Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 58, Ayat: 6-13)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ } إلى قوله { وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } الآيات . أي : اذكر يا محمد يوم يبعثهم الله جميعاً ، ويجوز أن يكون العامل " مهيناً " فلا يوقف عليه أي : وللكفارين بحدود الله عذاب مهين في يوم يبعثهم الله جميعاً ، وذلك يوم القيامة يبعثون من قبورهم ليخبرهم الله بما عملوا في الدنيا ، أحصى الله أعمالهم فنسوها . { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } أي : هو شهيد على كل شيء عملوه ، أي : شاهد على ذلك ، محيط علمه بذلك . ثم قال : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي : ألم تعلم يا محمد وتنظر بعين قلبك أن الله لا يخفى عليه شيء في السماوات والأرض ، فكيف يخفى عليه أعمال هؤلاء الكفارة . وقوله { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } " ثلاثة " بدل من " نجوى " على اللفظ ، " ونجوى " بمعنى متناجين ، ويجوز أن يكون " نجوى " مضافة إلى ثلاثة { إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } ، ونجوى بمعنى : ( سر ، أي : من سر ثلاثة ) ، وقد يجوز رفع " ثلاثة " على البدل من موضع " نجوى " ، ويجوز نصبه على الحال من المضمر في " نجوى " . وفي حرف عبد الله : ولا أربعة إلا هو خامسهم ، وفيه أيضا إلا الله رابعهم . { وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ } إلا الله معهم إذا تناجوا . وهذه قراءة على التفسير لا يجوز أن يقرأ بها لمخالفتها للمصحف . وقرأ أبو جعفر يزيد " ما تكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاَثَةٍ " بالتاء على تأنيث النجوى ، كما تقول ما جاءتني من امرأة . وقرأ الحسن ولا أكثر بالرفع ، عطف على الموضع . ومعنى هو رابعهم وهو سادسهم أي : هو شاهدهم بعلمه وهو على عرشه قاله الضحاك وغيره . ثم قال { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } أي : ألم تنظر ( بعين قلبك يا محمد ) إلى الذين نهوا عن النجوى من اليهود ، ثم يعودون إلى النجوى بعد نهي ( الله عز وجل لهم ) عنها ، ويتناجون بينهم بالإثم والعدوان ومعصية الرسول . قال مجاهد : هم اليهود . وقيل هم المنافقون كان " النبي صلى الله عليه وسلم يأمرهم بالأمر من أمر الله تعالى ، فيقولون سمعا وطاعة ، ثم يتحول بعضهم إلى بعض فيتناجون بخلاف ما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى أسرفوا ، والله يمهلهم حتى قالوا لولا يعذبنا الله بما نقول ، فكانوا يحيون النبي عليه السلام بغير تحية الإسلام ، فأنزل الله عز وجل { حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا } " . ثم قال { وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ } [ أي : وإذا جاءك هؤلاء الذين نهوا عن النجوى ولم يقبلوا النهي حيوك بما لم يحيك به الله ] . يقولون : السلام عليكم . قالت عائشة رضي الله عنها : " جاء ناس من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم / فقالوا : السلام عليك يا أبا القاسم فقلت : السلام عليكم فعل الله بكم وفعل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله لا يحب الفحشاء / ولا التفحش ، فقلت : يا رسول الله ألست ترى ما يقولون ؟ فقال : ألست تراني أرد عليهم ما يقولون ، أقول : وعليكم ، فنزلت هذه الآية في ذلك " . ثم قال : { وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ } أي : يقول هؤلاء الذين يحيونك بما لم يحيك به الله هلا يعاقبنا الله بقولنا . وقال ابن زيد السام : الموت . قال قتادة : ومجاهد : هم اليهود . وعن ابن عباس أنهم المنافقون . ثم قال : { حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } أي : كفاهم دخولهم جهنم يوم القيامة عقوبة لهم فبئس المنقلب والمرجع ، فلا يستعجلوا العذاب والعقوبة بقولهم : " لولا يعذبنا الله بما نقول " . ثم قال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ } أي : لا تفعلوا ذلك كما فعله المنافقون ، ولكن تناجوا بالبر والتقوى ، أي : بطاعة الله عز وجل ، وما يقربكم إليه سبحانه وأداء ما كلفكم من فرائضه ( جلت عظمته ) . { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } أي : وخافوا الله الذي إليه مصيركم في معادكم أن تخالفوا طاعته ثم قال : { إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } . قال قتادة : كان المنافقون يتناجون بينهم فكان ذلك يغيظ المؤمنين وتكبر عليهم ، فانزل الله عز وجل هذه الآية . ثم أعلمهم أن ذلك لا يضرهم فقال : { وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً } أي : ليس تناجي المنافقين فيما بينهم بضار للمؤمنين إلا بإذن الله . { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } قال ابن زيد : كان الرجل يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسأله