Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 71-96)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { أَفَرَأَيْتُمُ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي تُورُونَ } إلى آخر السورة الآيات . أي أفرأيتم أيها الناس النار التي تستخرجون من زندكم وتقدحون . { أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنشِئُونَ } أي : أنتم أخترعتم شجرتها أم نحن اخترعنا ذلك . وتورون من أوريت زنادي وناري أوريتها : إذا أوقدتها . / وقال أبو عبيدة وأكثر ما يقولون وريت زنادي ، وأهل نجد يقولون وريت زنادي . ( ثم قال ) { نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً } يعني النار التي تذكرون بها نار جهنم فتتعظون وتخافون . وقال مجاهد : تذكرة تذكر النار الكبرى ، وكذا قال قتادة : وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أن ناركم ( جزء من سبعين جزاء ) من نار جهنم قالوا يا نبي الله وإن كانت لكافية ، قال قد ضربت بالماء ضربتين ليستمتع بها بنو أدم ويدنو منها " . ثم قال : { وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ } قال ابن عباس للمقوين : للمسافرين وقال مجاهد : للمقوين : للمستمتعين بها من الحاضر والمسافر . وقال ابن زيد للمقوين : للجائعين . والعرب تقول أقويت منه كذا وكذا : ( أكلت منه كذا وكذا ) ، وأصله من أقوت الدار إذا خلت من أهلها ، ( ويقال أقوى إذا نزل بالقواء في الأرض الخالية . وقال ابن زيد المقوي : الذي لا زاد ولا مال معه . وأقوى عند أهل اللغة على ثلاثة معانٍ ، يقال أقوى إذا فني زاده ، ومنه أقوت الدار إذا فني أهلها ، ويقال أقوى إذا سافر أي : نزل القواء . والقين ، ويقال أقوى إذا قوى وقوى أصحابه . والمتاع : المنفعة . ثم قال : { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } أي : فنزه ربك يا محمد من السوء . ثم قال : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } لا زائدة والتقدير أقسم . وقيل لا رد الكلام ، والتقدير ليس الأمر كما يقول الكافر . ثم استأنف فقال : أقسم بمواقع النجوم ، وقيل " لا بمعنى " إلا للتنبيه ومعنى مواقع النجوم ، منازل القرآن ، لأن القرآن نزل على النبي صلى الله عليه وسلم نجوماً متفرقة . قال ابن عباس نزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة ثم فرق في السنين بعد وتلا ابن عباس { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } ، قال نزل متفرقاً . وقال عكرمة فلا أقسم بمواقع النجوم ، قال أنزل الله القرآن نجوماً ثلاث آيات وأربع آيات وخمس آيات ، وقال أيضاً نزل جميعاً فوضع بمواقع النجوم ، فجعل جبريل صلى الله عليه وسلم / يأتي بالسورة بعد السورة وإنما نزل جميعاً في ليلة القدر . وقال مجاهد : بمواقع النجوم هو محكم القرآن . وقال الحسن بمواقع النجوم بمغاربها ، وقاله قتادة . وعن الحسن أيضاً بمواقع النجوم هو أنكدارها وانتشارها يوم القيامة . وعن مجاهد أيضاً بمواقع النجوم مطالعها ومساقطها . ثم قال : { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } أي : وأن هذا القسم عظيم لو تعلمون ذلك . ثم قال : { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } أي : أقسم بمواقع النجوم وهو القرآن أن هذا القرآن لقسم عظيم لو تعلمون ذلك أنه لقرآن كريم ، والهاء " في " " إنه " من ذكر القرآن . ثم قال : { فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } أي : في كتاب مصون عند الله لا يمسه إلا المطهرون . قال ابن عباس هو الكتاب الذي في السماء ، قاله الضحاك . قال ابن زيد زعموا أن الشياطين تنزلت به على محمد صلى الله عليه وسلم . فأخبرهم الله أنهم لا يستطيعون على ذلك . قال ابن عباس : إذا أراد الله أن ينزل كتاباً نسخته السفرة فلا يمسه إلا المطهرون ، يعني الملائكة ، وهو قول ابن جبير ومجاهد وقتادة والضحاك ، فهو خبر وليس بنهي ، وقد يجوز أن يكون إخباراً على الإلزام فيكون فيه معنى النهي كما تقول ( جعل كذا ) وكقوله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الصف : 10 ] . قال المبرد معناه آمنوا بالله . وقيل هم حملة التوراة والإنجيل ، قاله عكرمة . وقال أبو العالية المطهرون الذين طهروا من الذنوب كالملائكة والرسل قال ابن زيد المطهرون : الملائكة والأنبياء والرسل التي تتنزل به من عند الله المطهرة . وقال قتادة : معناه لا يمسه عند الله إلا المطهرون ، قال وأما عندكم فيمسه المشرك النجس والمنافق الرجس . وفي حرف ابن مسعود ما يمسه . وقال مالك بن أنس في قوله عز وجل { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } إنما هو بمنزلة قوله : { فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ } [ عبس : 13 - 16 ] فهذا من قول مالك يدل على أنه نفي ليس بنهي يراد به الملائكة . وقال مسلم : لا يمسه إلا طاهراً ، وسئل عن آية فقال : سلوني فلست أمسه إنما أقرؤه ، وكان قد أحدث ولم يتوضأ . وفي كتاب عمرو بن حزم : لا يمس القرآن إلا طاهراً ، وهو الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم . وروى مالك أن مصعب بن سعد قال كنت أمسك المصحف على سعد بن أبي وقاص فاحتككت ، فقال لعلك مسست ذكرك ، فقلت نعم ، فقال فقم فتوضأ ، فقمت فتوضأت ثم رجعت ، وروي أنه قال له فقم فاغسل يديك . وكان ابن عمر لا يمس المصحف إلا طاهراً . / وقال مالك لا يمس المصحف أحد بعلاقة أو على وسادة إلا وهو طاهر إكراماً للقرآن . وقوله : { تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي : هو تنزيل من عند رب العالمين . ثم قال : { أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ } أي : أفبهذا القرآن الذي أنبأتكم خبره وأنتم تلينون القول للمكذبين به ممالاة منكم لهم على التكذيب والكفر . قال مجاهد : أنتم مدهنون : أي : أنتم تريدون أن تمايلوهم [ فيه ] وتركنوا إليهم . وقال ابن عباس أنتم مدهنون : مكذبون غير مصدقين . وقال الضحاك يقال أدهن وداهن : إذا نافق . ثم قال : { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } أي : وتجعلون شكر الله على رزقه لكم التكذيب له ، وهذا كقول القائل للآخر : جعلت إحساني إليك إساءة منك إلي ، بمعنى جعلت شكر إحساني إليك إساءة منك ، فالتقدير وتجعلون رزقي إياكم تكذيبكم لرسلي وكتبي . / وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون قال شكركم ، يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا ، وبنجم كذا وكذا " ، وقاله ابن عباس . وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله ليصبح القوم بالنعمة أو يمسيهم بها فيصبح بها قوم كافرين يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا " . قال الضحاك في الآية : جعل الله رزقكم في السماء وأنتم تجعلونه في الأنواء . قال قطرب الرزق هنا : الشكر . وقيل المعنى : وتجعلون شكر رزقكم ثم حذف مثل ، { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] . ثم قال : { فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ } يعني النفس تبلغ الحلقوم عند خروجها . { وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ } أي : من حضره ينظر ولا يغني عنه شيئاً ، فهذا خطاب عام والمراد به من حضر الميت . ثم قال : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ } أي : ورسلنا أقرب إلى الميت منكم يقبضون روحه ولكن لا تبصرونهم ، وهذا كله جواب لمن ادعى أنه يمتنع من الموت ويدفعه . ثم قال : { فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ } أي : فهلا أن كنتم غير مجزيين . { تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ( أي إن كنتم صادقين ) في أنكم تمنعون من الموت ، فارجعوا تلك النفس ، وامنعوا من خروجها . قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والحسن غير مدينين : غير محاسبين . قال ابن زيد كانوا يجحدون أن يدانوا بعد الموت . وقال الفراء : غير مدينين : غير مملوكين . وقال الحسن غير مدينين : غير مبعوثين يوم القيامة . وقيل معناه غير مجزيين بأعمالكم . { تَرْجِعُونَهَآ } أي : تردون تلك النفوس إلى الأجساد بعد إذ صارت في الحلاقيم . { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أنكم تمتنعون من الموت والحساب والمجازاة . وقال الفراء إن كنتم صادقين : إن كنتم غير مملوكين ، فالمعنى هل لا ترجعون