Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 41-41)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ } الآية . هذه الآية نزلت في أبي لبابة قال : " لبني قريظة - حين حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم - : إنما هو الذبح فلا تنزِلوا على حكم سعد " . وقيل : ( إنّه ) إنما أشار إليهم بيده إلى حلقه يريد أنه الذبح إن نزَلتم على حكم سعد . وقيل : " إنها " نزلت في عبد الله بن صوريا ارتد بعد إسلامه ، وأُمِر النبي ألاّ يَحزن عليه : وقال أبو هريرة : إن أحبار اليهود اجتمعوا في أمر رجل ( زنى بامرأة ) وهما محصنان ، فقالوا : امضوا بنا إلى محمد فَسَلوه كيف الحكم فيهما : فإنْ حَكَم بعملكم من التحميم - وهو الجَلد بحبل من ليف مطلي بِقارٍ - ثم يُسَوَّد وجهه ثم يُحمل على حمار ويُحوَّل وجهه ما يلي دُبُر الحمار ، وكذلك يُفعل بالمرأة ، فاتَّبِعوه وصدِّقوه ، فإنه ملك ، وإن ( هو ) حكَم بالرجم فاحْذَروه على ما في أيديكم . فأتوا النبي ، فمشى النبي عليه السلام حتى أتى أحبارهم ( فقال لهم ) : أَخرِجوا إليَّ أعلمَكم ، فأخرَجوا ابنَ صوريا الأعور - وكان أحدثَهم سنّاً - فخلا به النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا ابن صوريا أُذكِّرك أيادِيَ الله عند بني إسرائيل ، هل تعلم أن الله حكم فيمن زنى بعد إحصانه في التوراة بالرجم ؟ ، فقال : اللّهم نعم ، أما واللهِ يا أبا القاسم إنهم ليعلمون أنك نبي مرسل ، ولكنهم يحسدونك ! فخرج ( رسول الله ) فأمر بهما في جماعة - عند باب مسجده - فرُجما ، ثم كفر بعد ذلك ابن صوريا ، فأنزل الله : { يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ } الآية . وقال البراء : مُرَّ ( على ) النبي بيهودي مُحمَّمٍ مجلودٍ ، فدعا النبي رجلاً من علمائهم فقال : [ هكذا ] تجدون حد الزاني فيكم ؟ قال : نعم ، قال : فأُنشِدك بالذي أنزل التوراة على موسى ، هكذا تجدون حد الزاني ؟ قال : لا ، ولولا أنك نشدتني ما حَدّثتك ، ولكن كثر الزنى في أشرافنا ، فكنّا إذا أخذنا الشريف تركناه ، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد ، فقلنا : تعالوا نجتمع فنضع شيئاً مكان الرجم فيكون على الشريف والوضيع ، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اللهم ) أنا أول من أحيا أمرك إذ أماتوه ! ، فأمر به فرجم ، فأنزل الله { لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ } الآية . وذكر ابن حبيب أن اليهود أنكرت أن يكون الرجم في التوراة فرضاً عليهم ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : مَن أعلَمُكم يا معشر يهود ؟ قالوا : ابن صوريا - وهو غلام منهم أمرد أبيض أعور - فدعاه ( رسول الله ) ، [ فقال " له " ] : أنت أعلم يهود ؟ ، قال : كذلك يزعمون ، قال له رسول الله : فماذا تجدون ( في الرجم ) في كتاب الله الذي أنزله على موسى ؟ قال : يا محمد إنهم يفضحون الشريف ويرجمون الدني ، وجعل [ يَرُوغ ] عما في كتابهم ، فنزل جبريل عليه السلام على ( رسول الله ) صلى الله عليه وسلم فقال له : اِسْتَحْلِفْه بما آمرك به ، فإن حلف وكذب ، احترق بين يديك وأنت تنظر ، فقال له رسول الله - وهو الذي أمره به جبريل - : أُنشِدك الله الذي لا إله إلا هو القوي ، إلَه بني إسرائيل الذي [ أخرجكم ] من مصر وفرق لكم البحر - وأحلفه بأشياء كثيرة - هل تجد في التوراة آية الرجم ( على ) المحصن ؟ ، قال : نعم ، والله يا محمد لو قلتُ غير هذا لاحترقتُ بين يديك وأنت تنظر . وقال ابن جريج ومجاهد : " هم " { سَمَّاعُونَ / لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ - آخَرِينَ } - هم اليهود - . والمعنى : لا يحزنك تسرع ( من تسرع منهم إلى الكفر ، لأنهم آمنوا بألسنتهم ولم ( يؤمنوا بقلوبهم ) . { وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ } أي : ولا يحزنك تسرع ) الذين هادوا إلى جحود نبوتك ، ثم وصفهم فقال : { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ } أي : هم سماعون للكذب ، وهو قَبولهم ما قال لهم أحبارُهم من الكذب : أن حكم الزاني المحصن - في التوراة - التحميم - والجلد ، وهو صفة لليهود خاصة ، ثم أخبر أنهم سماعون لقوم آخرين لم يأتوا النبي ، وهم أهل الزاني والزانية ، بعثوا إلى النبي يسألونه عن الحكم ولم يأتوا النبي . وقيل : إن السماعين يهود فَدَكٍ ، و " القوم الآخرين " - الذين لم يأتوا النبي - يهود المدينة . وقيل : المعنى سماعون من أجل الكذب ، أي : يستمعون منك يا محمد ليكذبوا عليك . { سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ } أي : يستمعون منك ليُبَلغوا ما سمعوا قوماً آخرين ، فهُمْ عليك عُيون لأولئك الغيب . { يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ } : أي يغيرون حكم الله الذي أنزله في التوراة في حكم المحصنين من الزناة ، ومعنى : { يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ } أي : حكم الكلم ، { مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ } أي : من بعد وَضعِ الله ذلك مواضِعَه ، فأحلّ حلاله وحرّم حرامه ، مثل { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ } [ البقرة : 177 ] . { يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ } أي : ( إن حكم ) بهذا الحكم المحرف ( فاقبلوه ، يقول ذلك أحبار اليهود لهم في أمر الزانيين ، [ يقولون ] : إن حكم محمد بينكم بهذا الحكم المحرف ) - وهو التحميم والجلد - فخذوه ، { وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ } أي : وإن لم يحكم بينكم به فاحذروه ولا تؤمنوا به . وقال السدي : يهود فدك يقولون ليهود المدينة : إن أوتيتم هذا فخذوه - وهو الجلد - وإن لم تؤتوه فاحذروا - وهو الرجم - . وروي عن عبد الله بن عمر أنه قال : لما حكَّموا النبي صلى الله عليه وسلم في اللَّذَيْن زنيا ، دعا رسول الله بالتوراة وجلس حبر منهم يتلوها - وقد وضع يده على آية الرجم - فضرب عبد الله بن سلام يد الحبر ثم قال : هذه - يا نبي الله - آية الرجم يأبى أن يتلوها عليك ، فقال لهم النبي عليه السلام : يا معشر يهود ، ما دعاكم إلى ترك حكم الله وهو بأيديكم ؟ فقالوا : أما إنه قد كان فيما نعمل به حتى زنى منا رجل بعد إحصانه من بيوت الملوك وأهل الشرف ، فمنعه الملك من الرجم ، ثم زنى رجل بعده فقالوا : لا والله لا نرجمه حتى يرجم فلان ، ( فلما فعلوا ذلك ، اجتمعوا فأصلحوا أمرهم على التحميم وأماتوا ذكر الرجم ) ، فقال النبي : فأنا أول من أحيا أمر الله ، ثم أمر بهما ورجما عند باب المسجد ، قال ابن عمر : فكنت ممن رجمهما . وقال قتادة : الآية نزلت في قتيل من بني قريظة ، قتله بنو النضير ، وكانت بنو النضير إذا قتلت قتيلاً وَدَت الدية - لا غير - لفضلهم ، وإذا قُتل لهم قتيل لم يرضوا إلا بالقَود تَعزُّراً ، فأرادت النضير أن ترفع أمر القتيل - الذي قتلوه - إلى النبي ، فقال لهم رجل من المنافقين : إن قتيلكم هذا قتيلُ عمد ، متى رفعتموه إلى محمد خَشِيتُ عليكم القَوَد ، فإن قُبلت منكم الدّية فأعطوها ، وإلا فكونوا منه على حذر . وقوله : { وَمَن يُرِدِ / ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } : هو تسلية للنبي عليه السلام ألا يحزن على مسارعة من سارع إلى الكفر من المنافقين واليهود ، وفتنته : ضلالته . { فَلَن تَمْلِكَ ( لَه ( ُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } : لا اهتداء له أبداً . { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ } أي : بالإسلام " في الدنيا " . { لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ } أي : ذل وصغار وأداء الجزية عن يد ، { لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } . وزعمت المعتزلة والقدرية أن الله لم يرد كفر أحد من خلقه ، وأراد أن يكون جميع الخلق مؤمنين ، فكان ما لم يرد ولم يكن ما أراد - تعالى عن ذلك - ، وقد قال ( الله ) : { لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ } وقال : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } [ الأنعام : 35 ] وقال : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } [ البقرة : 253 ] ، وقال : { وَلَوْ شَآءَ [ رَبُّكَ ] مَا فَعَلُوهُ } [ الأنعام : 112 ] وقال : { وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي [ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ ] } [ السجدة : 13 ] . وقال : { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [ الإنسان : 30 ] ، وقال : { وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } ، وقال : { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ [ مَن ] فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً } [ يونس : 99 ] ، وقال : { أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً } [ الرعد : 31 ] ، وقال : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلـٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ النحل : 93 ] ، وفي كتاب الله من هذا ما لا يحصى ، يخبر تعالى في جميعه أنه أراد جميع ما كان وما يكون ، وأن جميع الحوادث كانت عن إرادته ومشيئته ، وأنه لو شاء لأحدثها على خلاف ما حدثت فيجعل الناس كلَّهم مؤمنين . فعَندت المعتزلة عليها لعنة الله عن ذلك وخالفته ، وقالت : حدث كفر الكافر على غير إرادة من الله ، وعلى إرادة من الشيطان ، وقد أجمع المسلمون على قولهم : ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن . وقالت المعتزلة : يكون ما لا يشاء الله ، وهو كفر الكافر ، معاندةً لإجماع الأمة ، وقد حصلت المعتزلة في قولها على أنه ليس لله - تعالى ذكره - على إبليس مزيَةٌ ، لأن إبليس شاء [ ألا ] يؤمن أحد فآمن المؤمنون ، فكان خلاف ما شاء ، وشاء الله - عندهم - ألا يكفر أحد فكفر الكافرون ، فكان خلاف ما شاء ، فلا فرق بينهما على قولهم الملاعين ، تعالى ربنا عما قالت المعتزلة علواً كبيراً ، بل كان عن مشيئته ، كان يفعل ( ما ) يشاء : يوفق من يشاء فيؤمن ، ويخذل من يشاء فيكفر ، لا معقب لحكمه ولا رادّ لمشيئته ، وخلق من شاء للسعادة فوفقه لعملها ، وخلق من شاء للشقاء وخذله عن العمل بغير عمل أهل الشقاء ، " كل مُيَسَّر لِما خُلِقَ لَهُ " ، هذا هو الصراط المستقيم ، أعاذنا الله من الزيغ عن الحق .