Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 1-10)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } إلى قوله : { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } الآيات . أي : كل ما دون الله من خلقه يسبح تعظيماً له وإقراراً بربوبيته وقيل التسبيح فيما لا ينطق هو ظهور أثر الصنعة فيه . وقيل : بل كل ما لا ينطق والله أعلم بتسبيحه ، ودل على ذلك قوله : { وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } [ الإسراء : 44 ] ولو كان تسبيح ما لا ينطق أثر الصنعة عليه لكان ذلك [ شيئاً ] يفقه ( ويعلم ظاهرا عندنا ) . وقيل : { سَبَّحَ } في هذا وما بعده من السور معناه " صلى " . وقوله : { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي : العزيز في انتقامه ممن عصاه الحكيم في تدبيره خلقه ، لا يدخل في تدبيره خلل . ثم قال : { لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ } . الآية . أي له سلطان ذلك كله ، فلا شيء فيهن يقدر على الامتناع منه ، يحيي ما يشاء من الخلق بأن يوجده كيف يشاء ، ويميت من يشاء من الأحياء بعد الحياة عند بلوغ الأجل الذي قدره الله له قبل أن يخلقه . { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي : ذو قدرة لا يمتنع عليه ما يريده من إحياء ميت وموت حي . ثم قال : { هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ وَٱلظَّاهِرُ وَٱلْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } : أي : هو الأول قبل كل شيء بغير حد ، والآخر بعد كل شيء بغير نهاية ، وهو الظاهر على كل شيء ، فكل شيء دونه ، وهو العالي فوق كل شيء ، فلا شيء أعلا منه ، والباطن في جميع الأشياء ، فلا شيء أقرب إلى شيء منه ، كما قال : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } [ ق : 16 ] يعني القرب بعلمه وقدرته وهو فوق عرشه . قال قتادة : " ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في أصحابه إذ ثار عليهم سحاب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم هل تدرون ما هذا ، قالوا الله ورسوله أعلم ، قال : هذا العنان ، هذا / راوي الأرض ( يسوقه ) الله إلى قوم لا يشكونه ولا يرجونه : ثم قال : هل تدرون ما التي فوقكم ؟ قالوا الله ورسوله أعلم . قال : فإنها الرقيع موج مكفوف وسقف محفوظ ، قال فهل تدرون كم بينكم وبينها ؟ قالوا الله ورسوله أعلم ، قال مسيرة خمس مائة عام قال هل تدرون ما فوق ذلك ، ( قالوا مثل ذلك ) قال فوقها سماء أخرى ( وبينها خمس مائة عام ) ثم قال مثل ذلك حتى ذكر سبع سماوات ، ثم قال هل تدرون ما فوق ذلك ، قالوا مثل ذلك ، قال فإن فوق ذلك العرش وبين السماء السابعة وبينه مثل ما بين السمائين ، ثم قال هل تدرون ما التي تحتكم ؟ قالوا الله ورسوله أعلم . قال فإنما الأرض ثم قال مثل ذلك إلى سبع أرضين ، وذكر أن بين كل أرض وأرض مسيرة خمس مائة عام ، ثم قال والذي نفسي بيده لو دلى أحدكم بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله تعالى ، ثم قرأ { هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ } الآية " . وقال ابن عباس ظهر فوق الظاهرين بقهره المتكبرين . وقيل معنى " الظاهر والباطن " / : يعلم ما ظهر وما بطن ، ومنه ظهر الإنسان وبطنه ، لأن الظهر غير ساتر ، والبطن ساتر ، ومنه الظهير وهو العوين على الأشياء حق ( يستعلي ) عليها ، ويعين " وظهير " أي : قوي . ومنه صلاة الظهر لأنها أول ما ظهرت من الصلوات . وقيل الظهر والظهيرة : شدة الحر ، فسميت الصلاة بالظهر لأنها اسم الوقت الذي تكون فيه ، ومنه : ظهرت على فلان : أي قهرته . وقوله : { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أي : لا يخفى عليه شيء ظهر ولا بطن في السماء ولا في الأرض كبر أو صغر . ثم قال : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } . أي : ابتدع ذلك وأنشأه في ستة أيام ، مقدار كل يوم ألف عام . { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } أي : ارتفع وعلا ارتفاع قدرة وتعظيم وجلالة ، لا ارتفاع نقلة . ثم قال : { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } : أي : ما يدخل فيها من الماء وغيره . { وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } أي : من النبات وغيره . { وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } أي ينزل منها إلى الأرض من القطر وغير ذلك . { وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } أي : ما يصعد إليها من الأعمال والملائكة وغير ذلك ، لا تخفى عليه خافية في