Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 59, Ayat: 16-24)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ } إلى آخر السورة الآيات . قد ذكرنا الكاف في { كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } والمعنى : مثل هؤلاء المنافقين في وعدهم اليهود بالنصر ، وإخلافهم إياهم وتبريهم منهم لما أجلوا من ديارهم ، كمثل الشيطان الذي غر الإنسان ووعده على كفره النصر ثم تبرأ منه لما كفر وأسلمه . روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : " إن راهباً تعَبَّد ستين سنة وأن الشيطان أراده وأعياه ، فعَمَد إلى امرأة فأجَنَّها ولها إخوة ، فقال لإخوتها عليكم بهذا القس فيداويها ، قال فجاءوا به إليها فداواها ، وكانت عنده ، فبينما هو يوماً عندها إذ أعجبته فأتاها فحملت ، فعمد إليها فقتلها ، فجاء إخوتها ، فقال الشيطان للراهب أنا صاحبك ، إنك أعييتني ، أنا صنعت هذا بك ، فأطِعني أُنجك ممّا صنعت بك ، أسجد لي سجدة ، فسجد [ له ] ، فلما سجد له / قال : { إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } . / وعن ابن مسعود أنه قال : كانت امرأة ترعى غنماً ، وكان لها أربعة إخوة ، وكانت تأوي بالليل إلى صومعة راهب ، فنزل الراهب ففجر بها ، فحملت ، فأتاه الشيطان فقال : اقتلها ثم ادفنها ، فإنك رجل مصدق يقبل قولك ، فقتلها ثم دفنها . قال : فأتى الشيطان إخوتها في المنام ، فقال لهم : إن الراهب صاحب الصومعة فجر بأختكم ، فلما أحبلها قتلها ثم دفنها في مكان كذا وكذا ، فلما أصبحوا قال رجل منهم : والله لقد رأيت البارحة رؤيا ما أدري أقصها عليكم أم أترك ، فقالوا : لاَ بَلْ قُصَّها علينا ، فَقَصَّهَا ، فقال الآخر : وأنا والله لقد رأيت ذلك ، وقال الآخر مثل ذلك ، فقالوا : والله ما هذا إلا لشيء . فانطلقوا فاستعدوا ملكهم على ذلك الراهب ، فأتوه فأنزلوه ثم انطلقوا به ، فلقيه الشيطان ، فقال : إني أنا الذي أوقعتك في هذا ولن ينجيك منه غيري ، فاسجد لي سجدة واحدة وأنجيك مما أوقعتك فيه ، قال : فسجد له . فلما أتوا ملكهم تبرأ منه وأخذ فقتل . وقول الشيطان : { إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ ( رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ ) } إنما هو على طريق التبرؤ من الإنسان ، لأنه لا يخاف الله على الحقيقة ، لأنه لو خافه ما عصاه ، ولو خافه لكان ذلك مدحاً له . وعن ابن عباس : أن راهباً من بني إسرائيل تعبد فأحسن عبادته ، وكان يُؤتى من كل أرض فيُسأل عن الفقه ، وكان عالماً ، وأن ثلاثة أخوة كانت لهم أخت حسنة من أحسن النساء ، وأنهم أرادوا سفراً ، فكبر عليهم أن يخلفوها ضائعة ، فجعلوا يأتمرون ما يفعلون بها ، فقال أحدهم أنا أدلكم على من تتركونها عنده ، قالوا من هو ، قال راهب بني إسرائيل إن ماتت قام عليها وإن عاشت حفظها حتى ترجعوا إليها ، فعمدوا إليه ، فقالوا : إنا نريد السفر ، ولا نجد أحداً أوثق منك في أنفسنا ، ولا أحفظ لها ولي منك ولما جعل عندك فإن رأيت أن نجعل أختنا عندك ، فإنها ضائعة شديدة الوجع ، فإن ماتت فقم عليها ، وإن عاشت فأصلح إليها حتى نرجع . فقال : أكفيكم إن شاء الله ، فانطلقوا وقام عليها فداواها حتى برئت وعاد إليها حسنها ، فأطلع إليها فوجدها متصنعة ، فلم يزل به الشيطان يزين له أن يقع عليها حتى وقع عليها ، فحملت ثم قدمه الشيطان ، فزين له قتلها وقال : إن لم تقتلها افتضحت وعُرِف شبيهك في الولد ، فلم تكن لك معذرة فلم يزل به حتى قتلها . فلما قدم إخوتها قالوا له : ما فعلت فلانة قال ماتت فدفنتها قالوا أحسنت ، ثم جعلوا يرون في المنام ويخبرون أن الراهب هو قتلها ، وأنها تحت شجرة كذا وكذا ، فعمدوا إلى الشجرة فوجدوها تحتها قد قتلت ، فعمدوا إليه فأخذوه ، فقال له الشيطان : أنا زينت لك الزنا ( وقتلَها بعد الزنى ) ، فهل لك أن أنجيك ، قال : نعم ( قال : أفتطيعني ؟ قال : نعم ) قال : فاسجد لي سجدة واحدة ، فسجد له ثم قتل . وقال مجاهد : الإنسان هنا عنى به الإنسان كلهم في غرور الشيطان إياهم وتبريه منهم ، كما غر المنافقون اليهود ووعدوهم بالنصر ، ثم ( تبرءوا ) منهم وأسلموهم . ثم قال تعالى / : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } . أي اتقوه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ، ولينظر أحدكم ما قدم لمماته من العمل الصالح والعمل السيء . قال قتادة : ما زال ربكم يقرب الساعة حتى جعله كغد ، فغد يوم القيامة . وقاله الضحاك وابن زيد وقالا : الأمس الدنيا ، وغداً الآخرة . ثم قال : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي وخافوه بإداء فرائضه واجتناب معاصيه ، إنه ذو خبر بجميع أعمالكم ، فيجازيكم عليها ، وكرر هذا اللفظ للتأكيد . ثم قال : { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ } أي تتركوا أمره ونهيه ، فتعدوا حدوده . { فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ } أي أنساهم حظوظ أنفسهم / من عمل الخيرات ، فعلى هذا القول الأول يكون النسيان الأول من الترك ، والثاني من النسيان المعروف ، وقيل مما من الترك ، والمعنى تركوا أمر الله فتركه ثوابهم ، وهو عند بعض أهل اللغة غلط ، لا يقال أنسي عن الترك ، وإنما يصح مثل هذا في قوله { نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [ التوبة : 67 ] . وقيل معنى فأنساهم ( وجدهم كذلك ) ، كما يقال أحمدته ، فيكون " أنفسهم " على هذا تأكيداً ، وعلى قول الأول مفعولاً به . ثم قال { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } أي الخارجون عن طاعة الله ( عز وجل ) . ثم قال { لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } أي لا يعتدلون في الجزاء وفي النعيم . { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ } أي الناجون مما حذروا . { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا } أي : فكانت عقبى الشيطان والإنسان : الخلود في نار جهنم . { وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } أي : فالخلود في النار جزاء الظالمين المنافقين واليهود [ من ] بني النضير ومن كان مثلهم . والنصب في " خالدين " والرفع سواء عند سيبويه ، لا يغلب النصب على الرفع لأجل تكرير الظرف . ومذهب الفراء أن النصب أحسن ، لئلا يلغى الظرف مرتين . وألزم سيبويه من اعتل بتكرير الظرف أن يجيز النصب في قوله " عَلَيْكَ زَيْدٌ حَرِيصٌ عَلَيْكَ " فينصب حريص لتكرير الظرف ، وهذا لا يجوز . / ثم قال : { لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } . أي : لو أنزل الله عز وجل هذا القرآن على جبل وهو حجر أصم لرأيته يا محمد على قساوته وشدته متذللاً متضرعاً حذراً من ألا يؤدي حق الله عز وجل المفترض عليه ، وقد أنزل على ابن آدم وَمعه فهم وإدراك وهو مستخف بحقه لاه عما فيه . قال / قتادة : فعذر الله عز وجل الجبل الأصم ولم يعذر أشقياء بني آدم ، فهل رأيتم أحداً تصدعت جوارحه من خشية الله سبحانه . وقيل : المعنى : لو أنزلنا هذا القرآن ( على جبل ) على عظمته وشدته وجعلنا فيه ما يميز : لذل وخضع . ثم قال : { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } أي : نمثل لهم لعلهم يتفكرون فيها فيعتبروا ويزدجروا . ثم قال : { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } أي : ( الذي يتصدع الجبل له ويذل من خشيته ) هو الله الذي لا معبود تجب له العبادة غيره ، يعلم السر والجهر وما غاب وما ظهر ، وهو الرحمن الرحيم . ثم قال : { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي : لا معبود بحق غيره . { ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ } أي : الذي لا ملك فوقه ، والقدوس في قول قتادة : المبارك . وقيل : { ٱلْقُدُّوسُ } القدوس : المطهر مما نسبه إليه المشركون ( والقدس : الطهر ) . والأرض المقدسة : المطهرة . وقرأ أبو الدينار الأعرابي : القَدوس بفتح القاف كسَمُّور وشَبُّوط . وقوله : { ٱلسَّلاَمُ } أي : ذو السلامة من جميع الآفات . وقوله : { ٱلْمُؤْمِنُ } أي : الذي أَمِن عباده من جَوره . وقيل : معناه : الذي يصدق عباده المؤمنين إذا شهدوا على الناس . وقوله : { ٱلْمُهَيْمِنُ } قال ابن عباس : هو الأمين ، وعنه : الشهيد . وقال أبو عبيدة : الرقيب الحفيظ . وقال المبرد : أصله المؤيمن ثم أبدل من الهمزة هاء . وقوله : { ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ } أي : ذو العزة والمنع ، الذي يجبر خلقه على ما يشاء من " أجبر " ، وهذا قول مردود ، لأن " فعالاً " لا يكون من " أفعل " ولكنه من " جَبَرَ الله خلْقَه : إذا نَعَشَهُم " . وقيل : هو من جبرت العظم : فجبر . وقيل : هو من تجبر النخل : إذا علا وفات اليد . وقوله : { ٱلْمُتَكَبِّرُ } معناه العلي فوق خلقه . وقال قتادة : المتكبر : تكبر عن كل سوء . وقوله : { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي : تنزيهاً / له ، وبراءة مما يقول المشركون . ثم قال : { هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَالِقُ ٱلْبَارِىءُ } أي : هو الله الذي خلق الخلق ، وبرأهم فأوجدهم . { ٱلْمُصَوِّرُ } أي : الذي صورهم في الأرحام كيف يشاء . وقيل : معنى خلق الخلق : قدره وبرأهم : سواهم وعدلهم ، وصورهم بعد ذلك . ثم قال : { لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } وهي تسعة وتسعون اسماً قد اختلف الناس فيها . ثم قال : { يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي : يصلي ويسجد له طوعاً وكرهاً كل ما في السماوات والأرض من الخلق . { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي : العَزِيزُ في انتقامه من أعدائه ، الحكيم في تدبيره خلقه ، وقيل حكيم بمعنى حاكم ، وقيل بمعنى محكم .