ولا وصل وصيلة ولا / سيب سائبة ، ولا حمى حامياً ، ولكن الكافرين اخترقوا ذلك . وقد تعلق قوم من الجهلة القائلين بخلق القرآن بقوله تعالى : { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً } [ الزخرف : 3 ] أنه بمعنى فعلناه ، أي : خلقناه ، وهذه الآية تظهر جهلهم ، وهو قوله : { مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ } ، فإن كان " جعلنا " بمعنى " خلقنا " قد نفى عن نفسه هنا الجعل ، فمن خلقها ؟ ( أَثَمَّ ) خالق غير الله ؟ ويدل على فساد قولهم : قوله تعالى : { وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ } [ القصص : 5 ] ، فإن كان " جعل " بمعنى " خلق " فلم يكن القوم إذاً موجودين . وقد أخبر عنهم أنهم استضعفوا في الأرض ، وقال : { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً } [ البقرة : 124 ] ، فيجب على قولهم أن يكون إبراهيم غير مخلوق في ذلك الوقت وقال : { وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ } [ الأنفال : 37 ] فواجب - على قولهم - أن يكون قد ميز الخبيث من الطيب وهو غير موجود ، وقال : { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ } [ النحل : 57 ] حكاية عن الكفار ، ( وتراهم ) أيها الجهلة القدرية خلقوهم ( هم ) ، إنما سموهم ، ويلزمهم أن يكون القرآن خلق مرتين لقوله : { ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلْقُرْآنَ عِضِينَ } [ الحجر : 91 ] ، وقوله : { جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } [ الزخرف : 3 ] ، وهذا أكثر من أن يحصى . والجعل يكون بمعنى التعبير والوصف والتسمية ، وقد يكون بمعنى الخلق بدلالةٍ تدل عليه ، نحو قوله : { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } [ الأعراف : 189 ] أي : وخلق ، لكن إذا كانت " جعل " بمعنى " خلق " لم تتعد إلا على مفعول واحد . ( و ) روى زيد بن أسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " قد عرفت أول من بحر البحيرة ، ( و ) هو رجل من بني مُدْلج ، كانت له ناقتان ، فجدَع آذانهما ، وحرم ألبانهما ( وظهورهما وقال : هاتان لله : ثم احتاج إليهما فشرب ألبانهما ) وركب ظهورهما ، قال : فلقد رَأيتُه في النار ، يُؤذي أهل النار ( ريحُ قُصبِه ) " . والبحيرة : " فَعِيلة " بمعنى " مفعولة " ، وهي الناقة المشقوقة الأذن ، يقال : بحرت أذن الناقة . والسائبة : " فاعلة " بمعنى " مَفعِلة " ، كما قيل : راضية بمعنى مَرْضِية ، وهي المُخَلاَّة من المواشي ، كانت الجاهلية تفعله ببعض المواشي ، فيُحرِّم الانتفاع به على نفسه . وأما الوصيلة : فإن الأنثى من نعمهم كانت - في الجاهلية - إذا أتت بذكر وأنثى ، قيل : " قد وصلت أخاها " ، أي : منعته من الذبح ، فسموها وصيلة . وأما الحامي : فهو الفحل من النعم يحمى ظهره من الركوب والانتفاع بسبب تتابع أولاد [ تَحدُث ] في فِحْلَتِه . وقال قتادة : كانت الناقة إذا نتجت خمسة أبطن ، نظر إلى البطن الخامس ، فإن كان ذكراً أكله الرجال دون النساء ، وإن كان ميتة اشترك فيه الرجال والنساء ، وإن كانت أنثى بحروا أذنها - أي : شقوها - وتركت ، فلا يشرب لها لبن ولا [ تركب ] ، وكانوا يسيّبون ما شاءوا من أموالهم ، فلا يُمنع من ماء ولا كلأ ، ولا ينتفع به . وكانت الشاة إذا نتجت سبعة أبطن ، نظروا إلى البطن السابع ، فإن كان ذكراً ذبح ، فكان للرجال دون النساء ، وإن كانت ميتة أكله الرجال والنساء ، وإن كانت أنثى تركت ، وإن ( كانت ذكراً ) وأنثى ، قيل : وصلت أخاها فمنعته من الذبح . وكان الحامي هو الفحل إذا ركب من ولده عشرة ، / قيل : حمى ظهره ، فلا يركب ولا ينتفع به ويطلق . ويقال : إن الناقة كانت إذا ( تتابعت باثنتي عَشْرَةَ أنثى ) ليس فيهن ذكر ، سيبت فلم يركب ظهرها ، ولم يجزّ وبرها ولم يشرب لبنها ، فما نتجت - بعد ذلك - من أنثى شقَّ أذنها وخلاّها مع أمها في الإبل ، فلم يركب ظهرها ، كما ( فعل ) بأمها ، فهي البحيرة ابنة السائبة . والوصيلة : هي الشاة إذا نتجت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس فيهن ذكر ، جعلت وصيلة ، وقالوا : وصلت ، فما ولدت بعد ذلك للذكور منهم دون إناثهم ، إلا أن يموت منها شيء ، فيشتركون في أكله : الذكور والإناث منهم . والحامي : هو الفحل إذا نتج ( له ) عشر إناث متتابعات ، ليس بينهن ذكر ، حمى ظهره فلم يركب ولم يجز وبره ويخلى في إبله يضرب فيها ولا ينتفع به لغير ذلك . فنفى الله جل ذكره عن نفسه أن يكون سمى شيئاً من ذلك أو صيّره كذلك ، فقال : { وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } أي : يخترقونه . و { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } : هم اليهود ، والذين { لاَ يَعْقِلُونَ } : أهل الأوثان . وقيل : المراد بذلك أهل الجاهلية الذين سنّوا ذلك ، فهم الكفار ، والذين لا يعقلون : أتباعهم ، أي : لا يعقلون أنه إنما سن لهم ذلك مَن تقدمهم من غير أمر ( من ) الله فيه ، وأنه باطل كذب ، وذِكْرُ أهل الكتاب - في هذا - لا معنى له ، إذ ليس لهم في هذا صنع ولا سنة ، وإنما ذكر ذلك عن مشركي العرب ، فهم الذين عنوا بذلك . وقيل : إنهم لا يعقلون ( أن ) الشيطان حرمه عليهم وسنَّه لهم . وروى مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله قال : " قَد عَرَفْتُ أََوَّلَ مَن سَيَّب السُّيَّب ، ونصَّب النُّصُب وغَيَّرَ عَهْدَ إِبراهيمَ : عمرو بنُ لُحَيّ ، لقد رأيتُه وإِنَّه لَيَجُرَّ قُصَبه في النار يؤذي أهلَ النار بريحه " القُصْبُ : الأمعاء . روى مالك أيضاً عن زيد بن أسلم عن عطاء أن النبي قال : " قد عرفت أول من بحر البحائر : رجل من بني مدلج ، كانت له ناقتان ، فجدع [ آذانهما ] ، وحرَّم ألبانهما وظهورهما ، ثم احتاج فركبهما وشرب ألبانهما ، فلقد رأيتُهما وإيّاه في النار ، وإنهما لتخبطانه بأخفافهما ، وتعضانه بأفواههما " وفي ذلك اختلاف كثير والمعنى متقارب .