Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 51, Ayat: 17-19)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { كَانُواْ قَلِيلاً } إلى قوله { لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } الآيات . قال قتادة : معناه : كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون : أي : قليلاً الوقت الذي لا يرقدون فيه ( فما ) بمعنى ( لا ) . قال قتادة : كانوا يتيقظون فيصلون ما بين هاتين الصلاتين ، ما بين المغرب والعشاء . قال قطرب : معناه ما مِنْ ليلة أتت عليهم إلا صلوا فيها . وقال ابن عباس : معناه أنه لم تكن ( تمضي عليهم ليلة ) لا يأخذون منها ، ولو شيئاً . وقال أبو العالية : معناه كانوا لا ينامون بين ( المغرب والعشاء ) ، وعنه كانوا يصيبون في الليلة حظاً . وقال الحسن : معناه أنهم ( كابدوا ) قيام الليل ، فلا ينامون منه إلا قليلاً ، وقاله ( الأحنف بن قيس ) . وروى ابن وهب أنه يراد بها ما بين المغرب والعشاء . قال : كانت الأنصار يصلون المغرب وينصرفون إلى قباء فبدا لهم ، فأقاموا حتى صلوا العشاء ، فنزلت الآية فيهم . وقوله : { وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } أي : إنهم يغدون من قباء فيصلون في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم . وقال الضحاك : { كَانُواْ قَلِيلاً } مردود على ما قبله ، وهو تمام الكلام ، فالمعنى / أنهم كانوا قبل ذلك محسنين ، كانوا قليلاً ، أي : كان المحسنون قليلا من الناس . ثم ابتدأ { مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } " فما " نافية على هذا القول ، " وما " على الأقوال الأول مع الفعل مصدر . وقال النخعي : معناه : كانوا قليلاً ينامون ، فيحتمل أن تكون " ما " زائدة على هذا القول ، وأن تكون والفعل مصدراً . والهجوع في اللغة : النوم ، وهو قول ابن عباس والنخعي والضحاك وابن زيد . وروى ابن وهب عن مجاهد أنه قال في معنى الآية : كانوا قلّ ليلة تمر بهم إلا أصابوا منها خيراً . وروى ابن وهب أيضاً في جامعه عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن ناساً كانوا ينضحون لناس من الأنصار بالدلاء على الثمار من أول الليل [ ثم يهجعون قليلاً ثم يصلون آخر ذلك قال الله تعالى : { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } ] يعني : في نضحهم . ثم قال : { وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } فكأنه تعالى مدحهم أنهم لم يشغلهم في أول الليل ، وتعبهم في النضح حتى قاموا يصلون في آخر الليل . ثم قال : { وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ، قال الضحاك : معناه يقومون فيصلون ، أي : كانوا يقومون وينامون ، وهو قول مجاهد . وقال الحسن : ( مدوا الصلاة وبسطوا ) حتى كان الاستغفار في السحر ، يعني الاستغفار من الذنوب . قال ابن زيد : هو الاستغفار ، قال وبلغنا أن نبي الله يعقوب صلى الله عليه وسلم حين سأله بنوه أن يستغفر لهم ، فقالوا : { قَالُواْ يٰأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ } [ يوسف : 98 ] قال : { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ } [ يوسف : 98 ] ، أنه أخر الاستغفار لهم إلى السحر . قال : وقال بعض أهل العلم أن الساعة التي تفتح فيها أبواب الجنة هي في السحر . قال ابن زيد : السحر : السدس الآخر من الليل . وروى حماد بن سلمة عن الجريري أن داود عليه السلام سأل جبريل عليه السلام أي : ساعة من الليل أسمع ، قال : لا أدري إلا أن العرش يهتز في السحر . قال الجريري : فذكرت هذا لسعيد بن أبي الحسن ، فقال : أما ترى أن ريح الرياحين يفوح في السحر . ثم قال : { وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } أي : وفي أموال المتقين المحسنين الذين تقدمت صفتهم أنهم في جنات وعيون حق لسائلهم المحتاج إلى ما في أيديهم والمحروم . وهذه الآية محكمة . في قول الحسن والنخعي ، قالا في المال / حق سوى الزكاة . وقال الضحاك وغيره : هذه الآية منسوخة بالزكاة . قال الضحاك نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن . وللعلماء في المحروم ثمانية أقوال : قال ابن عباس : السائل : الذي يسأل ، والمحروم : الذي لا يبقى له مال وعنه أيضاً أنه قال : المحروم : المحارف . وقال محمد بن الحنفية المحروم : الذي لم يشهد الحرب ، فيكون له سهم في الغنيمة . وقال زيد بن أسلم : المحروم الذي لحقته جائحة فأتلفت زرعه . وقال الزهري : المحروم : الذي لا يسأل الناس إلحافاً . وروى عنه ابن وهب أنه قال : المحروم : المتعفف الذي لا يسأل إلحافا ، ولا يعرفون مكانه ليتصدقوا عليه ، وتصديق قول الزهري ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه [ قيل ] له : " من المسكين يا رسول الله ؟ قال : " الذي لا يجد ما يغنيه ، ولا يفطن له فيعطى ، ولا يسأل الناس " " . وقال عكرمة : المحروم الذي لا ينمى له شيء . والقول الثامن : يروى عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه قال : المحروم : الكلب . وروى ابن وهب عن مالك أنه قال : المحروم : الفقير الذي يحرم الرزق . والوقف عند يعقوب في الآية { كَانُواْ قَلِيلاً } على قول الضحاك ، وتفسيره أي : كان الناس الذين هم محسنون قليلاً . وكذلك روي عن نافع ، وقد تقدم ذكر ذلك .