Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 2-2)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ } الآية . قوله : { شَنَآنُ قَوْمٍ } مصدر أصله الفتح ، و [ لكن ] من أسكن جعله اسماً . وقد توهم أبو عبيدة وأبو حاتم أن من أسكنه جعله مصدراً ، فأنكراه على ذلك ، وليس هو عند من أسكن مصدراً ، بل هو اسم " ككسلان " و " غضبان " . وقرأ يحيى بن وثاب { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ } بالضم . وهي عند الكسائي لغتان : " أَجرَم " و " جَرَم " ، ولا يعرف البصريون " أجرم " إلا في الجنابة . ومن قرأ { أَن صَدُّوكُمْ } بالكسر ، فالمعنى : " ولا يجرمنكم شنآن قوم أن تعتدوا إن صدّوكم " ، فالصد لم يكن بعد . وفي حرف ابن مسعود شاهد للكسر ، لأنه قرأ ( إِن يَصُدّوكُم ) ، ومثله : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ } [ محمد : 22 ] . ومن قرأ بالفتح ، احتج أن الصد قد كان ، وذلك أن الآية نزلت عام الفتح ، سنة ثمان ، وكان المشركون صدوا المؤمنين عام الحديبية سنة ست / ، فالصدّ كان قبل الآية . وقيل : " إِنْ " بمعنى " إذْ " ، فهو صَدٌّ قد كان ، فالكسر أولى به ، ويدل على الكسر قوله : { لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ [ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ ] وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ } ولا كذا ولا كذا ، فهو أمر للمؤمنين ألا يعتدوا إنْ وقع صَدّ لهم ، ولو كان الفتح الصواب لكان نَهْياً للمشركين ولم يقل { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ، وقد جعل النحاس هذه الحجة حجة للفتح ، وهو خطأ ، إنما تكون حجة للكسر . ومعنى الآية : أن الله نهى المؤمنين أن يحلوا شعائره ، وهي معالمه وحدوده التي جعلها علماً لطاعته في الحج . وقال عطاء : شعائر الله حرماته ، حضهم على اجتناب سخطه واتباع طاعته . وقال السدِّي : شعائر الله حرَم الله . وقال ابن عباس : " شعائر الله مناسك الحج " . وعن ابن عباس أيضاً : { لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ } نهاهم أن يرتكبوا ما نهى عنه المحرمَ أن يصيبه . وواحد الشعائر : شعيرة ، وقيل : هي " فعيلة " بمعنى : " مُفعَلَة " . قال أبو عبيدة : الشعائر الهدايا . قال الأصمعي : أشعرتها : أعلمتها . ابن قتيبة : الإشعار أن [ يُجَلَّلَ ] ويُقلَّد ويُطعَن في سنامه ليُعلَم بذلك أنه هدي ، فنهى الله أن يستحلوه قبل أن يبلغ مَحِلَّه . وقيل : الشعائر العلامات بين الحِلِّ والحَرم ، فنُهوا أن يجاوزوها غير مُحرِمين ، وهو مشتق من قولهم " شَعر فُلانٌ بالأمرِ " إذا علم به . قال زيد [ بن ] أسلم : الشعائر ست : الصفا والمروة ، والبدن ، والجمار ، والمشعر الحرام ، وعرفة ، والركن . قال : والحرمات خمس : الكعبة الحرام ، والبلد [ الحرام ] ، والشهر الحرام ، والمسجد الحرام ، والمُحرِم حتى يَحِلَّ . وقال الكلبي : كان عامة العرب لا يَعُدُّون الصفا والمروة من الشعائر ، ولا يقفون في حجهم ( عليهما ، وكانت الحُمْسُ لا يرون عرفات من الشعائر ولا يقفون بها في حجهم ) ، فنهاهم الله عن ذلك بهذه الآية وغيرها . وقوله : { وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ } أي : لا تستحلوه بأن تقاتلوا فيه [ أعداؤكم ] ، وهو مثل قوله : { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } [ البقرة : 217 ] . وعنى بالشهر الحرام رَجَب مُضَر ، كانت مضر تحرّم فيه القتال . وقيل : عنى به ذا القعدة . وقيل : إنهم كانوا يُحرّمونه مرة ويُحلّونه مرة ، فنهوا عن تحليله . وقوله { وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ } : أما الهدي فهو ما أهداه المؤمن من بعير " أو بقرة " أو شاة إلى بيت الله ، حرّم الله سبحانه أن يُغْصَب أهله عليه أو يمنعوا أن يبلغوه محلّه . وقوله { ٱلْقَلاۤئِدَ } أي : لا تحلوا الهدايا المقلدات ولا غير المقلدات ، فقوله { ٱلْهُدَىٰ } هو ما لم يقلد ، وقوله { ٱلْقَلاۤئِدَ } هو ما قلد منها . وقيل : القلائد هو ما كان المشركون يتقلدون به - إذا أرادوا الحج مُقبلين إلى مكة - من لحاء السَّمِرُ فإذا انصرف تقلد من الشَّعَر ، فلا يعرض له أحد . وقيل : إنه كان يأخذ معه من شوك الحرم فلا يعرض له أحد . قال قتادة : كان الرجل - في الجاهلية - إذا خرج من بيته يريد الحج ، تقلد من السَّمُر فلم يعرض له أحد ، وإذا رجع تقلد قلادة من شعر فلا يعرض له أحد . وقال عطاء وغيره : كان الرجل إذا خرج من الحرم تقلد من لحاء شجر الحرم فيأمن ، فأمر الله المؤمنين ألا [ يحِلُّوا ] من تقلد بذلك . وهو منسوخ ، وكذلك / قال السدي وابن زيد . وقيل : إنما نهى الله أن يُنزع شجر الحرم فيُتَقلّد به على ما كانت الجاهلية تصنع . فالتقدير على هذه الأقوال : ولا أصحاب القلائد . وقيل : كان الرجل إذا خرج من أهله حاجاً أو معتمراً - وليس معه هدي جعل في عنقه قلادة من شعر أو وبر فَأمِن بها إلى مكة ، وإذا خرج من مكة علق في عنقه من لحاء شجر مكة فيأمن بها إلى أهله . وقال الفراء : كانت عامة العرب لا يرون الصفا والمروة من الشعائر ولا يطوفون بينهما : فأنزل الله { لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ } أي : لا تستحلوا ترك ذلك ، { وَلاَ ٱلْهَدْيَ } أي : لا تعرضوا لهدي المشركين ، { وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ } أي : لا تستحلوا من قلد بعيره ، وكان أهل مكة يُقَلِّدون بلحاء الشجر ، وسائر العرب يقلدون بالوبر ، وقوله { وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ } أي : لا تستحلوا منع القاصدين للبيت الحرام . وقرأ الأعمش ( ولا آمِّي البَيْتِ ) بالإضافة . وقيل : المعنى : ولا تستحلوا منع قصد القاصدين البيت . و " هذه الآية [ نزلت ] في رجل من ربيعةَ يقال له الْحُطَم " بن هند - كافرٍ ، أتى حاجاً ، قد قلد هديه ، فأراد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إليه فنزلت الآية ، فنهاهم الله ( عن ) ذلك . قال ابن جريج : " قدم الحُُطَمُ البكري على النبي عليه السلام فقال : إني داعِيةُ قومي وسَيِّدُ قومي ، فأْعْرِض عَلَيَّ ما تقول ، فقال له النبي : أدعوك إلى الله أن تعبده : لا تشرك به ( شيئاً ) وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت . قال الحطم : في أمرك غِلظة ، أَرجعُ إلى قومي فأذكر لهم ما ذكرتَ ، فإن قبلوا أقبلتُ معهم ، وإن أدبروا كنت معهم . قال له النبي : ارْجِعْ . فلما خرج قال : لقد دخل عليَّ بِوجهٍ كافرٍ وخرج عنّي بقفاً غادِرٍ ، وما الرجل بمسلم . فَمَرّ على سَرْح لأهل المدينة ، فانطلق به وقَدِم اليمامة وحضر الحج ، فتجهز [ خارجاً ] - وكان عظيم التجارة - فاستأذن أصحابُ النبي أن يتلقّوه ويأخذوا ما معه " ، فأنزل الله عز وجل { لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ } الآية . والحُطَم هذا هو القائل : @ قَدْ لَفَّهَا اللَّيْلُ بِسَوَّاقٍ حُطم ليس براعي إبلٍ ولا غَنَم ولا بِجَزَّارٍ على ظَهْرِ وَضَمٍ باتوا نِياماً وابنُ ( هندٍ لَمْ ) ينَمْ ( بَاتَ يُقاسيها ) غُلامٌ كالزَّلَم خَدَلَّجَ ( السَّاقَيْن ) مَمْسوحَ الْقَدَم @@ وقيل : اسم الحُطم [ ضُبَيْعَة ] بن شرحبيل البكري ، قال ذلك إذ ساق السرح وهرب به . وقال ابن زيد : جاء ناس يوم الفتح يَؤُمّون البيت بعمرة وهم مشركون ، فقال المسلمون : نُغِيرُ عليهم ، فنزل { وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ } . قال الشعبي : هذه الخمسة الأحكام منسوخة ، كأنه يريد [ أنها ] نسختها { [ فَٱقْتُلُواْ ] ٱلْمُشْرِكِينَ } [ التوبة : 5 ] ، قال الشعبي : ولم ينسخ من سورة المائدة غير هذه . وكذلك قال ابن عباس وقتادة في { وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ } : أمر ألا يمنع مشرك من الحج ، ثم نسخ ذلك بالقتل . وقال ابن زيد : هذا كله منسوخ بالأمر بقتالهم كافة . ( و ) قال قتادة : نسخ من المائدة { وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ } ، نسخه آية القتل في " براءة " . ومن قال : نزلت كلها في شأن الحطم ، قال : هي منسوخة . ومن قال : الشعائر حدود الله ومعالمه ، قال : هي محكمة . وأما ( الشهر الحرام ) فهو منسوخ أيضاً ، لأن الجميع قد أجمعوا على أن الله تعالى قد أحل قتال أهل الشرك في الأشهر الحرم وغيرها . ( و ) قوله / { وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ } منسوخ ، لأن المشرك لو تقلد بجميع شجر الحرم لم نؤمّنه الآن : إجماع من الأمة ، فهو منسوخ . وقد قيل : إن المائدة لم ينسخ منها شيء ، لأنها آخر ما نزل فيما ذكرت عائشة رضي الله عنها . وقد قال البراء : آخر سورة نزلت " براءة " وآخر آية نزلت { يَسْتَفْتُونَكَ } آخر النساء . وقوله : { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً } قال قتادة : هي للمشركين يلتمسون فضل الله ورضوانه عند أنفسهم وفيما يُصلح شأنهم في الدنيا خاصة . قال ابن عباس : يترضون الله بحجِّهم عند أنفسهم ، وقال مجاهد : يبتغون الأجر والتجارة . وقيل : هي للمسلمين ، فهي محكمة ، لأن المشرك لا يبتغي رضوان الله وفضله بحجه . وكونها في المشركين أبين في أقوال المفسرين وأكثر . قوله { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ } هذا إباحة ( وليس بحَتْمٍ ) . قال عطاء بن ( أبي رباح ) : [ أربع رخصة وليس بعزيمة ] : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ } ، { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ البقرة : 184 ] . { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا } [ الحج : 36 ] ، { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } [ الجمعة : 10 ] . قوله { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ } المعنى : لا يحملنّكم بغض قوم أن تعتدوا من أجل أن صدوكم عن المسجد الحرام ، هذا على قراءة الفتح ، ومن كسر فمعناه : إن فعلوا ذلك بكم فيما تستقبلون . والقوم - هنا - أهل مكة صدوا النبي عليه السلام ومن معه عن المسجد الحرام يوم الحديبية . وقيل : معنى { " وَ " لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ } لا يكسبنكم . وقوله { أَن تَعْتَدُواْ } قيل : إنها نزلت في النهي عن الطلب بِنُحول الجاهلية أمروا ألا يطالبوا بما ( مضى من أجل أنهم صُدُّوا عن البيت ، فيحملهم البغض [ أن ] يطالبوا بما ) تَقدَّم في الجاهلية من قتل أو غيره . ثم أُمروا أن يتعاونوا على البر والتقوى ، والبِرُّ : ما أُمِرْتَ به ، والتقوى : ما نُهيتَ عنه : قاله ابن عباس . وقال سهل بن عبد الله : " البر : الإيمان ، والتقوى : السنة " . { وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ } { ٱلإِثْمِ } : الكفر ، { وَٱلْعُدْوَانِ } : البدعة . { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي : خافوه إنه شديد العقاب .