Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 58, Ayat: 14-22)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم } الآيات . أي : ألم تنظر بعين قلبك يا محمد فترى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم . يعني : المنافقين والوا اليهود ، ما هم منكم [ ولا منهم ] ، أي : ما المنافقون من أهل دينكم ولا من أهل دينهم ، وهذا مثل قوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } [ الحشر : 11 ] الآية . وهو مثل قوله أيضا : { فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } [ المائدة : 52 ] أي : نفاق { يُسَارِعُونَ فِيهِمْ } [ المائدة : 52 ] أي : في موالات اليهود { يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ } [ المائدة : 52 ] يعني المنافقين يقولون ذلك . قال ابن زيد هؤلاء المنافقون قالوا لا ندع حلفاءنا وموالينا فيكونون معنا لنصرتنا وعزنا ، نخشى أن تصيبنا دائرة ، فقال الله جل ذكره : { فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِٱلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ } [ المائدة : 52 ] الآيات . وقوله { وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أي : يحلفون للنبي صلى الله عليه وسلم أنهم يشهدون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهو قوله : { إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } [ المنافقون : 1 ] أي : لكاذبون في ادعائهم أن ذلك إيمان من قلوبهم وإقرار صحيح ، إنما ذلك قول بألسنتهم واعتقادهم خلاف ذلك ، وهذا مثل قوله : { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } [ البقرة : 14 ] وذكر هذه الآية نزلت في رجل من المنافقين عاتبه النبي صلى الله عليه وسلم في أمر بلغه عنه ، فحلف كاذباً . وقال ابن عباس : " كان النبي صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة قد كاد الظل يتقلص عنه ، إذ قال يجيئكم الساعة رجل ينظر إليكم نظر شيطان ، فنحن على ذلك إذ أقبل رجل أزرق ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال علام تسبني أنت وأصحابك ؟ فقال دعي أجيئك بهم فمر فجاء بهم فحلفوا جميعا أنه ما كان من ذلك شيء ، فأنزل الله : { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ } الآية " . ثم قال : { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً } أي : لهؤلاء المنافقين الذين تولوا اليهود . { إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي : بئس عملهم في الدنيا لغشهم للمسلمين ونصحهم اليهود . ثم قال : { ٱتَّخَذْوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً } أي : جعلوا حلفهم جنة يمتنعون بها من القتل ، ويدفعون بها عن أنفسهم وأموالهم وذراريهم العقوبة ، وذلك أنه إذا اطلع على شيء من نفاقهم حلفوا للمؤمنين انهم منهم ، فيتركون . ثم قال : { فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي : فصدوا المؤمنين بإيمانهم عن أن يقتلوهم ، وقتلهم هو سبيل الله فيهم ، لأنهم كفار لا يؤدون الجزية . ثم قال : { فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } أي : فلهؤلاء المنافقين في الآخرة عذاب مذل ، وهو عذاب النار . ثم قال : { لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي : لن ينتفعوا بها في الآخرة من عقوبة الله / لهم ولن ينقذوا بها من عذاب الهم . { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } يعني : المنافقين إنهم ماكثون أبداً في نار جهنم . ثم قال : { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ [ لَكُمْ ] } أي : هم ماكثون في النار / يوم يبعثهم الله جميعاً ، وذلك يوم القيامة . ويجوز أن يكون تقدير العامل : اذكر يوم يبعثهم الله من قبورهم فيحلفون لله وهم كاذبون كما يحلفون للمؤمنين وهم كاذبون . قال قتادة : إن المنافق حلف يوم القيامة كما حلف في الدنيا . ثم قال { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ } أي : ويظنون أنهم في أيمانهم وحلفهم لله كاذبين على شيء من الحق . { أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } أي : في حلفهم . وأجاز علي بن سليمان " ألا أنَهم " بالفتح ، فجعل " ألا " بمعنى " حقا " . ثم قال : { ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ } أي : غلب عليهم واستولى على قلوبهم فنسوا ذكر الله . { أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ } أي : جنده وأتباعه . { أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ } [ أي : جنده وأتباعه هم ] الهالكون المغبونون في الآخرة . ثم قال : { إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي : يخالفونه في حدوده ، فيصيرون في حد آخر غير الذي حد لهم . وقال المفسرون يحادون : يعادون . وقيل يشاقون ، والمعنى واحد . ثم قال : { أُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلأَذَلِّينَ } أي : في أهل الذلة ، لأن الغلبة لله ورسوله . ثم قال تعالى : { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ } أي : قضى ذلك في أم الكتاب . قال قتادة : كتب كتاباً فأمضاه . وقال غيره : كتبه في اللوح المحفوظ . وقال الفراء " كتب " هنا بمعنى : " قال " . ثم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } أي : ذو قوة على كل من حاده ورسوله أن يهلكه ، عزيز في انتقامه من أعدائه . ثم قال : { لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي : ليس من والى من عادى الله ورسوله مؤمنين بالله واليوم الآخر . ولو ( كان الذي ) عادى الله ورسوله أباً له أو ابناً له أو أخاً له أو زوجاً أو عشيرة له ، لا عذر في موالاته بهذه القرابة إذا كان ممن عادى الله ورسوله . وروي أن هذه الآية / " نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخروج النبي صلى الله عليه وسلم ويأمرهم بالتحرز ثم أعتذر لما اطلع عليه بأهله بمكة ، وأنه أحب أن يقدم عندهم يداً يحفظون أهله من أجلها . وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم لا تجعل لأحد أشرك بك في عنقي منة فيكون ذلك سببا للمودة لأنك لا تجد قوما يؤمنون بالله [ واليوم ] إلى أو عشيرتهم " . ثم قال : { أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ } أي : أولئك الذين لا يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا ذوي قربى منهم ونسب ، كتب الله عز وجل في قلوبهم الإيمان ، ( أي : غطى قلوبهم بالإيمان ) . و " في " بمعنى " اللام " والإخبار عن القلب كالأخبار عن صاحبه … وقيل معناه : كتب في قلوبهم سمة الإيمان ليعلم أنهم مؤمنون . وقد روي أن أبا عبيدة بن الجراح قتل أباه يوم أحد . وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل خاله العاصي بن هشام يوم بدر ، ودعا أبو بكر ابنه للبراز يوم بدر فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقعد ، وأن مصعب بن عمير قتل أخاه يوم أحد . وكان علي وعمه حمزة وعبيدة بن الحارث قتلوا يوم بدر عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وهم أقرباؤهم ، ( فلم يتوقف ) أحد عن قتل أهله وقرابته ، فمدحهم الله عز وجل في هذه الآية . ثم قال { وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ } أي : وقواهم ببرهان منه . وذلك النور والهدى الذين يجعلها الله عز وجل في قلب من يشاء . وقيل بروح منه : بجبريل ينصرهم ويؤيدهم ويوقفهم . ثم وعدهم بالجنة . فقال : { وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا } أي : ماكثين فيها رضي الله عنهم بطاعتهم إياه ورضوا عنه بوفائه إياهم ما وعدهم من الجنة . ثم قال : { أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ } أي : جنده وأولياؤه . { أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } أي : الباقون في النعيم المقيم والفلاح والبقاء .