Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 65, Ayat: 5-12)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
- قوله { ذَلِكَ أَمْرُ ٱللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ … } إلى آخر السورة . أي : ذلك الذي بينه لكم من حكم الطلاق والرجعة والعدة أَمْرُ الله الذي أمركم به ، أنزله عليكم لتأتمروا به وتعملوا به . ثم قال : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً } . أي : ومن ( يخف الله ) ويتقه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ، يمح عنه ذنوبه ويعظم له أجراً يوم القيامة على عمله . ثم قال تعالى : { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم … } . أي : أسكنوا مطلقات نسائكم من المواضع التي سكنتم من وجدكم ، ( أي ) : من سعتكم . يقال : وجدت في المال وُجْداً ، ووجدت على الرجل وَجْداً ومَوْجِدَةً ، وَوَجَدْتُ الضَّالَّةَ وَجْداناً . وروي أن الأعمش قرأ بفتح الواو . وهو غلط ؛ لأن الوَجْد بالفتح إنما هو في الغضب . وقرأ يعقوب الحضرمي بكسر الواو لغة فيه . أمر الله الرجال أن يُسْكِنُوا المطلقات مما يجدون حتى يقضين عدتهن . قال السدي : { مِّن وُجْدِكُمْ } : من ملككم ومقدرتكم . - ثم قال تعالى : { وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ … } . أي : لا تضاروهن في المسكن الذي [ تسكنوهن ] فيه وأنتم تجدون سعة من المنازل تطلبون التضييق عليهن . - ثم قال : { وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ … } . أي : أنفقوا على المطلقة الحامل حتى تضع الحمل ، وإن أرضعت فحتى تفطم . وهو قوله : { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ … } ، فلها أجرة الرضاع إن أرضعت وهي أحق بما يأخذ غيرها ، وإن أبت أن ترضع اسْتَرْضَعَتْ له أخرى . - ثم قال تعالى : { وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ … } . قال السدي : معناه : " اصنعوا المعروف فيما بينكم " . وقيل : المعنى : هموا بالمعروف واعزموا عليه . وقد قيل : [ وَاتَمِرُوا : تشاوروا ، وليس بشيء ] . - ثم قال : { وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ } . أي : إن امتنعت المرأة من الرضاع فلا سبيل له عليها ، ولكن يستأجر للصبي مرضعاً غير أمه ، قاله السدي وغيره . وقال : إذا رضيت الأم من أجرة الرضاع بما يرضي به غيرها فهي أحق . - ثم قال تعالى : { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ ٱللَّهُ … } . أي : لينفق الذي بانت منه امرأته إن كان ذا سعة من المال الذي بيده على امرأته لرضاعها ولده . ومن ضيق عليه في رزقه فلم يكن ذا سعة من المال فلينفق مما أعطاه الله على قدر ما يجد . وقيل : معناه : إن كان له ما يبيعه من متاع البيت باعه فأنفقه . - ثم قال تعالى : { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَآ آتَاهَا … } . أي : لا يكلف الله أحداً من النفقة على من تلزمه نفقته إلا ما أعطاه ، أن كان ذا سعة فمن سعته ، وإن كان مقدوراً عليه ( رزقه ) فمما رزقه الله . لا يُكَلَّفُ الفقير مثل نفقة الغني . قال ابن زيد : معناه : لا يكلفه أن يتصدق وليس عنده ما يتصدق به . - ثم قال تعالى : { سَيَجْعَلُ ٱللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً } . أي : سيجعل الله للمقل بعد شدة رخاء ، وبعد فقر غنى . وقيل : [ اليسر ] الذي يجعله الله له إما في الدنيا وإما في الآخرة . - ثم قال تعالى : { وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ … } . أي : وكثير من أهل القرى عتوا عن أمر ربهم وخالفوه وعصوا رسله . - { فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً … } . أي : حاسبنا أهلها على النعم التي أسديت إليهم والشكر عليها حساباً شديداً ، أي حساباً ليس فيه عفو / عن شيء . - { وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً } . أي : منكراً ، وهو عذاب جهنم . وقال الفراء : في الكلام تقديم وتأخير . والتقدير : فعذبناها عذاباً نكراً في الدنيا ، وحاسبناها حساباً شديداً في الآخرة ) . والعُتُوُّ في اللغة : التجاوز في المخالفة والطغيان . - ثم قال تعالى : { فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا … } . أي : عقوبة عملها . الوبال : العاقبة . قال ابن عباس ومجاهد : " { وَبَالَ أَمْرِهَا } " : جزاء أمرها . - ثم قال تعالى : { وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً } . أي : غبناً ، لأنهم باعوا نعيم الآخرة بخسيس الدنيا وقليله . - ثم قال تعالى : { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً … } . ( أي ) : في الآخرة ، يعني عذاب النار . - ثم قال تعالى : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } . أي : اتقوا الله في أمره ونهيه يا أصحاب العقول الذي آمنوا . - ثم قال تعالى : { قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً … } { رَّسُولاً … } . قال السدي : " الذكر : القرآن ، والرسول محمد " فيكون ( التقدير على قوله : ذِكْراً ذَا رَسُول . فيكون نعتاً للذكر ، قد حذف المضاف ) وأقيم المضاف إليه