السماوات ولا في الأرض . { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي : بصير بأعمالكم يحصيها عليكم حتى يجازيكم بها يوم القيامة . ثم قال : { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } قال سفيان الثوري : علمه . ثم قال : { لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي : له سلطان ذلك وملكه . { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي : إليه ترد الأمور يوم القيامة فيقضي بين خلقه بحكمه وعدله . ثم قال : { يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ } أي : يدخل هذا في هذا وإذا في ذا أي ما نقص من هذا زاد في ذا . ثم قال : { وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } أي : هو ذو علم بضمائر صدور عباده ، وما عزمت عليه نفوسهم من خير وشر ، وفي الحديث أن الدعاء يستجاب بعد هذه ( الآيات البينات ) . ثم قال : { آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } . أي صدقوا بتوحيد الله وكتبه ورسله ، وأنفقوا في سبيل الله مما خولكم وأورثكم عن من كان قبلكم ، فجعلكم خلفاً فيه ، ( أي فالذين آمنوا ) . صدقوا وأنفقوا في سبيل الله لهم أجر كبير ، أي : الجنة . ثم قال : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ } الآية . أي وأي شيء لكم في ترك الإيمان بالله ، والرسول يدعوكم بالحجج والبراهين لتؤمنوا بربكم ، لتصدقوا محمداً صلى الله عليه وسلم فيما جاءكم به . ثم قال : { وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ } . أي أخذ الله عز وجل ميثاقكم في صلب آدم عليه السلام إذا قال لكم ألست بربكم ، فقلتم بلى . وقوله : { إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } . أي إن كنتم تريدون أن تؤمنوا يوماً من الأيام بالله ، فالآن أحرى الأوقات أن تؤمنوا به لتتابع الحجج عليكم . وقيل معناه : إن كنتم عازمين على الإيمان فهذا أوانه لما خطر لكم من البراهين والدلائل . ثم قال : { هُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } . يعني القرآن . { لِّيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } . أي من الكفر إلى الإيمان . وقيل معناه : من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان . ثم قال : { وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } / . أي لذو رأفة ورحمة بكم ، ومن رأفته ورحمته أنزل الله عليكم آيات بينات يخرجكم بها من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان . ثم قال : { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } الآية . أي : أي عذر لكم في ترك الإنفاق في سبيل الله وأنتم خلف الموت فتخلفون ما تبخلون به ويورث بعدكم ، ثم يخلفه من ورثه عنكم فيعود الميراث إلى الله عز وجل . وحضهم على الإنفاق في سبيل الله ليكون ذلك ذخراً لهم عنده من قبل أن يموتوا فلا يقدرون ، وتصير الأموال ميراثاً لمن له ميراث السماوات والأرض وهو الله جل ذكره . ثم قال : { لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَاتَلَ } . أي من قبل فتح مكة ، وهاجر وقاتل في سبيل الله عز وجل قاله مجاهد وقتادة ، أي : لا يستوي في الأجر والفضل من هاجر قبل الفتح وأنفق وقاتل مع من هاجر من بعد ذلك وقاتل وأنفق . قال قتادة : كان قتالان أحدهما أفضل من الآخر ، وكانت نفقتان إحداهما أفضل من الأخرى ، كانت النفقة والقتال من قبل فتح مكة أفضل منهما بعد الفتح ، وكذلك قال زيد بن أسلم . وقال الشعبي الفتح هنا فتح الحديبية ، فالذين أنفقوا وقاتلوا قبل فتح الحديبية أعظم درجة من الذين أنفقوا وقاتلوا بعد ذلك . وهذا القول اختاره بعض العلماء ، لأن الخدري روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يوم فتح الحديبية يأتي أقوام يحقرون أعمالكم مع أعمالهم قالوا يا رسول الله أمن قريش هم ؟ قال لا ، هم أهل اليمن أرق أفئدة وألين قلوباً ، قلنا يا رسول الله أهم خير منا . قال لو أن لأحدهم جبل / ذهباً ثم أنفقه ما بلغ ( مد أحدكم ولا نصيفه ) هذا فضل ما بيننا وبين الناس ، لا يستوي منكم من أنفق قبل الفتح وقاتل إلى قوله { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } " . ثم قال : { وَكُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ } أي : والذين أنفقوا من قبل ومن بعد وقاتلوا كلهم وعدهم الله الجنة . ثم قال : { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } أي : بما تعملون من النفقة في سبيل الله وقتل أعدائه وغير ذلك من أعمالكم ، ذو خبر وعلم ، لا يخفى عليه شيء من ذلك .