Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 6-6)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ } الآية . قوله { وَأَرْجُلَكُمْ } : من خفض . ( فهو ) عند الأخفش وأبي عبيدة على الجوار ، والمعنى للغسل ، شبه الأخفش بقولهم " هذا جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ " ، وهذا قول مردود ، لأن الجوار لا يقاس عليه ، إنما يسمع ما جاء منه ولا يقاس عليه . وأيضاً فإن الأرجل معها حرف العطف ، ولا يكون الإتباع مع حرف العطف . وقيل : إنه إنما خفض لاشتراك الغسل والمسح في باب الوضوء ، كما قال { وَحُورٌ عِينٌ } [ الواقعة : 22 ] فخفض وعطفه على الفاكهة التي يطاف بها ، وهذا مما لا يطاف به ، ولكن عطفه عليه لاشتراكهما في التنعم بهما ، وكما قال الشاعر : @ شرّابُ أَلْبَانٍ وتَمْرٍ وأَقطٍ @@ فعطف التمر والأقط على ما يشرب ، وليس يشربان ، ولكن فعل ذلك لاشتراكهما في التغدي بهما ، ومثله قوله : @ ورأيتُ زوجَكِ قد غدا مُتَقَلِّداً سيفاً ورُمحاً @@ فعطف الرمح على / السيف وليس الرمح مما يتقلد به ، ولكن عطفه عليه لاشتراكهما في الحمل وفي أنهما سلاح ، ومثله : @ عَلَفتُها تِبْناً وماءً بارداً @@ فعطف الماء على التّبن وليس مما يوصف بالعلف ، ولكن فعل ذلك لاشتراكهما في أنهما غذاء لها . ومثله قوله : @ وزَجَّجْنَ الْحَوَاجِبَ والْعُيونا @@ فعطف العيون على الحواجب وليست مما يُزَجَّجَ إنما تكحّل ، ولكن عطفه عليه لاشتراكهما في التزيّن بهما ، فكذلك يحمل الغسل على المسح لاشتراكهما في باب الوضوء . وتقدير ما ذكرنا - عند النحويين - على حذف فعل فيه ( كله ) على قدر معانيه ، كأنه قال [ وأكّالِ تَمْرٍ ] ، ( وحامِلاً رُمْحاً ) ، ( وَسَقيْتُها ماءً ) ، ( وكَحَّلنَ الْعُيُونَ ) ونحو ذلك من التقدير . وقال علي بن سليمان تقديره : وأرجِلكم غسلاً . وقيل : المسح - في كلام العرب - يكون بمعنى الغسل يقال : تمسحت للصلاة أي : توضأت لها فاحتمل المسح للأرجل أن يكون بمعنى الغسل وبغير معنى الغسل ، فبيّنت السنّة أن المسح للرؤوس بغير معنى الغسل ، وأن المسح للأرجل بمعنى الغسل . وقال قوم من العلماء - منهم الشعبي - : من قرأ بالخفض [ فقراءته ] منسوخة بالسنة . واستدل من قال : أن معنى الخفض النصب ، بقوله { إِلَى ٱلْكَعْبَينِ } ، فحدد كما حدد اليدين إلى المرفقين ، ولما كانت اليدان مغسولتين بالإجماع وجب أن تكون الرجلان كذلك لاشتراكهما في التحديد . وقال ابن عباس : [ قراءة ] النصب ناسخة للمسح على الخفين وهو مذهب عائشة وأبي هريرة . قال ابن عباس : ما مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخفين بعد نزول المائدة . وقد أجاز المسح على الخفين جماعة من الصحابة ورووه عن النبي عليه السلام أنه مسح بعد ( نزول ) المائدة ، ومن أوجب شيئاً أولى بالقبول ممن نفى ، وعليه جماعة الفقهاء ، وهو قول علي وسعد وبلال و ( عمرو بن ) أمية وحذيفة وبريدة وغيرهم . وهذه الآية ناسخة لقوله : { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ } [ النساء : 43 ] ، وهو قول جماعة . وقيل : هي ناسخة لما كانوا عليه : روي " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أحدث ( لم يكلم أحداً ) حتى يتوضأ فنسخ ذلك بالوضوء عند افتتاح الصلاة " وقيل : هي منسوخة ، لأنها لو لم تنسخ لوجب على كل قائم إلى الصلاة الوضوء ، فنسخها فعل النبي صلى الله عليه وسلم وجمعه صلاتين وصلوات بوضوء واحد . وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : هي على الندب ، نَدَبَ كُلَّ قائم إلى الصلاة إلى الوضوء وإن كان ( على وضوء ) وقيل : يجب على كل من قام إلى الصلاة الوضوء - وإن كان ) متوضئاً - بظاهر الآية ، وهذا قول خارج عن قول الجماعة ، وهو قول عكرمة وابن سيرين . وروي أن علياً رضي الله عنه كان يتوضأ لكل صلاة . وقال زيد بن أسلم وأهل المدينة : الآية مخصوصة فيمن قام من النوم . وقيل : الآية مخصوصة يراد بها من كان على غير طهارة ، وهو قول الشافعي ، قال : المعنى : إذا قمتم - وقد أحدثتم - فافعلوا كذا . ومعنى { إِذَا قُمْتُمْ } ، إذا أردتم القيام ، كقوله : { فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } [ النحل : 98 ] أي : إذا أردت [ قراءة ] القرآن . وقوله { وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ } : الباء للتوكيد / لا للتعدية ، والمعنى : ( و ) امسحوا رؤوسكم ، ولا يجزئ مسح بعض الرأس لأجل دخول الباء ، كما لا يجزئ مسح بعض الوجه في التيمم لدخول الباء في قوله : { فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ } [ النساء : 43 ] ، وهذا إجماع ، فالرأس مثله . وقوله : { إِلَى ٱلْمَرَافِقِ } : روى أشهب عن مالك أنه قال : الغسل إليهما ولا يدخلان في الغسل ، وروى غير أشهب عنه أن غسلهما واجب مثل الكعبين اللذين أجمع على غسلهما ، وهو قول عطاء والشافعي . وأصل ( إلى ) - في اللغة - الانتهاء ، كقوله : { ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ } [ البقرة : 187 ] ، فالليل آخر الصوم غير داخل في الصوم ، وكذلك المرفقان غير داخليْن في الوضوء . ومَن أدخل المرفقين في الغسل ، فإنما هو على أن يجعل " إلى " بمعنى " مع " كما قال : { وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ } [ النساء : 2 ] أي : " مع " ، وكما قال : { مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } [ آل عمران : 52 ، الصف : 14 ] أي : مع الله ، هذا قول بعض أهل اللغة . ومنع ذلك المبرد وغيره من النحويين لأن اليد - عند العرب - حدها إلى الكتف فلو كانت " إلى " بمعنى " مع " وجب غسل اليد كلها إلى الكتف ، لأنه آخرها ، و " إلى " عنده على بابها ، قال المبرد : إذا كان ما بعد " إلى " مِمّا قبلها ، فما بعدها داخل فيما قبلها كآية ( الوضوء ) ، وإذا كان بعدها مخالفاً لما قبلها ، فالثاني غير داخل فيما دخل فيه الأول ، كقوله { إِلَى ٱلَّليْلِ } ، فلو قلت " بِعتُ هذا الفدّان إلى هذه الدّار " ، لم تدخل الدّار في البيع ، لأن الدار مخالفة للفدان ، ولو قلت " بعتُ هذا الثّوب من هذا الطرف إلى هذا الطرف " ، دخل الطرف الثاني في البيع ، كذلك لمّا كانت المرفقان من جنس اليد ، دخلتا في الغسل مع اليد ، فإذا كان الحد من جنس المحدود دخل معه ، وإذا كان من غير جنسه لم يدخل معه ، هذا التفسير قول المبرد ، وهو حسن جيد ، ولذلك يقول الموثقون : " اشترى الدّار بحدودها " ، فالحدود داخلة في البيع . ( وكان الطبري يقول ) : ليس غسلهما بواجب ، فهو ندب من النبي صلى الله عليه وسلم لقوله : " أمتي الغر المُحَجَّلون من آثار الوضوء ، فمن استطاع أن يطيل غُرَّتَه فليفعل " . قوله : { وَإِن كُنتُمْ جُنُباً } أي : [ ذوو ] جنب ، " وجُنُبٌ " مصدر لا يثنى ولا يجمع ، كعدل ورضًى وصَوْم ، يقال : قوم صَوْمٌ ، ورجل صَوْمٌ ، يقال : أجنب الرجل وجَنَب وجَنُب . ( و ) قوله : { وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ } أي : جرحى أو مجدورين وأنتم جنب ، { أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ } أي : مسافرين وأنتم جنب . وقوله : { أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } قيل : اللمس : الجماع . ( وقيل ) : هو المس دون الجماع ، كالقبلة والمباشرة . ويسْأل من قال : هو الجماع ، ما وجه تكريره وقد مضى حكم الجنب في قوله : { وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ } ؟ فالجواب : أن الأول بيَّن حكمه وأمره بالطهر إذا وجد الماء ، ففَرَض عليه الاغتسال ، ثم بيَّن - ثانيةً - حكمه إذا أعوزه الماء ، فأعلَمه أن التيمم بالصعيد طهور حينئذ . والتيمم : القصد والتوخي إلى الشيء . قوله : { مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم ( مِّنْ حَرَجٍ ) } أي : ضيق في فروضكم ، { وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ } أي : يطهركم بما فرض عليكم فَتَطَّهَّرونَ من الذنوب ، " وروى شهر بن حوشب عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنّ الوضوءَ يُكفِّر ما قبله ، ثم تصير الصلاةُ نافلةً ، قلت : أنت سمعت هذا من رسول الله ؟ قال : نعم ، / غير مرةٍ ولا مرتين ولا ثلاث ولا أربع ولا خمس " . وقال ابن جبير : معنى { وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } : ليدخلكم الجنة ، ( أي ) فإنها لم تتم نعمة الله على عبد حتى يدخله الجنة ، ولن يدخله الجنة حتى يغفر له ، كذلك قال لنبيه : { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } [ الفتح : 2 ] فلم تتم النعمة إلا بعد المغفرة ، وهو قول زيد بن أسلم ذكر جميع ذلك ابن وهب وغيره .