Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 1-14)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } إلى قوله : { وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } الآيات . المعنى : إذا نزلت صيحة القيام ، وذلك حين ينفخ في الصور لقيام الساعة . والواقعة والآزفة والطاعة والحاقة والقارعة والصاخة ، كلها من أسماء يوم القيامة . قال الضحاك : الواقعة : الصيحة . وقال الحسن : هي القيامة . وقوله : { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } . أي ليس لقيام الساعة رجعة ولا مثنوية ، قاله الحسن . وقال سفيان : ليس لوقعتها أحد يكذب بها . وقيل المعنى : ليس في الأخبار بأنها تكون كذب . وكذب وكاذبة مصدر كالعاقبة . ويجوز أن يكون نعتا كأنه قال : جماعة كاذبة . ثم قال : { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } . قال عبد الله بن سراقة خفت أعداء الله إلى النار ورفعت أولياء الله إلى الجنة . قال قتادة : تخللت كل سهل وجبل حتى أسمعت القريب والبعيد ، ثم رفعت أقواما في كرامة الله جل ثناؤه ، وخفضت أقواماً في عذاب الله سبحانه . وقال عكرمة والضحاك خفضت فأسمعت الأدنى ، ورفعت فأسمعه الأقصى فكان القريب والبعيد من الله سبحانه سواء . / وقال ابن عباس أسمعت القريب والبعيد . وقيل المعنى أنها تخفض أقواماً كانوا في الدنيا مرتفعين ، وترفع أقواماً كانوا في الدنيا متضعين . ثم قال : { إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً } . إذا زلزلت الأرض فتحركت تحريكا قاله ابن عباس . وقتادة ومجاهد . ثم قال : { وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً } أي : وفتت الجبال فتاً ، قاله ابن عباس والشعبي وأبو صالح فصارت كالدقيق المبسوس وهو المبلول ، كما قال { وَكَانَتِ ٱلْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً } [ المزمل : 14 ] . وقال قتادة : كما يبس الشجر تذروه الرياح يمينا وشمالا . ثم قال : { فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً } أي : فكانت الجبال هباء ، وهو الغبار الذي يكون في شعاع الشمس من الكوة كهيئة الغبار ، قاله ابن عباس وعطاء ومجاهد . وقال علي الهباء المنبت : رهج الدواب . وعن ابن عباس الهباء : الذي يطير من النار / إذا اضطرمت ، يطير منه الشرر فإذا وقع لم يكن شيئاً . وقال قتادة : هباء منبثاً كيبيس الشجر تذروه الرياح يميناً وشمالا . وقوله { مُّنبَثّاً } يعني به متفرقاً . ثم قال : { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً } أي : وكنتم أيها الناس أنواعاً ثلاثة . قال ابن عباس أزواجاً : أصنافاً ثلاثة . وقال قتادة : هي منازل الناس يوم القيامة ثلاثة منازل . ثم قال : { فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } هذا أحد الأزواج الثلاثة . والثاني قوله : { وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } والثالث قوله : { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ } فأتى الخبر عنهم مغنيا عن البيان عنهم لدلالة الكلام على معناه . وفي الكلام بما معنى التعجب ، يعجب الله عز وجل نبيه عليه السلام ، أي : ماذا لهم ، وما أعد لهم من نعيم أو من عذاب . ومعنى : أصحاب الميمنة : أي : الذين أخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة وهي علامة لمن نجا . وكذلك أصحاب المشئمة ، هم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار . والعرب تقول لليد الشمال الشؤمى ، وللجانب الأيسر الأشام ، ومنه اليمن والشؤم ، وقيل إنما سموا بذلك لأنهم أعطوا كتبهم بإيمانهم أو بشمائلهم . وقيل إنما سموا بذلك لأن الجنة عن يمين الناس والنار عن شمالهم . وقيل سموا بذلك لأن أصحاب الميمنة ميامين على أنفسهم ، وأصحاب المشئمة مشائيم على أنفسهم ، مأخوذ من اليمن والشوم . وقال أبو العباس ثعلب : العرب تقول : اجعلني في يمينك ولا تجعلني في شمالك " أي اجعلني ضمن المتقدمين عندك ولا تجعلني من المتأخرين . وقال في قوله تعالى { فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } ، قال أصحاب الميمنة هم أصحاب التقدم ، وأصحاب المشئمة هم أصحاب التأخر . وانشدوا لابن الدمينة : @ أي بني أخي يُمني يديك جعلتني أم صيرتين في شمالك فأفرح . @@ معناه : أخبرني أنا من المتقدمين عنك أم من المتأخرين . وقيل هذا مردود على الخبر الذي أتى : أن الله جل ذكره خلق الطيب من ذرية آدم صلى الله عليه وسلم في الجانب اليمين من آدم ، وخلق الخبيث من الجانب الشمال منه ، فلذلك ينادون يوم القيامة بأصحاب اليمين وأصحاب الشمال ، فذلك ستة أقوال . وقوله : { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ * أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } والذين سبقوا إلى الإيمان بالله ورسوله وهم المقربون وهم المهاجرون الأولون ، وهم المقربون من الله ، وقيل هم الذين صلوا إلى القبلتين ، قاله ابن سيرين . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال السابقون من الأمم الماضية أكثر من سابقي هذه الأمة . وقال مجاهد : هم السابقون إلى الجهاد في سبيل الله جل وعز . وقيل هم أول الناس رواحاً إلى المساجد وأسرعهم خفوفا في سبيل الله عز وجل . { أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } أي : هم الذين يقربهم الله سبحانه منه يوم القيامة ويدخلهم جنات النعيم . ( وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أتدرون من السابقون يوم القيامة : قالوا الله ورسوله أعلم ، قال : " الذين إذا أعطوا الحق قبلوه ، وإذا سئلوا بذلوه / وحكموا للناس بحكمهم لأنفسهم " . ثم قال { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } أي : جماعة من الأولين ، يعني من الأمم الماضية . { وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } وقليل من الأمة الآخرة : يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله الحسن . وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الثلثان جميعاً من أمتي " . وقيل عني بذلك النبيئين والمرسلين ومن يشبههم من الصديقين فقال { وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } ، لأن الأنبياء والمرسلين كانوا في الأولين دون الآخرين . وقال أبو هريرة " لما نزلت { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت : ثلة من الأولين وثلة من الأخرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة وتغلبوهم في النصف الباقي " .