Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 45-70)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ } إلى قوله : { فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } الآيات . أي إن أصحاب الشمال كانوا ( قبل ذلك ) في الدنيا منعمين بالحرام . ثم قال : { وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ } أي : يصرون على الشرك بالله ، قال الضحاك وقتادة والفراء وغيرهم ، أي : كانوا يتمادون عليه ولا يتوبون ( سبحانه عما يصفون ) منه ، ولا يستغفرون من شركهم بالله عز وجل . وقال مجاهد : { عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ } على الذنب العظيم ، وقاله ابن زيد ثم فسره ابن زيد فقال هو الشرك . وقيل هو قسمهم أن الله لا يبعث أحداً ، ودل على ذلك قوله بعده { وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } . ( أنكروا البعث ) فقيل لهم : { قُلْ إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } . أي إنكم وأباؤكم ومن بعدكم ، ومن قبل أبائكم لا بد من بعثكم يوم القيامة ومجازاتكم على أعمالكم . ثم قال : { ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضِّآلُّونَ ٱلْمُكَذِّبُونَ * لأَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ } . أي أنكم بعد البعث أيها الضالون عن الحق لأكلون من شجر جهنم ، وهي الزقوم . { فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } أي : من الشجرة ، أو من الشجر . ثم قال : { فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْحَمِيمِ } أي : على الزقوم من الحميم ، وهو الماء الذي قد بلغ في الحرارة . { فَشَارِبُونَ شُرْبَ ٱلْهِيمِ } / [ الهيمُ جمع أهيم ، وهي الإبل يصيبها داء فلا تروى من الماء ، وقد قيل الهيم ] جمع هائم وهائمة . قال ابن عباس شرب الهيم : شرب الإبل العطاش . وقال عكرمة هي الإبل المراض تمص الماء معا ولا تروى ، وعنه أنها الإبل يأخذها العطش ، فلا تزال تشرب حتى تهلك . ( وقال الضحاك ) الهيم : الإبل العطاش تشرب فلا تروى يأخذها داء يقال له الهيام . وقال ابن عباس الهيم : الهيام من الأرض يعني الرمل . ثم قال : { هَـٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ ٱلدِّينِ } أي : هذا الذي وصف رزق هؤلاء يوم الجزاء . ثم قال : { نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ } أي : نحن خلقناكم يا مكذبون بالبعث ، ولم تكونوا شيئاً ، فهل لا تصدقون من أنشأكم أولاً ، أنه ينشئكم آخرا . ثم قال : { أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ * ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ ٱلْخَالِقُونَ } أي : أفرأيتم أيها المكذبون بالبعث ، المنكرون قدرة الله عز وجل على إحيائكم بعد موتكم هذه النطفة التي تمنون في أرحام نسائكم ، يقال ( أمنى ومنى ، وأمنى ) : أكثر . [ { ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ } أي : تخلقون ذلك المني حتى يصير فيه الروح ] . { أَم نَحْنُ ٱلْخَالِقُونَ } . ثم قال : { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ } أي : عجلناه على قوم وأخرناه عن قوم إلى وقت مسمى ، أي : منكم قريب الأجل ومنكم بعيد الأجل . { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } أي : في أجالكم لا يسبق متقدم فيتأخر ، ولا متأخر فيتقدم ، بل لا يتقدم أجل قبل وقته ولا يتأخر عن وقته . ثم قال : { عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَـٰلَكُمْ } . قال الطبري معناه : نحن قدرنا بينكم الموت على أن نبدل أمثالكم بعد موتكم فنحيي بأخرين من جنسكم . وقيل التقدير : وما نحن بمسبوقين / على / أن نبدل أمثالكم ، ( أي إن أردنا ) أن نبدل أمثالكم منكم لم يسبقنا إلى ذلك سابق . وقوله : { وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ } في أي : خلق شاء . وقيل : قردة وخنازير . وقيل يخلق لهم أبداناً للبقاء ، لأن هذه للفناء خلقت . وقيل معناه في عالم لا تعلمون ، أو في مكان لا تعلمون . وقيل المعنى : وننشئكم في غير هذه الصور ، فننشئ المؤمنين يوم القيامة في أحسن الصور وإن كانوا في الدنيا قبحاً ، وننشئ الكافرين في أقبح الصور وإن كان في الدنيا نبلاً . ثم قال : { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُولَىٰ فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ } أي : ولقد علمتم الأحداث الأول ، فلقد أحدثناكم ولم تكونوا شيئاً ، فهلا تذكرون فتعلمون أن من فعل ذلك قادر على إنشاء آخر متى شاء . وقال قتادة : ولقد علمتم النشأة الأولى ( بعد خلق ) آدم عليه السلام فلست تسأل أحداً من الناس إلا نبأك أن الله جل ذكره خلق آدم من طين . ثم قال : { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ } . أي أفرأيتم أيها الناس الحرث الذي تحرثونه أنتم تنبتونه وتصيرونه زرعاً أم نحن نجعله كذلك . وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تقل زرعت لكن قل حرثت " ، ثم تلا أبو هريرة الآية . ثم قال : { لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ / حُطَاماً } أي : لجعلنا الزرع هشيماً لا ينتفع به في مطعم ولا ثمر . ثم قال : { فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } أي : فظلتم تتعجبون مما نزل بكم وبزرعكم من المصيبة ، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة . وقال عكرمة معناه فظلتم تلاومون بينكم في تفريطكم في طاعة ربكم بما نزل بكم . وقال الحسن تفكهون : تندمون على ما سلف منكم من معصية الله جل وعز التي أوجبت عليكم العقوبة ، وروي مثل ذلك أيضاً عن قتادة . وقال ابن زيد تفكهون : تفجعون ، ومعنى فظلتم : فأقمتم . ثم قال : { إِنَّا لَمُغْرَمُونَ } أي : لمولع بنا ، قاله عكرمة ومجاهد . وعن مجاهد أيضاً لمغرمون : لملقون للشر . وقيل معناه لمعذبون ، والغرام عند العرب الهلاك والعذاب . ثم قال : { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } أي : [ مجدون لا حظ لنا ] . وقال قتادة : معناه : محارفون . ثم قال : { أَفَرَأَيْتُمُ ٱلْمَآءَ ٱلَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ } أي : أنتم أنزلتموه من السحاب إلى قرار الأرض ، أم نحن المنزلون . قال مجاهد : وقتادة وابن زيد المزن : السحاب . وقال ابن عباس المزن : السماء والسحاب ، وهو قول سفيان . ثم قال : { لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً } أي : جعلنا الماء مراً مالحاً فلا تشربون منه ولا تنتفعون به في زروعكم وكرومكم . { فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } أي : فهلا تشكرون الله على ما فعل بكم .