مقامه مثل { ( وَسْئَلِ ) ٱلْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] ( وقيل : الرسول نصب " بذكر " كأنه قال : " أن تذكروا رسولاً " ، فهو مفعول به ) . وقيل : الرسول نصب بإضمار " أعني " . وقيل : الرسول ترجمة عن الذكر كأنه بدل منه ، ولذلك نصب ، فيكون - على هذا القول - الرسولُ بمعنى الرسالة . وقيل : رسولاً منصوب بإضمار فعل ، كأنه قال : أرسلنا رسولاً . - ثم قال تعالى : { يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ … } . أي : يتلو الرسول عليكم آيات الله واضحات ، كي يخرج الذين آمنوا بالآيات من الظلمات إلى النور ، أي : من الكفر إلى الإيمان . - ثم قال تعالى : { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ … } . أي : يصدق به . - { وَيَعْمَلْ صَالِحاً … } . أي : يعمل بطاعة الله . - { يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ … } . أي : من تحت أشجارها . - { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً … } . أي : ( لا يخرجون منها أبداً ) ولا يموتون . - ثم قال تعالى : { قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً } . أي : قد وسع الله له في الجنات رزقاً . - ثم قال تعالى : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ … } . أي : الله ( الذي ) خلق ذلك ، لا ( ما ) يعبده المشركون من الأوثان والأصنام التي لا تقدر على شيء ، وخَلَقَ من الأرض مثلهن ( أي ) : سبعاً . وعن ابن عباس أنه قال : في كل أرض من الأرضين السبع نحو ما على هذه الأرض من الخلق . ولذلك قال : { وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ } لأن في كل سماء خلقاً لله . وعن ابن مسعود أنه [ قال ] : خلق الله سبع سماوات ، غِلَظُ كل واحدة مسيرة خمسمائة عام ، وبين كل واحدة منهن والأخرى مسيرة خمسمائة عام ، وفوق السماوات السبع [ الماءُ ] ، والله - جل ذكره - فوق الماء لا يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم ، والأرضُ سَبْعٌ ، بين كل أَرْضَيْنِ مسيرة خمسمائة عام . وغِلَظُ كل أرض خمسمائة عام . [ وقال ] مجاهد : هذه الأرض إلى تلك الأرض مثل الفسطاط ضربته بأرض فلاة . وهذه السماء إلى تلك السماء مثل حلقة رميت ( بها ) في أرض فلاة . وقال الربيع بن أنس : " السماء أولها موج مكفوف ، والثانية صخرة ، والثالثة حديد ، والرابعة نحاس ، والخامسة فضة ، والسادسة ذهب ، والسابعة ياقوتة " . وقال مجاهد : ( هذا ) البيت الكعبة رابع أربعة عشر بيتاً ، في كل سماء بيت ، كل بيت منها [ حَذْوَ ] صاحبه ، لَوْ وَقَعَ وَقَعَ عَلَيْهِ . وإن هذا الحَرَمَ حَرَمٌ مثله في السماوات السبع والأرضين السبع . قال أبو عثمان [ النهدي ] : كنت عند عمر جالسا إذ جاء رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، إن لي ابنا إذا سجد قال : سبحان ربي الأعلى الأعلى الأعلى ، فيكثر من ذلك ، فلا أدري أَيَّ شَيْءٍ يريد به . قال : جئني ( به ) ، فجاء الفتى ، فقال عمر : ماذا يقول أبوك ؟ قال : وما يقول ؟ قال : يقول إنك إذا سجدت أكثرت من سبحان ربي الأعلى الأعلى الأعلى ، قال : يا أمير المؤمنين ، شيء أجراه الله على لساني . قال : وكعب جالس إلى جنبه ، فقال كعب : صدق ، يا أمير المؤمنين . قال عمر : وكيف ذاك ؟ قال كعب : إذاً أخبرك ، فإن الله خلق الأرضين سبعاً ، ( وجعل غلظ كل أرض خمسمائة عام ، وما بين كل أرض إلى أرض خمسمائة عام ، وجعل السماوات سبعاً ) ، وجعل غلظ كل سماء خمسمائة عام ، وما بين كل سماء إلى سماء مثل ذلك ، ولله عز وجل ملائكة يحملون العرش قياماً في ماء ، غِلَظُ ذلك الماء غلظ السماوات السبع والأرضين السبع ، لا يبلغ ذلك الماء أعناقهم ، فهو جل وعز الأعلى الأعلى الأعلى . قال ( قتادة ) : خلق الله سبع سماوات وسبع أرضين ، في كل سماء من سمائه وأرض من أرضه خلق من خلقه ، وأمر من أمره ، وقضاء من قضائه جل ثناؤه . وذكر قتادة قال : التقى أربعة أملاك من الملائكة بين السماء والأرض ، فقال بعضهم لبعض : من أين [ جئت ] ؟ فقال أحدهم : أرسلني ربي من المشرق وتركته ، ( ثم ) قال الآخر : أرسلني ربي من الأرض السابعة وتركته ، ( ثم ) قال الآخر : أرسلني ربي من المغرب وتركته . - ثم قال تعالى : { يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ بَيْنَهُنَّ … } . أي : يتنزل الوحي بين السماء السابعة والأرض السابعة . قاله مجاهد . - ثم قال تعالى : { لِّتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ … } . أي : يتنزل قضاء / الله وأمره بين ذلك كي تعلموا أيها الناس كُنْهَ قدرته وسلطانه ، وأنه قادر على كل شيء ، لا يتعذر عليه شيء أراده ، ولا يمتنع عليه شيء شاءه . - ثم قال تعالى : { وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً } . أي : ولتعلموا أن الله بكل شيء ( مِنْ ) خلقه محيط علماً ، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، فخافوه وأطيعوه تنجوا من عقوبته وتدخلُوا جنته . وأعاد الاسم بالإظهار وقد تقدم إظهاره للتفخيم والتعظيم . و { عِلْماً } نصب [ على التمييز ] . أو ( على ) المصدر ، كأنه قال : علم كل شيء علماً .