Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 59, Ayat: 8-15)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ } إلى قوله : { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } الآيات . أي ولكن يكون ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى للفقراء المهاجرين ، يعني مهاجرة قريش . قال مجاهد : / جعل / الله عز وجل ما أفاء الله على رسوله من قريظة لمهاجرة قريش الذين أخرجهم المشركون من ديارهم وأموالهم ، فخرجوا ملتمسين فضلاً ، أي : ثوابا من الله ورضونا منه عليهم ، وناصرين دين الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم . { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } أي : صدقوا في فعلهم وقولهم . ثم قال : { وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ } أي : الذين سكنوا الدار ، وهي المدينة ، أي : اتخذوها مسكناً ، واتخذوا الإيمان دينا من قبل إتيان المهاجرين ، يعني الأنصار يحبون من هاجر إليهم ، يعني من مكة وغيرها . ثم قال : { وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ } أي : ولا يجد الأنصار في قلوبهم حسداً مما أعطي المهاجرون دونهم من الفيء . روي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني النضير بين المهاجرين الأولين دون / الأنصار إلا رجلين من الأنصار أحدهما سهل بن حنيف والآخر أبو دجانة سماك بن خرشة ذكرا فقراً فأعطاهما النبي صلى الله عليه وسلم لفقرهما ، وإنما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن الله كان قد أعطاه أموالهم يفعل فيها ما يشاء ، وقد تقدم ذكر ذلك ، قاله عبد الله بن أبزى . وقال ابن زيد : " لما خص رسول الله صلى الله عليه وسلم بأموال بني النضير المهاجرين الأولين ، تكلم في ذلك بعض الأنصار ، فعاتبهم الله عز وجل ، فقال : { وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ } " الآية . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم ، فقالوا أموالنا بينهم قطائع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو غير ذلك قالوا وما ذلك يا رسول الله قال هم قوم لا يعرفون العمل فتكفونهم وتقاسمونهم الثمر فقالوا نعم يا رسول الله " . قال الحسن : { وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ } [ يعني الحسنة . ثم قال تعالى : ] { وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } هذا من صفة الأنصار ، وصفهم الله عز وجل أنهم يعطون المهاجرين أموالهم إيثاراً لهم بها على أنفسهم . { وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } أي : يؤثرون المهاجرين على أنفسهم بما عندهم ، وإن كان بهم فاقة وحاجة . روى أبو هريرة : " أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليضيفه ، فلم يكن عنده ما يضيفه ، فقال ألا رجلاً يضيف هذا رحمه الله ، فقام رجل من الأنصار يقال له أبو طلحة فأنطلق به إلى رحله فقال لامرأته أكرمي ضيف رسول الله ، نومي الصبية أطفئي المصباح وأريه أنك تأكلين معه ، واتركيه لضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم براً له ، قال : ففعلت فنزلت : { وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } " . ثم قال : { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } . أي : ومن وقاه الله عز وجل شح نفسه ، فهو من الباقين المخلدين في الجنة . والشح في اللغة : البخل ومنع الفضل من المال . وقيل : الشح هنا : أكل أموال الناس بغير حق ، قاله ابن مسعود . وروى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بَرِئَ من الشح من أدى الزكاة [ وقرى ] الضيف وأعطى في النائبة " . ثم قال : { وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَانِ } . أي والذين جاؤوا من بعد الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبل المهاجرين الأولين ، يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا [ بالإيمان ] من الأنصار وغيرهم . { وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ } أي : غمراً وضغناً ، يعني به الذين أسلموا من بعد الذين تبوءوا الدار . قال قتادة : ذكر الله جل ذكره الطائفة الثالثة فقال : { وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ … } الآية . ثم قال : أُمِروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمروا بسبهم . وقيل المعنى : والذين جاءوا من بعد المهاجرين والأنصار . قال ابن أبي ليلى كان الناس / على ثلاث منازل : ( المهاجرون الأولون ) والذين اتبعوهم بإحسان و ( الذين جاءوا من بعدهم ) . ثم قال : { رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } أي : ذو رأفة ورحمة لمن أطاعك . ثم قال : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً } . يعني : منافقي المدينة يقولون لبني النضير حين نزل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاصرهم أثبتوا وتمنعوا ، فإنا لن نسلمكم ، فإن قوتلتم قاتلنا معكم وإن أخرجتم خرجنا معكم ، فتربصوا وانتظروا نصرهم ، فلم يفوا لهم ، وقذف الله في قلوبهم الرعب ( فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم ) أن يجليهم ويكف عن دعائهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم ، فصالحهم على ذلك . قال ابن عباس : الذين نافقوا هنا هم عبد الله بن أبي وأصحابه وعدوا بني النضير بالنصر والخروج معهم ، وأنهم لا يطيعون فيهم أحداً أبداً ، فأعلمنا الله عز وجل أنهم كاذبون ، وأنهم لا يقاتلون معهم ، ولا يخرجون معهم ، وأنهم / حتى لو نصروهم لولوا الأدبار منهزمين . { ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } أي : ثم لا ينصر الله عز وجل بني النضير على نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، بل يخذلهم . وقال أبو صالح : { لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } ، هم بنو قريظة . وقيل معنى : { وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَارَ } أي : ولئن نصر اليهود المنافقون ، ومعنى لا ينصرونهم : طائعين ، ولئن نصروهم : مكرهين ، ليولن الأدبار منهزمين . وقيل معنى : لا ينصرونهم : أي : لا يدومون على نصرهم كما يقال : فلان لا يصوم ولا يصلي ، أي : لا يدوم على ذلك ، ورفع ( يخرجون وينصرون ) وقبله شرط ، لأنه قسم ، ولا يعمل الشرط في القسم ، ولا في جوابه ، لكنه سد مسد جواب الشرط . ثم قال : { لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ ٱللَّهِ } أي : لأنتم أيها المؤمنون أشد رهبة في صدور اليهود بني النضير من الله سبحانه : أي : هم يرهبونكم أشد من رهبتهم من الله عز وجل . { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } [ أي : ذلك الخوف الذي حل بهم ، من أجل أنهم قوم لا يفقهون ] قدر عظمة الله عز وجل ، فهم لذلك يخافونكم أعظم من خوفهم الله ( عز وجهه وتعالى جدُّه ) ، ولذلك ارتكبوا معاصي الله وخالفوه في نقض عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومعونتهم للمشركين بأُحد . ثم قال تعالى : { لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ } . أي : من خوفهم منكم لا يقاتلونكم إلا في قرى قد حصنت ، ولا يبرزون إليكم أو يقاتلونكم إلا من وراء جدر ، أي : إلا من وراء حيطان . { بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ } أي : عداوة بعضهم لبعض شديدة . { تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ } . يعني : المنافقين واليهود ، أي : تحسبهم يا محمد مؤتلفي الكلمة مجتمعين على محبة بعضهم بعضاً ، وقلوبهم شتى : أي : مفترقة ( ببغض بعضهم لبعض ) . ثم قال : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } أي : ذلك الذي وصفه الله عز وجل من أمر اليهود والمنافقين من عداوة بعضهم بعضاً في الباطل ، من أجل أنهم قوم لا يعقلون ما فيه الحظ لهم مما عليهم فيه الضرر . وقال قتادة : لما قرأ هذه الآية : كذا أهل الباطل مختلفة شهادتهم ، مختلفة أهواؤهم ، مختلفة أعمالهم ، وهم مجتمعون في عداوة الحق . وقال مجاهد : { تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ } : هم المنافقون يخالف دينهم دين اليهود . وقال سفيان : هم المشركون وأهل الكتاب . ثم قال : { كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ } . أي : مثلهم كمثل الذين من قبلهم ، " فالكاف " في موضع رفع خبر الابتداء المضمر ، " وقريباً " نعت لظرف محذوف . والتقدير : وقتاً قريباً ذاقوا عاقبة كفرهم وعصيانهم ، وكذا التقدير في الكاف من قوله : { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ } والمعنى : أن الله سبحانه وتعالى أعلمنا أن مثل هؤلاء اليهود والمنافقين فيما الله عز وجل صانع بهم من إحلال عقوبته [ بهم ] كمثل فعله بالذين من قبلهم يعني [ به ] بني قينقاع ( أمكن الله عز وجل منهم ) قبل بني النضير ، قاله ابن عباس . وقال مجاهد : عنى به كفار قريش يوم بدر . وقيل : هو عام في كل من انتقم منه على كفره قبل بني النضير . ومعنى : { ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ } أي : نالهم عقاب الله عز وجل على كفرهم به ، " والوبال " : ثقل المكروه ، ومنه : " طعام وبيل " : أي : ثقيل وخم . ثم قال : { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي : مؤلم ، يعني موجعاً في الآخرة ، يعني المنافقين وإخوانهم من يهود بني النضير وغيرهم مِمن عصى الله عز وجل وخادعه سبحانه .