Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 4-4)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ } الآية . المعنى : أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم ما الذي أحل الله لهم ، فقال الله له { [ قُلْ ] أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ } وهو الحلال الذي أذن فيه من الذبائح ، وأعلمهم أنه أحل لهم ( مع ذلك ) أكل صيد ما علموا من الجوارح ، وهي سباع البهائم والطير ، سميت " جوارح " ( لكسبها لأربابها ) أقواتهم ، فالجوارح : الكواسب ، ( و ) واحدها : جارحة يقال : جرح فلان أهله خيراً " ، إذا أكسبهم خيراً ، و " فلان جارحة أهله " أي : كاسبهم ، و " لا جارح لفلان " أي : ليس له كاسب ، و " فلان يجترح " أي : يكتسب ، ومنه قوله تعالى : / { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ } [ الجاثية : 21 ] أي : اكتسبوها ، ومنه قوله تعالى { وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ } [ الأنعام : 60 ] أي : ما اكْتَسَبْتُمْ . وفي الكلام حذف ، والتقدير : قل أحل لكم الطيبات وصيد ما علمتم من الجوارح . وكان النبي قد أمر بقتل الكلاب ، فسألوا عما يحل اتخاذه منها وصيده ، فنزل { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ } فعلم أنه مباح اكتساب كلاب الصيد سلوقية أو غير سلوقية . ومعنى { مُكَلِّبِينَ } : أصحاب كلاب ، قال مجاهد : الفهد من الجوارح ، وكلهم على أن الصقر والبازي من الجوارح ، وكذلك العقاب . والجوارح هي المعلَّمة من هذه الأنواع ، إذا دعيت أجابت وإذا زجرت أطاعت ، فكل من أرسل منها شيئاً فسمى الله عز وجل فأصابت صيداً أكل ، وإن قتلته فهو حلال ، غير أن الضحاك قال : الجوارح : الكلاب المعلّمة دون غيرها لقوله { مُكَلِّبِينَ } ، وقد " روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صيد البازي ، فقال : " ما أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُل " " . وما صاد غير المعلَّم لا يؤكل إلا أن تدرك ذكاته وهو حي صحيح ، لم يحدث فيه ما إن ترك لم يعش . وإذا أكل الكلب المعلم من الصيد ، أكل باقيه عند مالك . ومعنى { مُكَلِّبِينَ } أصحاب كلاب ، ويقال : أكلب الرجل ، إذا كثرت عنده الكلاب ، فهو مُكْلِب . وقد قرأ ابن مسعود ( مُكْلِبين ) بإسكان الكاف ، يريد كثرة كلابهم ، وقيل معنى { مُكَلِّبِينَ } معلّمين محرّشين . وقوله { تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ } أي : تؤدبوهنّ من التأديب الذي أدبكم الله به والعلم الذي علمكم ، وهو الطاعة إذا زُجر والأخذ إذا أُمر . قال ابن عباس : التعليم : أن يمسك الصيد فلا يأكل حتى يأتيه صاحبه فيدرك ذكاته ، فإن أكل من صيده قبل أن يأتيه فلا يؤكل ، وهو قول سعيد بن جبير والنخعي والشعبي وقتادة وعطاء وعكرمة والشافعي ، وروي عن أبي هريرة . وقال ابن عمر : يؤكل وإن أكل وبه قال ( مالك وجماعة معه ) . ومن أرسل كلباً غير معلم فأخذ ، فلا يؤكل ما أخذ إلا أن يُدْرِكَ ذكاته فإن أرسل معلماً فأخذ ولحقه قبل أن يموت - فاشتغل عن تذكيته حتى مات - فلا يؤكل ، لأنه أدركه حيّاً وفرَّط في تذكيته ، فإن ( كان ) أدركه ( حيّاً ) وقد أنفذ الكلب - أو البازي - مقاتله فلم يذكه حتى مات ، أكل ، لأن الذكاة ليست بشيء إذ هو ميت لا محالة لو ترك . فإن أرسل المُعَلَّم فوجد معه كلباً آخر - معلَّما أو غير معلَّم - فلا يؤكل ، لأنه لا يدري لعل الآخر قتله وهو لم يرسله ولا سمى الله عليه ، كذلك قال مالك والشافعي وغيرهما ، وقال الأوزاعي : إن كان الثاني معلَّما أكل ، وإن كان غير معلّم لم يؤكل ، وكذلك قياس البازي . فإن أرسله على صيد فأخذ غيره ، فإن مالكاً يكره أكله ، فإن أرسله في جماعة : فأيها أخذ أكل . ولا بأس عند مالك بلعاب الكلب الصائد يصيب ثوب الإنسان ، وقال الشافعي : هو نجس . فإن انفلت المعلّم من يد صاحبه - ولم يرسله - فأخذ ، فلا يؤكل ما أخذ عند مالك والشافعي ، وقال عطاء والأوزاعي : يؤكل . ولا يؤكل صيد أهل الكتاب عند مالك ، لأن الله تبارك اسْمُهُ قال { تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ } [ المائدة : 94 ] وتؤكل ذبائحهم . وأجاز الشافعي وعطاء وغيرهما أكل ما صاد كلب الكتابي المعلم . وأما صيد المجوسي فأكثرهم منعه ولم يجز أكله ، فأما صيد الكتابي والمجوسي للحيتان والجراد فهو / حلال أكله عند أكثر العلماء ، وكره مالك صيد المجوسي الجراد ، ولم يكره الحيتان ، فرق بين صيد البر والبحر ، وكذلك قال النخعي . وكل ما أصاب المِعْراض يؤكل إذا كان بغير عَرْضه عند مالك والشافعي . فأما صيد البندقة فكرهه مالك والشافعي وغيرهما . ولم ير مالك رضي الله عنه بأساً بأكل الصيد يغيب عن عين صاحب الكلب إذا وجد فيه أثراً من كلبه ، وكذلك السهم ما لم يبت عنه . ولم يجز ابن القاسم أكل الصيد إذا بات عن المرسل . وقال ابن الماجشون : إذا أنفذ سهمك - أو كلبك - مقتل الصيد فكله . وإن بات عنك ، وإذا لم ينفذ مقتله فلا تأكل إذا بات عنك ، لعل غير كلبك قتله ، وقاله أشهب وأصبغ . وقوله { [ مِمَّآ ] أَمْسَكْنَ } من : للتبعيض . وقيل : هي زائدة . ومعنى التبعيض أنه يؤكل ، لحمه حلال ، ويترك دمه [ وفَرْثه ] ، لأن الدم حرام . وقوله : { وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ " عَلَيْهِ " } أي : حين الإرسال . وقيل : حين الأكل . ومن نسي فلا شيء عليه ، فإن تركها عامداً لم [ يؤكل ] ما أخذ ، كما لا يؤكل ما ذبح إذا ترك التسمية عامداً . قوله : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي : اتقوه فيما أمركم به ، وأن لا تأكلوا صيد غير معلم ، { إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } أي : لمن حاسبه ، حافظ لجميع ما تعملون .