نفس عزيزكم إن كنتم غير مملوكين ولا مقهورين . وجواب فلولا في الموضعين جواب واحد على قول الفراء . وقيل حذف جواب أحدهما لدلالة الآخر عليه . ثم قال : { فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } أي : إن كان الميت من المقربين أي : من الذين قربهم الله من جواره ورحمته . { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ } ( أي فله ) روح وريحان . والروح : الرحمة ، والريحان : الرزق . وقال مجاهد الروح : الفرح . وقال الحسن الريحان : ريحانكم هذا . وقال الربيع بن خيثم فروح وريحان هذا عند الموت ، والجنة مخبوءة له إلى أن يبعث . قال ابن عباس فروح وريحان : فراحة ومستريح من الدنيا . وقال ابن جبير { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ } : راحة ومستراح : وعنه يعني بالريحان المستريح من الدنيا . وقال الضحاك الروح : المغفرة والرحمة . والريحان : الاستراحة . وعنه : الروح والاستراحة . وقال القتبي فروح : أي : في القبر له طيب نسيم . ومن قرأ بضم الراء فمعناه : فحياة له وبقاء . وقيل الريحان : الراحة . قال أبو العالية لم يفارق أحد من المقربين وهم السابقون الدنيا حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة فيشمه ثم يقبض . قال الحسن يقبض الملك نفس المؤمن في ريحانة . والفاء في " فروح " " جواب " " إن " ، وجواب " أما " هذا قول / الأخفش والفراء . وقال سيبويه لا جواب " لأن " هنا ، لأن بعدها فعلاً ماضياً ، كما تقول ( أكرمك إن جئتني ) ، " والفاء " جواب " أما " . وقال المبرد جواب " إن " محذوف ، لأن بعدها ما يدل عليه ، والفاء جواب " أما " وأما معناها : الخروج من شيء إلى شيء ، أي : دع ما كنا فيه وخذ بشيء أخر ، ولا يلي فعل فعلا ، فمعنى أما : مهما يكن ( من شيء ) . فوجب أن يليها الاسم ، وتقديره أن يكون بعد جوابها ، فإذا أردت أن تعرف إعراب الاسم الذي يليها فاجعل موضعها ، " مهما " وقدر الاسم بعد الفاء . تقول أما زيداً فضربت ، والتقدير : مهما يكن من شيء فضربت / زيداً . وقوله : { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } أي : من الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة ، وقيل من الذين يعطون كتبهم بأيمانهم . { فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } أي : فسلام من عند الله ، أي : سلام من ذلك وقيل المعنى : يقال سلام لك إنك من أصحاب اليمين . قال قتادة : معناه سلموا وسلمت عليهم الملائكة . وقيل المعنى : لك يا محمد منهم سلام ، أي : يسلمون عليك . وقيل المعنى : فسلام لك أنك من أصحاب اليمين . وقيل معناه فلست ترى فيهم يا محمد إلا ما تحب من السلامة . ثم قال : { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ * فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ } . [ أي إن كان الميت ممن كذب بآيات الله وضل عن دين الله فنزل من حميم أي : فرزق من حميم ] . أي له زرق من حميم قد غلي عليه حتى انتهى حره ، فهو شرابه . { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } أي : وحريق النار يحرق بها . ثم قال : { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } أي : أن هذا الذي أخبرتم به أيها الناس من الخير عن المقربين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال وما تصير أمورهم لهو حق اليقين ، أي : لهو من الخبر الحق اليقين . قال قتادة : إن الله جل ذكره ليس تاركاً أحداً من الناس [ يوقفه ] على اليقين من هذا القرآن ، فأما المؤمن فأيقن في الدنيا فينفعه ذلك يوم القيامة وأما الكافر فأيقن في الآخرة حين لا ينفعه ذلك . ( وحق اليقين ) : محض اليقين ، وقيل معناه حق الأمر اليقين ، وحق الخبر اليقين مثل " دِينُ الْقَيِّمَةِ " أي : دين الملة القيمة . وقيل أصل " اليقين " أن يكون نعتاً للحق ، ولكن أضيف المنعوت إلى النعت على الاتساع كما قال " وَلَدارُ الآْخِرَةِ " و " وملاة الأولى " و " مسجد الجامع " ، وهو عند أكثر الكوفيين من باب إضافة الشيء إلى نفسه . ثم قال : { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } [ أي ] فنزه ربك العظيم . وقيل معناه : فسبح بتسمية ربك العظيم .