Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 51, Ayat: 1-16)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } إلى قوله : { مُحْسِنِينَ } الآيات . المعنى : ورب الرياح الذاريات ذروا . يقال : ذَرَتِ الرِّيحُ الشَّيءَ : إذا فَرَّقَتْهُ ، وأَذْرَتْهُ فَهِيَ مَذْرِيَّة . ثم قال : { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } ورب السحاب الحاملات وقراً ، يعني موقرة من ماء المطر ، يعني مثقلة من المطر . ثم قال : { فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً } أي : ورب السفن الجاريات يسراً : أي : جرياً سهلاً . ثم قال : { فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } أي : ورب الملائكة المقسمات بأمر الله الأمر من عنده بين خلقه . قال الفراء : { فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } يعني : الملائكة ( تأتي بأمر مختلف ) جبريل / صاحب الغلظة ، وميكائيل صاحب الرحمة ، وملك الموت يأتي بالموت ، فتلك قسمة الأمر ، والجواب عن هذه الأقسام : { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٰقِعٌ } يعني : البعث والجزاء ، والجنة والنار . قال أبو الطفيل : شهدت علي بن أبي طالب يخطب وهو يقول : سلوني فوَالله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا أعلمتكم به ، وسلوني عن كتاب الله ، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار ، في سهل أم في جبل ، فقام إليه ابن الكواء فقال : ما والذاريات ذرواً ، فالحاملات وقراً ، فالجاريات يسراً فالمقسمات أمراً ، ( فقال علي ) : ويلك ، سل تفقهاً ولا تسأل تعنتاً ، والذاريات ذرواً : الريح ، فالحاملات وقراً : السحاب ، فالجاريات يسرا : السفن ، فالمقسمات أمرا : الملائكة ، وهو قول ابن عباس . وقد قيل : إن الحاملات وقراً السفن تحمل أثقال بني آدم بأمر الله عز وجل . وقيل : هي الرياح ؛ لأنها تحمل السحاب من بلد إلى بلد فتسوقه . وقوله { لَصَادِقٌ } معناه لصدقه ، فوقع الاسم في موضع المصدر ، كما يأتي المصدر في موضع الاسم نحو : هو رجل عدل : أي : عادل ، ورجل رضى أي : مرضي ودرهم وِزْنُ الأمير : أي : مَوْزُونُه . ثم قال : { وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٰقِعٌ } أي : وإن الجزاء بالأعمال لواقع يوم القيامة كائن لا محالة فيه . ثم قال : { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } أي : ورب السماء ذات الخلق الحسن . فقال ابن عباس : ذات الحبك : هو حسنها واستواؤها . وقال أبو مالك : وأبو صالح وعكرمة ذات الحبك : ذات الخلق الحسن . وقال الحسن : ذات النجوم . قال : حُبِكَتْ بالخَلقِ الحَسَنِ : حُبِكَتْ بِالنُّجُومِ . وقال أبو عبيدة : ذات الحبك : ذات الطرائق ، يقال للرمل والماء إذا ضربتهما الريح فصارت فيهما طرائق حبائك . قال الأخفش : واحد الحُبُك : حِبَاك . وقال الكسائي والفراء : يقال حِبَاك وَحَبِيكة ، ويقال لِتَكَسُّرِ الشَّعر الجعد حُبُكٌ ، وحباك الحمام : طرائق على جناحيه ، وطرائق الماء حُبُكه . قال ابن جبير : ذات الحبك : ذات الزينة . وروى البكالي عن عبد الله بن عمر والسماء ذات الحبك : قال : هي السماء السابعة . وجواب القسم قوله : { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } ، ( أي : منكم مصدق بهذا القرآن مكذب به ) . قال الحسن : { لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } : ( أي : في أمر النبي صلى الله عليه وسلم ) . قال ( ابن زيد ) : اختلافهم أن بعضهم يقول هو سحر ، وبعضهم يقول غير ذلك . ثم قال : { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } أي : يصرف عن الإيمان بهذا القرآن من صرف عنه في اللوح المحفوظ . قاله الحسن . وقيل : معناه يصرف عن الإيمان ناساً / إذا أرادوه بقولهم وكذِبِهم من صُرِف ؛ لأنهم يقولون لمن أراد الإيمان هو سحر وكهانة ، فيصرف عن الإيمان . ثم قال : { قُتِلَ ٱلْخَرَّاصُونَ } . قال ابن عباس : معناه لعن المرتابون . قال ابن زيد : قتل الخراصون يخرصون الكذب ، يقولون شاعر ساحر وكهانة ، وأساطير الأولين اكتتبها . قال مجاهد : معناه قتل الخراصون الذين يقولون لسنا نبعث . وقال الفراء : معناه : لعن الكاذبون الذين يقولون محمد مجنون وساحر شاعر كذاب يخترصون ما لا يعلمون . ولا يعرف أهل اللغة " قُتِل " بمعنى " لُعِن " ومعناه على قول سيبويه والخليل وغيرهما أن هؤلاء ممن يجب أن يدعا عليهم بالقتل على أيدي المؤمنين أو بعذاب من عند الله . قال ابن عباس : عني به الكهانة . ثم قال : { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ } أي : هم في غمرة الضلالة ، وغلبتها متمادون ، وعن الحق ساهون لاهون . قال مجاهد : { فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ } : قلوبهم في أكنة . وقال أهل اللغة معناه : في تغطية الباطل والجهل غافلون . ثم قال : { يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } أي : يسألون متى يوم الجزاء والحساب على طريق الإنكار له ، يعني به هؤلاء الخراصين الذين تقدمت صفتهم . ثم قال : { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } أي : يعذبون . قال الزجاج : " يوم هم " منصوب بإضمار فعل التقدير ، يقع الجزاء في يوم هم على النار يعذبون . وعلى " بمعنى " في " ، أي : في النار يعذبون ، وحسن ذلك كما وقعت في " بمعنى " على " في قوله : { وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } [ طه : 71 ] أي : على جذوع النخل وقيل " يوم هم " ( في موضع رفع على البدل ) من يوم الأول ، لكنه بني على الفتح لأنه أضيف إضافة غير محضة . وقيل بني لأنه أضيف إلى شيئين . وقال سيبويه والخليل : ظروف الزمان غير متمكنة ، فإذا أضيفت إلى غير معرب أو إلى جملة بنيت على الفتح . ثم قال : { ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } أي : يقال لهم : ذوقوا عذابكم هذا الذي كنتم به في الدنيا تستعجلون إنكاراً واستهزاء . قال قتادة : يفتنون : ينضجون بالنار . وقال سفيان : يحرقون . قال المبرد : هو من فَتَنْتَ الذَّهَب والفِضَّة إذا أحْرَقْتَهُما لتَخْتَبرهما وتُخَلِّصهما . فالتقدير عند من قال هذا : يوم هم على النار يفتنون : يختبرون فيقال ما سلككم في سقر . وعن ابن عباس : فتنتكم ؛ أي : تكذيبكم ، أي : عقاب تكذيبكم . ثم قال : تعالى ذكره : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } أي : إن الذين اتقوا ربهم بطاعته واجتناب معاصيه في الدنيا في بساتين وعيون ماء في الآخرة . ثم قال : { آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ } أي : آخذين في الدنيا ، وعاملين بما أفترضه عليهم ربهم من فرائضه وطاعته . قال ابن عباس : آخذين ما أتاهم ربهم ، قال : الفرائض . وقيل معناه آخذين ما أتاهم ربهم في الجنة ، وهو حال من المتقين في القولين جميعاً إلا أنك إذا جعلته في الجنة ، كانت حالاً مقدرة . ثم قال : { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } أي : كانوا في الدنيا قبل دخولهم الجنة محسنين في أعمالهم الصالحة لأنفسهم . وقال ابن عباس : { قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } أي : قبل أن تفترض عليهم الفرائض .