Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 54, Ayat: 33-55)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِٱلنُّذُرِ } إلى آخر السورة الآيات أي : كذبت جماعة قوم لوط بما أنذرهم به لوط من الإيمان والوعد والوعيد . ثم قال { إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً } أي : حجارة من السماء وقد تقدم ذكره في غير موضع . { إِلاَّ آلَ لُوطٍ } يعني بناته { نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ } . ثم قال { نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا } نصب " نعمة " على أنها مفعول لها ، ولذلك لا يتم الوقف على " سحر " أي : أنجيناهم من العذاب للنعمة من الله عليهم . ثم قال { كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ } أي : كما أنجينا آل لوط من العذاب ، كذلك نجزي من شكر الله سبحانه ، وآمن بإنذاره واتبع أمره وانتهى عن نهيه . ثم قال : { وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْاْ بِٱلنُّذُرِ } أي : حذرهم لوط قبل حلول العذاب لهم نقمة الله عز وجل لهم ، فشكوا فيما توعدهم به وأنذرهم إياه . ثم قال : { وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ } أي : راود قوم لوط لوطاً في أضيافه ليفعلوا بهم ما كانوا يفعلون بمن دخل قريتهم من الذكور . { فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ } أي : طمس على أعينهم ، أي : غطينا عليها . وروي أن جبريل عليه السلام استأذن ربه عز وجل في عقوبتهم ليلة أتوا لوطاً وأنهم عالجوا الباب ليدخلوا عليه فصفقهم بجناحه فتركهم عمياً لا يرون يترددون . قال ابن زيد : هؤلاء قوم لوط حين أرادوا من ضيفه طمس الله أعينهم . وقد كان ينهاهم عن عملهم الخبيث الذي كانوا يعملون فقالوا له إنه لا نترك عملنا فإياك أن تنزل أحداً أو تضيفه أو تدعه ينزل عندك فإنا لا نتركه ، قال فلما جاءه المرسلون خرجت امرأته الشقية فأتتهم فدعتهم وقالت لهم تعالوا فأنه قد جاء قوم لم أر قوماً أحسن وجوهاً ولا أحسن ثياباً ولا أطيب أرواحاً منهم ، قال فجاءوه يهرعون إليه فقال : " إِنّ هَؤلاَءِ ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ وَاُتّقَواَ اُّللهَ / وَلاَ تُخزُوُنِ فِي ضَيْفِي قالَوُاْ أَوَ لَمْ تَنْهَكَ عَنِ اُلْعَالَمِينَ قَالَ هَؤُلاَءِ بَنَاتِيَ هنّ أَطُهَرُ لَكُمْ " فقال له جبريل ما يهولك من هؤلاء ، قال أما ترى ما يريدون ، قال إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ، لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك ، قال فنشر جبريل عليه السلام جناحاً من أجنحته فاختلس به أبصارهم ، وطمس أعينهم ، فجعلوا يجول بعضهم في بعض . وكذلك ذكر مجاهد مثل معنى هذا . ثم قال { فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ } أي : ذوقوا عذابي الذي حل بكم ، وعاقبة إنذاري لكم ، وقيل إنه من قول الملائكة لهم أي : قالت الملائكة لهم فذوقوا عذاب الله ، وعاقبة ما أنذركم به . ثم قال { وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ } أي : ولقد صبحهم قوم لوط عند طلوع الفجر عذاب ثابت إلى يوم القيامة ، وهو أن قلبت عليهم المدينة ، وأرسلت الحجارة عليهم وعلى من غاب من المدينة وحلوا في عذاب إلى يوم القيامة . قال قتادة : استقر بهم العذاب إلى نار جهنم . / ثم قال { فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ } قد تقدم تفسير كل هذا . ثم قال { وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ ٱلنُّذُرُ } أي : جاء أتباع فرعون إنذارنا بالعقوبة لكفرهم بالله ورسوله . { كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ } أي : كذبوا بكل ما جاءهم به موسى صلى الله عليه وسلم فأخذهم الله بالعذاب أخذ منيع قادر على ما يريد ، فأغرقهم أجمعين . ثم قال { أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ } أي : أكفاركم يا قريش ، ( أي الذين إن يروا آية ) يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ، خير من هؤلاء الذين تقدم ذكرهم ، وأخذهم العذاب لكفرهم ، فيقولوا إنا ننجوا لشرفنا ، بل ليس هم بخير منهم ، فإذا كانوا قد هلكوا بكفرهم فما يؤمنكم أن يصيبكم مثل ما أصابهم من العذاب [ وهذا ] لفظ استفهام معناه التوقيف . حكى سيبويه : الشقاء أحب إليك أم السعادة . قال ابن عباس معناه ليس كفاركم خيراً من وقوم نوح وقوم لوط . ثم قال { أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي ٱلزُّبُرِ } [ أي ] أم لكم كتاب فيه براءة لكم من العذاب في كتاب الله عز وجل . { أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } أي : أم يقول كفار قريش نحن جماعة ينصر بعضنا بعضاً على ما نريده . قال الله { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } فصدق الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم وعده ، وهزم المشركين يوم بدر وولوا هاربين . قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما نزلت { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } جعلت أقول أي : جمع يهزم ، فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سيهزم