الحاجة ليرى الناس أنه قد ناجى النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع من ذلك أحداً ، قال : والأرض يومئذ حرب على أهل هذا البلد ، وكان إبليس يأتي القوم فيقول لهم : إنما يتناجون في أمور قد حضرت وجموع قد جمعت لكم ، فقال الله عز وجل : { إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ } الآية . وقال عطية العوفي هي الأحلام التي يراها الإنسان في نومه فتحزنه . ثم قال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ } أي : إذا قيل لكم توسعوا في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوسعوا يوسع الله عليكم في منازلكم في الجنة . قال مالك : [ نزلت ] في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كل رجل منهم يسر بقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلسه فيمنعه ذلك من التفسح لأخيه . قال مالك وأرى مجالس العلم من ذلك وهي داخلة في الآية . { وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ } أي : ارتفعوا وانضموا ، فانضموا يرفع الله الذين آمنوا منكم في درجات وقيل المعنى : وإذا قيل ارتفعوا إلى قتال عدوكم فقوموا إلى ذلك أو لصلاة أو لعمل خير فقوموا ، قاله ابن عباس ومجاهد . وقال الحسن : هذا كله في الغزو . وقال قتادة : معناه : إذا دعيتم إلى خير فأجيبوا . وقال ابن زيد معناه : وإذا قيل [ لكم ] ارتفعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن له حوائج فارتفعوا عنه . يقال نشز : إذا تنحى عن موضع ، وامرأة ناشزة [ أو ] متنحية عن زوجها ، وأصله من النشز ، والنشز هو ما ارتفع من الأرض . قال قتادة : هو مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم [ كانوا إذا رأوا من جاءهم مقبلاً ضيقوا مجلسهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ] ، فأمرهم الله عز وجل أن يفسح بعضهم [ لبعض ] . وقال الضحاك : كان هذا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ومن حوله أمروا أن يتوسعوا حتى يصيب كل رجل منهم مجلساً من النبي صلى الله عليه وسلم . قال قتادة : كانوا يتنافسون في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمروا بالتفسح . وقال ابن عباس : عني به مجالس القتال إذا اصطفوا للحرب ، وقاله الحسن . ثم قال : { يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [ أي ] : درجات في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به . وقيل يرفعهم في الثواب والكرامة . وقيل يرفعهم على غيرهم ممن لا علم عنده في الفضل . وقيل الدرجات هنا للعلماء خاصة . / قال ابن مسعود : معناه : يرفع الله الذين آمنوا منكم ، ويرفع الله / الذين أوتوا العلم درجات على الذين آمنوا ولا علم عندهم . قال مطرف : فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة . وخير دينكم الورع . ثم قال : { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } أي : ذو خبر بأعمالكم كلها لا يخفى عليه المطيع ربه من العاصي له ، فيجازي كلاً بما عمل . / ثم قال { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً } نهى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يناجوه حتى يتصدقوا ، تعظيما له ، فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب بعد أن قدم صدقة دينار ، ثم نسخ ذلك بما بعده ، فرخص لهم أن يناجوه من غير تقديم صدقة . قال علي : إن في كتاب الله لآية لم يعمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي ، كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم فكنت إذا ناجيت رسول الله تصدقت بدرهم فنسخت . قال قتادة : سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوا في المسألة فقطعهم الله بهذه الآية ، فكان الرجل تكون له الحاجة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يستطيع أن يقضيها حتى يقدم بين يديه صدقة ، فاشتد ذلك [ عليهم ] ؛ فأنزل الله عز وجل الرحمة في قوله { ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ } الآية . وقال ابن عباس : كان المسلمون يقدمون بين يدي النجوى صدقة ، فلما نزلت الزكاة نسخت هذا . ( وروي عن ابن عباس ) أنه قال : كان المسلمون يكثرون المسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شقوا عليه ، فأراد الله عز وجل أن يخفف عن نبيه عليه السلام ، فصبر كثير من الناس وكفوا عن المسألة ، ثم وسع الله عليهم بالآية التي بعدها / . قال ابن زيد : ضيق الله عليهم في المناجات لئلا يناجي أهل الباطل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فشق ذلك على أهل الحق ، فقالوا يا رسول الله لا نستطيع ذلك ولا نطيقه ، فنزل التخفيف . قال قتادة : ما قامت إلا ساعة من نهار ثم نسخت . ومعنى أشفقتم : أشق ذلك عليكم ، ولا يوصف الله عز وجل بالإشفاق ، لا يقال يا شفيق . لأن أصله الحزن والخوف .