Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 54, Ayat: 4-20)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } إلى قوله { يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ } إلى { مُّنقَعِرٍ } الآيات أي : ولقد جاء قريشاً من الأخبار والقصص والوعد والوعيد ما فيه متعظ لهم . ثم قال { حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ } يعني القرآن . { فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ } أي : فليست تغن النذر لإعراضهم عنها . والنذر جمع نذير أو بمعنى الإنذار ، ويجوز أن تكون " ما " استفهاما . والمعنى فأي شيء يغني النذر عنهم وهم معرضون عنها . ثم قال فتول عنهم يوم يدع الداع / إلى شيء نكر أي : فأعرض عنهم : تم الكلام على قوله { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } ، ثم ابتدأ فقال { يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيْءٍ نُّكُرٍ } أي : منكر يخرجون من الأجداث . " فيوم " منصوب " بأذكر يوم تخرجون . والأجداث : القبور . { كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } كأنهم في انتشارهم من القبور إلى موقف الحساب جراد منتشر . وقوله { خُشَّعاً أَبْصَٰرُهُمْ } حال من الضمير في ( يخرجون من قبورهم ) فينتشرون لموقف العرض يوم يدع الداع خشعا إبصارهم ، أي هي ذليلة خاضعة ، ولا يجوز أن يكون حالا من المضمر في عنهم ، لأن الأمر بالتوالي في الدنيا ، والإخبار بخشوع أبصارهم بعد بعثهم . وقوله { كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } وقال في موضع آخر { يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ } [ القارعة : 3 ] فذلك صنفان مختلفان ، وإنما ذلك لأن كون ذلك في وقتين مختلفين أحدهما عند البعث بالخروج من القبور يخرجون فزعين لا يهتدون أين يتوجهون ، فيدخل بعضهم في بعض لا جهة لأحد منهم يقصدها نشبههم عند ذلك بالفراش لأن الفراش لا جهة له يقصدها ، وإنما هي بعضها في بعض فلا يزال الناس كذلك حتى يسمعوا المنادي يدعوهم فيقصدونه ، فتصير لهم وجهة يقصدونها ، فشبههم في هذا الوقت بالجراد المنتشر ، وهكذا الجراد لها ( وجهة تقصدها ) وهي منشرة . ويروى أن مريم سألت ربها أن يطعمها لحماً لا دم فيه فأطعمها الجراد فدعت للجراد فقالت : اللهم أعشها بغير رضاع ( وتابع بنيها بغير شياع ، أي : بغير دعاء بينها ) . ثم قال { مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ } قال قتادة : عامدين . وقال أبو عبيدة : مسرعين مقبلين خائفين . ولا يكون الإهطاع إلا مع خوف ، ويقال : هطع وأهطع بمعنى أسرع مقبلاً خائفاً . وقال سفيان شاخصة أبصارهم إلى السماء . وقال ابن عباس ناظرين . { يَقُولُ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } أي : شديد هول المطلع . ثم قال : { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ } أي : كذب قبل قومك قوم نوحا . { فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا } يعني نوحاً . { وَقَالُواْ مَجْنُونٌ } أي : هو مجنون . وقوله { وَٱزْدُجِرَ } أي : زجروه بالشتم والوعيد والرجم . قال ابن زيد اتهموه وزجروه وأوعدوه ، وقالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين . وقال الحسن قالوا مجنون وتوعدوه بالقتل . ثم قال { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ } أي : قال يا رب قد غلبت وقهرت فانتصر لي منهم بعذاب من عندك . قال تعالى : { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } أي : مندفع منصب . ثم قال { وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى ٱلمَآءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } أي : فالتقى ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قدره الله وقضاه في اللوح المحفوظ . ثم قال { وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ } / أي : وحملنا نوحا إذا التقى الماء على سفينة ذات ألواح ودسر . والدسر : المسامير ، وهو جمع دسار . وقيل الدسر : صدر السفينة لأنها تدفع الماء بصدرها : [ أي ] تدسره قاله الحسن . وقال مجاهد : الدسر : أضلاع السفينة . وقال الضحاك الدسر : طرف السفينة ، وأصل الدّسْر : الدّفع . ثم قال { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } أي : بمرأى منا ومبصر . وقوله { جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ } أي : فعلنا بهم ذلك جزاء لنوح