Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 60, Ayat: 10-10)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ } ( من دار الحرب ) { فَٱمْتَحِنُوهُنَّ ٱللَّهُ } . أي : إذا جاءكم النساء مهاجرات من دار الحرب فامتحنوهن ، وكانت محنة النبي صلى الله عليه وسلم لهن أن يحلفن بالله ما خرجت من بغض زوج ، وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض ، وبالله ما خرجت التماس الدنيا ، وبالله ما خرجت ( إلا حباً لله ولرسوله ) . / وعن عائشة رضي الله عنها " أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يمتحنهن بآخر السورة . قوله : { عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً } إلى قوله : { مَعْرُوفٍ } " . قالت : فمن أقر بهذا من المؤمنات فقد أقر بالمحنة ، وإذا أقررن بذلك قال لهن النبي صلى الله عليه وسلم إنطلقن فقد بايعتكن ، قالت ولا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام ، قالت فما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء إلا ما أمره الله به . وعن ابن عباس : أن المحنة كانت أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمداً ( رسول الله ) . وقال مجاهد : { فَٱمْتَحِنُوهُنَّ } أي : سلوهن ما جاء بهن ، فإن كان جاء بهن غضب على أزواجهن [ أو سخط أو غيره ، ولم يؤمن ، فارجعوهن إلى أزواجهن ] . قال قتادة : كانت محنتهن أن يستحلفن بالله ما أخرجهن النشوز وما أخرجهن إلا حب الإسلام ( وأهله والحرص عليه ) ، فإن أقررن بذلك قبِل منهن . وقال عكرمة : يقال لها ما جاء بك إلا حب الله ورسوله ، وما جاء بك عشق رجل منا ، ولا فرار من زوجك ، فذلك المحنة . وروى ابن وهب عن رجاله أن قوله : " إِذا جاءَكُمُ المُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ " . نزلت في امرأة حسان بن الدحداحة وهي أميمة بنت بشر امرأة من بني عمرو ابن عوف ، وأن سهل بن حنيف تزوجها حين فرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فولدت له عبد الله بن سهل ، وأن قوله تعالى : { وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ } نزل في امرأة لعمر بن الخطاب تركها بمكة كافرة ولم يطلقها حتى نزلت هذه الآية فطلقها عمر فخلف عليها معاوية . وقوله : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ } أي : أعلم بمن جاء للإيمان ممن جاء لغير ذلك . ثم قال : { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ } أي : إن أقررن بالمحنة بما عقد عليه الإيمان فلا تردوهن إلى الكفار / ، وإنما قيل ذلك للمؤمنين ، لأن العهد كان بينهم وبين مشركي مكة إذ صد النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت في صلح الحديبية أن يرد المسلمون إلى المشركين من جاء منهم إلى المسلمين مسلماً ، فأبطل الله عز وجل ذلك الشرط في النساء إذا جئن مؤمنات ونسخه ، وأمرهم ألا يردوا من جاء من النساء مؤمنة ، وهذا من نسخ القرآن للسنة . وقوله : { لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } أي : لا تحل المسلمة للكافر ولا الكافر للمسلمة . ثم قال : { وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ } [ أي وأعطوا المشركين الذين جاءكم نساؤهم مؤمنات ما أنفقوا ] على النساء في الصداق ، قاله قتادة ومجاهد وغيرهما . ثم قال : { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } أي : لا حرج عليكم أيُّها المؤمنون أن تنكحوا من جاءكم من المؤمنات المهاجرات إذا أعطيتموهن مهورهن . وكان الزهري : يقول إنما أمر الله جل ذكره بِرد صدقاتهن إليهن إذا ( حبسن عنهم ) إذا هم ردوا على المسلمين من حبسن عنهم من / نسائهم . وقال الشافعي : { وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ } منسوخ ، واحتج من قال بهذا القول أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر أن ( ترد عليهم ) صدقات النساء المهاجرات إليه ، المؤمنات قد شرط لهم رد النساء على كل حال ، فأمر الله ألا يردهن إليهم إذا أتين مؤمنات ، وجعل رد الصداق عوضاً من ردهن [ ليتم ] العهد الذي بينه وبين قريش ، فإذا لم يكن عهد مثل ذلك في الرد وأتت امرأة من عند المعاهدين مؤمنة / لم يلزم أن يرد عليهم صداقها ، فإن كان العهد مثل عهد النبي صلى الله عليه وسلم لقريش ، لم يلزم أيضاً أن يرد عليهم صداقها ، لأن الشرط في النساء قد أبطله الله ، فهو منسوخ باطل ولا عوض للباطل ، مع أنه لا يجوز أن يشترط / إمام في العهد رد النساء بحكم الله ، وإذا لم يشترط ذلك فلم يلزم رد الصداق ، لأن الصداق إنما كان عوضاً عن شرط قد وقع ، ثم نزل القرآن بعده فنسخه ، فإذا لم يجز عقد ذلك الشرط لم يجز العوض منه ، فهو كله منسوخ بحكم الله عز وجل في منع رد النساء المؤمنات إليهم . ومذهب مالك أن الصلح على رد الرجال إليهم جائز . ومذهب الكوفيين أنه منسوخ ولا يجوز . ثم قال : { وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ } أي : لا تمسكوا بعقد نكاح الكوافر من غير أهل الكتاب ، فهي مخصوصة . وقيل هو عام نسخ منه أهل الكتاب بقوله : { وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ } [ المائدة : 5 ] . ولما نزلت هذه الآية طلق المؤمنون كل امرأة مشركة لهم في مكة ، منهم عمر وغيره . ثم قال : { وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ } هذا خطاب للمؤمنين الذين ذهب نساؤهم إلى المشركين ( فأمرهم الله أن يطلبوا صدقات نسائهم من المشركين ويدفعوا إلى المشركين صدقات من جاء من النساء مؤمنات ، يعني من تزوج منهن في مكة أو في المدينة ، فإذا تزوجت المهاجرة من عند المشركين بالمدينة وجب على زوجها [ أن يرد الصداق على زوجها ] الذي كان لها بمكة ، وإذا تزوجت المرأة التي تخرج إلى المشركين بمكة وجب أن يطلب زوجها المؤمن صداقها الذي دفع إليها من المشركين . قال ابن شهاب : أقر المؤمنون بحكم الله عز وجل ، فأدوا صدقات من تزوجوا ممن جاءهم من النساء مهاجرات مؤمنات ، وابى المشركون أن يقروا بحكم الله سبحانه من أداء صدقات من تزوجوا من النساء اللواتي فررن إليهم من عند المسلمين ، هذا معنى قوله . وهذا حكم أطلع الله عز وجل المؤمنين / عليه ولم يأمر به الكفار لأنهم لا يأتمرون ( بهذا وهو مثل قوله : { وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ } [ المائدة : 5 ] فهو حكم أطلع الله عز وجل المؤمنين عليه ) وإن كان الذين أوتوا الكتاب لا يأتمرون بذلك ولا يحلون لأنفسهم طعام المؤمنين . ثم قال تعالى : { ذَلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ } أي : هذا الذي حكمته بينكم هو حكم الله عز وجل فيكم وفيهم ، فاتبع المؤمنون الحكم وامتنع منه المشركون ، وطالبوا النبي وأصحابه برد النساء على ما عقد عليه العهد فلما امتنع المشركون من رد صدقات نساء المؤمنين أنزل الله جل ذكره .