Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 103-103)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ } الآية . قال ابن عباس : معناه : لا تحيط به الأبصار ، وهو يحيط بها . وليس معناه : لا تراه ، كما زعمت المعتزلة القدرية ، وقد قال الله عن فرعون : { إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ } [ يونس : 90 ] فوصف بأن الغرق أدرك فرعون ) ولم يخبر أنه رآه ، لأن الغرق ليس مما يُرى ، فليس الإدراك هو الرّؤيةَ ، وقد يرى الشيءُ الشيءَ ولا يُدرِكه ، كما حكي عن أصحاب موسى حين قرب منهم أصحاب فرعون : { فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } [ الشعراء : 61 ] ، وكان أصحاب فرعون قد رأوا أصحاب موسى ، ولم يكونوا ليدركوهم ، لأن الله قد وعد نبيَّه أنهم لا يُدرَكون بقوله : { لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ } [ طه : 77 ] ، ولذلك قال لهم موسى : ( كَلاّ ) أي : ليس يُدرِكونا ، فليس ( قوله ) : { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ } بمعنى : لا تراه الأبصار . وإنما معناه : لا تحيط به الأبصار ، لأنه غير جائز أن تحيط به الأبصار ، ومثل هذا وصفه بأنه يُعلم ولا يحاط به . / وقيل : معناه : لا تراه الأبصار في الدنيا ، قال السدي وغيره . والكلام على جواز رؤية الله جل ذكره في الآخرة يطول ، وبجوازه يقول أهل السنة والجماعة ، و ( به ) تواترت الأخبار وتتابعت الروايات عن النبي عليه السلام ، وهو معنى قوله : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [ القيامة : 22 ، 23 ] ، وهو المفهوم من قوله تعالى في الكفار : { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } [ المطففين : 15 ] ، فلو كان الخلق كلهم محجوبين عن ربهم ، ما خص ذكر الكفار بالحجاب . وفي تخصيصه الكفار ( بالحجاب ) دليل على أن المؤمنين غير محجوبين عن ربهم ، فأما قول من قال : إن معناه : " عن رحمة ربك " وقال في ( الآية الأخرى ) : " إلى رحمة ربها ناظرة " ، فهو قول متقاحم بالباطل ، مُدَّعٍ ما ليس لفظُه في الكلام ، مُخرِج للخطاب عن ظاهره ، متكلِّف إضمارَ ما ليس في الكلام عليه دليل ، ألْجَأَهُ إلى ذلك كله نَصْرُ باطله ( بباطل مثله ) ، أعاذنا الله من ذلك كله . وقيل : معنى ( الأبصار ) هي في هذا : أبصار العقول ، كما قال : { فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ } [ الأنعام : 104 ] ، فالمعنى : لا يدركه نفاذ العقول فتتوهمه وتُكيّفه إذ ليس كمثله شيء متوهّم محدود . قوله : { وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ ) : ( ٱللَّطِيفُ ) } : مشتق من اللطف وهو التأني يقال : " أُلطُفْ لِفُلانٍ في هذا الأمرِ " ، أي : " تأن له " من وجه يَخلُص ( منه ) إلى بغيته ، ( فالله لطيف بالخلق ) حتى صاروا إلى ما يصلحهم . وقيل : { ٱللَّطِيفُ } هو الذي فعل أفعالاً لطيفة ، و { ٱلْخَبِيرُ } : العالم بالشيء . فهو لطيف لإِحْكامهِ الخَلْقَ ، وهو العظيم ، لأنه خلق الخلق العظيم .