الجمع ويولون الدبر . وأكثر المفسرين على أنه يوم بدر هزموا فيه وولوا الدبر . ثم قال { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ } . ( قالت عائشة رضي الله عنها لقد نزل على محمد صلى الله عليه وسلم بمكة وإني لجارية أَلْعَب . { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ } الآية أي : يوم القيامة موعدهم للعذاب بل ذلك الوقت أدهى وأمر من الهزيمة التي كانت عليهم في الدنيا وتوليتهم الدبر . وأدهى من الداهية والداهية ( الأمر العظيم ) الذي لا ينفع فيه دواء . وَأَمّرُ من المَرَارة . ثم قال تعالى { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } أي : في حيرة وتجاوز عن الحق . { وَسُعُرٍ } أي : واحتراق من شدة العناد ، والنصب في الباطل وقيل وسعر : وعناد . { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } / . روى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه : " قال : هم القدرية الذين يقولون الخير والشر بأيدينا ليس لهم في شفاعتي نصيب ولا أنا منهم ولا هم مني " . وقيل القول هنا محذوف . والمعنى يقال لهم : ذوقوا مس سقر . ومعنى يسحبون : أي : يجرون إلى النار . وفي قراءة ابن مسعود " إِلَى اُلنّاِر " على التفسير ، " وسَقَى " إسم من أسماء أبواب جهنم أعاذنا الله منها . وروى ابن جبير عن ابن عباس أنه قال : لوددت أن عندي رجلا من أهل القدر فوجأت رأسه ، قال : ولم ذلك لأن الله عز وجل خلق لوحاً محفوظاً من درة بيضاء ، دفتاه ياقوتة حمراء وقلمه ذهب وكتابه نور ، وعرضه ما بين السماء والأرض ينظر الله فيه كل يوم ستين وثلاث مائة نظرة يخلق في كل نظرة ، ويحيي ويميت ويقدر ويدبر ، ويفعل ما يشاء . وقوله { ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } هو على المجاز ، كما يقال وجدت مس الحمى ، وذاق طعم الموت . وقوله { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } أي : بمقدار قدرناه وقضيناه وفي هذا بيان بالتوعد للقائلين بالقدر . وقال ابن عباس : إني لأجد في القرآن قوما يسحبون في النار وعلى وجوههم ، يقال لهم ذوقوا مس سقر لأنهم كانوا يكذبون بالقدر وإني لأراهم فما أدري أشيء [ كان ] قبلنا أم شيء فيما بقي . وقال أبو هريرة خاصمت مشركو قريش النبي صلى الله عليه وسلم في القدر ، فأنزل الله تعالى { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } إلى قوله { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } . ( وقال أبو عبد الرحمان السلمي لما نزلت هذه الآية : إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ ) ، قال رجل يا رسول الله ففيم العمل ، أفي شيء نستأنفه ، أم في شيء قد فرغ منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أعملوا ( فكل مُيَسّرً لما خُلق له فسنيسره لليسرى وسنيسره للعسرى ) . وقال محمد بن كعب القرطبي / لما تكلم الناس في القدر نظرت وإذا هو في هذه الآية أنزلت فيهم : { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } إلى { خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } . قال أبو محمد وقد أملانا الكلام على إعراب هذه الآية ، والاستدلال منها على أن الله خلق كل شيء ، وأنه لفظ عام لا خصوص فيه في غير هذا الكلام . ثم قال { وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ } [ أي وما أمرنا للشيء إذا أمرنا به وأردنا تكوينه إلا قولة واحدة كن فيكون كلمح البصر ] من السرعة لا يتأخر ولا مراجعة فيها . ثم قال تعالى { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } هذا خطاب لمشركي قريش الذين كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم ، أي : ولقد أهلكنا نظراءهم من الأمم الماضية المكذبة لرسلها كما كذبتم رسولكم ، فما يؤمنكم أن تهلكوا كما هلك من كان قبلكم ، فهل من متعظ يتعظ فيزدجر عن كفره . ثم قال { وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي ٱلزُّبُرِ } أي : وكل شيء فعله أشياعكم من الأمم الماضية فهو في الكتب كتبته عليهم الحفظة ، وكذلك فعلت بكم . وقيل الزبر هنا أم الكتاب ، هو في أم الكتاب من قبل أن يخلقوا . { وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ } أي : وكل صغير من الأعمال أو كبير مثبت في الكتاب مكتوب في أسطر . ثم قال تعالى { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ } أي : إن الذين اتقوا عقاب الله وآمنوا برسله ، وبما جاءتهم به الرسل ، في بساتين يوم القيامة . والنهر ونَهر بمعنى أَنْهَار كما قال : " فِي حَلْقِكُمْ عَظْمٌ وقد شَجِينا " وقيل نهر معناه وضياء وسعة ، يقال أنهرته إذا وسعته . وقرأ الأعمش ونهر بالضم جعله جمع " نهار " كقَذَالِ وقُذَالَ . وروي أنه ليس في الجنة ليل إنما هو نور كله ، إنما يعرفون الليل بإغلاق الأبواب وإرخاء الستور ، [ والنهار بفتح الأبواب ورفع الستور ] . ثم قال { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ } أي : في مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم . { عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } أي : عند ذي ملك يقدر على ما يشاء لا إله إلا هو .