للذي كفر بالله فيه . وقيل " من " بمعنى " ما " والمعنى : جزاء لمن كان كفر بنعم الله وأياديه . وقال مجاهد : معناه ( جزاء الله لأنه كفر به ) . وقيل معناه جزاء لنوح ولمن آمن به لأنهم كفروا بهم ، فتوحد " كفر " على هذا على لفظ " من " . ثم قال { وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً } أي : تركنا السفينة آية وعبرة لمن بعد نوح . وقال قتادة رفعت السفينة على الجودي حتى رآها أوائل لهذه الأمة . قال مجاهد : إن الله جل ذكره حين غرق قوم نوح جعلت الجبال تشمخ ، وتواضع الجودي فرفعه الله عز وجل على الجبال ، وجعل قرار السفينة عليه . وقيل معناه : ولقد تركنا هذه الفعلة آية . { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } . أي : فهل من متعظ يخاف أن يناله من العقوبة مثل ما نال قوم نوح . ثم قال { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } أي : وإنذاري ، وهذا تحذير من الله لمن نزل عليه القرآن وكفر به أن يصيبه مثل ما أصاب قوم نوح . ثم قال { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ } أي : سهلناه وبيناه وفصلناه لمن يريد أن يتذكر به ويعتبر . وقيل معنى : فهل من مذكر : هل من طالب علم فيعان عليه : وقال محمد بن كعب معناه : هل من مذكر عن معاصي الله . قال ابن زيد يسرنا : بينا . وقال مجاهد : يسرنا : هونا . وقيل معناه : فهل من طالب علم أو خير فيعان عليه . ثم قال { كَذَّبَتْ عَادٌ } أي : كذب أيضاً عاد هوداً نبيهم فيما أتاهم / به . { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } ( أي عذبتهم لذلك ، وأهلكتهم ، فلتحذر قريش ان يصيبهم بتكذيبهم محمدا مثل ما أصاب قوم هود . ثم قال { إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } أي : ريحاً شديدة العصوف باردة لها صوت ، وأصله صَرَرً فأبدل من أحدى الراءات ماداً ، فكبْكِبُوا من كَبَبَ . قوله { فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ } أي : في يوم شر وشؤم لهم ( استمر بهم فيه البلاء ) والعذاب إلى أن ( أوفى بهم العذاب ) . قال قتادة استمر بهم إلى نار جهنم . ثم قال : { تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } أي : تقتلع الناس ثم ترمي بهم على رؤوسهم فتندق رقابهم وتبين من أجسادهم . قال ابن إسحاق : لما هبت الريح قام سبعة من عاد فقالوا نرد الريح ، فأتوا ضم الشعب الذي منه تأتي الريح ، فوقفوا عليه ، فجعلت الريح تهب وتدخل تحت واحد منهم ثم تقلعه من الأرض فترمي به على رأسه فتندق رقبته ، ففعلت ذلك بستة منهم كما قال الله { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } ، وبقي رجل اسمه الخلجان ، فأتى هوداً فقال يا هود ما هذا الذي أرى في السحاب كهيئة البخاتي ، قال تلك ملائكة ربي ، [ قال مالي إن أسلمت ، قال : تسلم ! ، قال أفينقذني ربك من هؤلاء ، قال : ويلك أرأيت ملكاً ينقد من جنده ] ، فقال وعزته لو فعل ما رضيت ، قال ثم مال إلى جانب الجبل فأخذ بركن منه يهزه ، فاهتز في يده ثم جعل يقول : @ أَلاَ لَمْ يَبْقَ إِلاّ الخِلْجَانَ نَفْسُه يَالَك من يوم دَهَاني أَمْسُه . بِثَابِتِ الوَطء شديدٍ أَمْسُه لو لم يجِئني جِئته أَجُسه . @@ ثم هبت الريح فحملته ، فألحقته بأصحابه . ( وروي عن أبي هريرة أنه قال أن كان الرجل ليغمز قدميه فيدخل في الأرض ) من قوم عاد ليتخذ المصراعين من حجارة لو اجتمع عليه خمس مائة من هذه الأمة لم يستطيعوا أن يحملوه ، وأن كان الرجل ( ليغمز قدميه فتدخل في الأرض ) . وقوله { تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } أي : تنزعهم من الحفر التي كانوا حفروها كأنهم أعجاز نخل منقعر . قال الطبري في الكلام حذف ، والتقدير : تنزع الناس فتتركهم كأنهم أعجاز نخل ، " فالكاف " على هذا في موضع نصب بالمحذوف . وقال الزجاج وغيره " الكاف " في موضع الحال ، أي : تنزع الناس مشبهين / بأعجاز نخل . ومعنى " منقعر " أي : منقلع من قعره . ( وقال الحسن لما جاءت الريح إلى قوم هود قاموا إليها فاستقبلوها وأخذ بعضهم بيد بعض ) . ( وركزوا أقدامهم في الوادي ، وقالوا لهود من يزيل أقدامنا عن أماكنها إن كنت صادقاً ، فأرسل الله عليهم الريح فنزعت أقدامهم كأنهم أعجاز نخل منقعر ) . قال مجاهد : بانت أجسامهم من رؤوسهم فصاروا أجساماً بلا رؤوس . وقيل التشبيه هنا إنما هو للحفر التي كانوا فيها قياما ، صارت الحفر كأنها أعجاز نخل وهذا قول ضعيف ، ولزم هذا القائل أن يقول " كأنهن " .