Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 102-102)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ } الآية . والمعنى : فذلكم الذي ذكرت صفته هو الله ربكم ، لا إله إلا هو ، خالق كل شيء . وقد تعلق القائلون بخلق القرآن بقوله : { خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ } ، قالوا : القرآن شيء ، فهو داخل تحت الخلق . وقد جرت هذه المسألة بين عبد العزيز بن يحيى المكي وبين بشر ابن غياث المريسي القدري بحضرة المأمون ، اختصرت الحكاية لطولها : قال عبد العزيز : قلت لبشر : ما حجتك في خلق القرآن ؟ ، وانظر : إلى أَحدّ سهمٍ في كنانتك فَاْرمِنِي به . قال : فقال لي بشر : تقول : إن القرآن شيء أم غير شيء ؟ . ( قال عبد العزيز ) : فقلت له إن كنتَ تريد أنَّه شيء إثباتاً للوجود ونفياً للعدم ، فَنَعَم هو شيء ، وإن كنت تريد أن الشيء اسم لذاته وأنه كالأشياء فلا . قال له بشر : قد أَقْرَرْتَ أنه شيء وادّعيتَ أنه لا كالأشياء ، فأت بنصٍ على ما زَعَمتَ . قال عبد العزيز : فقلت : قال الله تعالى : { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ النحل : 40 ] ، فبِقولِه تكون الأشياء ، وليس هو كهي . وإنما تكون الأشياء بقوله وأمْرِه . فقولُه خارج عن الأشياء المخلوقة ، ألا ترى الى قوله : { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } [ الأعراف : 54 ] ، فجمع في لفظة " الخلق " جميع المخلوقات ، ثم قال : { وَٱلأَمْرُ } يريد الذي كانت به هذه المخلوقات كلها . والأمر غير المخلوقات ، وهو قوله : { كُنْ } [ النحل : 40 ] . وقال ( الله ) تعالى : { لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ } [ الروم : 4 ] أي : من قبل الخلق ومن بعد الخلق . وقد أخبر عن الأشياء المخلوقات في غير موضع من كتابه ، وأنه خلقها بأمره وقوله ، فقال تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } [ الأنعام : 73 ] ، وقال : { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ [ وَمَا بَيْنَهُمَآ ] إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } [ الحجر : 85 ، الأحقاف : 3 ] ، والحقُّ هو كلامُه . فأمُره ، كلامُه ، وكلامُه : أمرُه ، وأمرُه : الحقُّ ، والحقُّ : أمرُه ، وكلامُه : الحقُّ ، والحقُّ : كلامُه . فهذا يدل على أن كلامه لا كالأشياء المخلوقة ، لأنها به كانت ( وحَدَثَت ) . وأما ما يدل على أنه " شيء " فقوله : { إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ } [ الأنعام : 93 ] ، فدل على أن الوحي شيء ، ودل ما تَقدَّم على أنه لا كالأشياء . قال بشر : قد زعمت أن الله يخلق الأشياء ، وادّعيتَ أنَّها تكون بقوله ، وأنَّها تكون بالحق ، وأنَّها تكون بأمره ، وهذا متناقض . قال عبد العزيز : إِنّ قولَه هو كلامُه ، وقولَه هو الحقُّ ، وأمرَه هو كلامُه : فالألفاظ الثلاثة ترجع إلى معنى واحد ، / كما سمى كلامه : نوراً وهدىً وشفاءً ورحمةً و { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ } ، وكله يرجع إلى شيء واحد ، [ كذلك ذاك . وكما سمى نفسه : فرداً صمداً واحداً ] ، وهو شيء واحد لا كالأشياء . وهذا إنّما منعه بِشْر لجِهلِه بِلُغةِ العرب . قال بشر : ( لَستُ ) أَقْبَلُ لغةَ العرب ، ولا أَقَبل إلا النص . قال عبد العزيز : فقلت : قال الله : { يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ ٱللَّهِ } [ الفتح : 15 ] ، ثم قال : { كَذَٰلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ } [ الفتح : 15 ] ، فسمى القرآن كلامه ، ثم سماه : قوله ، وقال : { وَهُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ } [ البقرة : 91 ] ، فسمى القرآن حقاً ، وقال : { وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ ٱلْحَقُّ } [ الأنعام : 66 ] ، وقال : { لَقَدْ جَآءَكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } [ يونس : 94 ] ، ومثل هذا كثير . قال بشر : قد أقررت يا عبد العزيز أن القرآن شيء على صفة ما ، وقد قال تعالى : { خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [ الرعد : 16 ، الزمر : 62 ، غافر : 62 ] ، وهذه لفظة لم تدع شيئاً من الأشياء إلا أدخلته في الخلق ، ولا يخرج عنها شيء ، قد تقَصَّتْ جميع الأشياءِ ، فصار القرآن مخلوقاً بنص القرآن . قال عبد العزيز : فقلت : قال الله : { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } [ الأحقاف : 25 ] ، فهل أبقت الريح - يا بشر - شيئاً لم تدمره ؟ قال بشر : لا . قال عبد العزيز : فقلت له : قد - والله - أَكْذَب الله قائل هذا بقوله : { فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ } [ الأحقاف : 25 ] ، فأخبر أن مساكنهم كانت باقية وهي أشياء كثيرة ، وقال تعالى : { مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } [ الذاريات : 42 ] ، وقد أتت على الجبال والشجر والأرض فلم تجعله رميماً ، وقال عز وجل : { وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ } [ النمل : 23 ] ، يعني بلقيس ، فهل أوتيت ملك سليمان وهو أضعاف ملكها ؟ . فهذا تكسير لقولك يا بشر . ولكن ما تقول - يا بشر - في قوله تعالى : { أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ } [ النساء : 166 ] ، وقال تعالى : { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ } [ البقرة : 255 ] ، وقال : { أُنزِلَ بِعِلْمِ ٱللَّهِ } [ هود : 14 ] . وقال : { وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ } [ فاطر : 11 ، فصلت : 47 ] ! ، فأخبر تعالى أن له علماً . أفتقر - يا بشر - أن له علماً كما أخبر في كلامه أو تخالف التنزيل ؟ . فعلم بشر أنه ( إنْ ) قال : " له علم " ، فيقول له : أهو داخل في الأشياء المخلوقة أم لا ؟ . فإن قال : " دخل " ، كفر . وإن قال : لا . أجاز ما منع في الكلام . وأبى أن ينفي العلم فخالف التنزيل ، فحاد ، ثم قال : معنى علمه : أنه لا يجهل . قال عبد العزيز : لم أسألك عن هذا ، قد علمت أن الله لا يجهل ، انما سألتك : هل تثبت له علماً كما أثبته لنفسه ؟ ، وليس نفيك السوء - يا بشر - عن الله يوجب إيجاب المدح ، لأن قولك : " هذه الأسطوانة لا تجهل " ليس هو إثباتاً أن لها علماً . ولم يمدح الله ملكاً ( ولا نبياً ولا مؤمنا بِنَفِي الجهل ) ليدل على ( أنه ) إثبات العلم ، وإنما مدحهم بالعلم ، فقال : { يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } [ الانفطار : 12 ] ، ولم يقل : " لا يجهلون " ، وقال لنبيه : { ( وَتَعْلَمَ ) ٱلْكَاذِبِينَ } [ التوبة : 43 ] ، ولم يقل : " ولا تجهل " ، وقال : { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ } [ فاطر : 28 ] ، ولم يقل : " الذين لا يجهلون " ، فمن أثبت العلم نفى الجهل ، وليس ( كل ) من نفى الجهل أثبت العلم ، ( و ) على الخلق جميعاً أن يثبتوا ما أثبت الله لنفسه . فقال بشر : أتقول : { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } [ الحج : 75 ، لقمان : 28 ] وإن له ( سمعاً وبصراً ) كما أثبت ( له عِلْماً ) ؟ . قال عبد العزيز : فقلت : إنما على الناس أن يُثبتوا ما أثَبتَ ، وينفوا ما نفى ، ويُمسكوا عن ما أمسك الله . فأخبرنا تعالى أن له علماً ، فقلت : " له علم " ، ولم يخبرنا أن له سمعاً ولا بصراً ، فأمسكنا عن ذلك . فقال بشر : قد زعمت أن لله علماً ، فما معنى علم الله ؟ . / قال عبد العزيز : هذا ما لا يعلمه إلا الله ، قد تَفرَّد بذلك ، وقد أمرني بشر أن أترك قول الله وأَمرَه ، واتبع أمر الشيطان ، لأن الله أخبر عن الشيطان أنه ( يأمرنا أن ) نقول ( على ) الله ما لا نعلم ، وحرم الله علينا أن نقول عليه ما لا نعلم بقوله : { وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 169 ، الأعراف : 33 ] ، فقد اتبع بشر طريق الشيطان ، وارتكب ما حرم الله علينا . قال عبد العزيز : فانقطع بشر ، فقلت له : يا بشر ، ألست تقول إن لله نَفْساً بقوله : { وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي } [ طه : 41 ] ، وبقوله : { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } [ آل عمران : 28 ، 30 ] ؟ . قال بشر : نعم له نفس كما أخبرنا . قال عبد العزيز : فقلت له : قال الله : { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ( ٱلْمَوْتِ ) } [ آل عمران : 185 ] ، أفتقول - يا بشر - إن نفس رب العالمين داخلة في هذه النفوس المخلوقة ؟ . فأبى بشر من القول بذلك ، فقال له عبد العزيز : وكذلك كلام الله ليس بداخل في الأشياء المخلوقة . فسكت بشر . قال عبد العزيز ثم قلت له : القرآن نزل على أربعة أخبار : - خبر مخرجه مخرج الخصوص ، ومعناه الخصوص ، كقوله : { ٱسْجُدُواْ لأَدَمََ } [ البقرة : 34 ، الأعراف : 11 ، الاسراء : 61 ، الكهف : 50 ، طه : 116 ] ، وكقوله : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ } [ آل عمران : 59 ] : هذا خاص في لفظه ومعناه . - والثاني : خبر مخرجه مخرج العموم ، ومعناه معنى العموم ، كقوله : { وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ } [ النمل : 91 ] ، فكل شيء له ، مخلوقاً كان أو غيرَ مخلوقٍ ، وصفاته له ، وخلقه له . - والثالث : خبر مخرجه العموم ومعناه الخصوص ، نحو قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ } [ الحجرات : 13 ] ، و ( النّاسُ ) يجمع آدم وعيسى وغيرهما ، ولم يكونا من ذكر وانثى . ومنه : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } [ الأعراف : 156 ] وهي لم تَسَع إبليس والكفار ، لقوله : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ } [ ص : 85 ] . - والرابع : ( خبر ) مخرجه الخصوص ومعناه العموم ، كقوله : { وَأَنَّهُ ( هُو ( َ رَبُّ ٱلشِّعْرَىٰ } [ النجم : 49 ] ، فخص " الشعرى " ، والمعنى : أنه رب كل شيء : الشعرى وغيرها ، ولكن خصّها الله باللفظ ، لأنهم كانوا يعبدونها . فهذا اختصار بعض ما جرى بينهما ، فنرجع إلى ما كنا فيه . قوله : { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } : قال الفراء : الوكيل : الكافي . ومنه قولهم : " { حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } [ آل عمران : 173 ] ، أي : كافينا الله ونعم الكافي " . وقال قتادة : الوكيل : الحفيظ . وقيل : الوكيل : الولي . وقيل : الرب . وقيل : الكفيل .