Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 65, Ayat: 2-4)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } إلى قوله : { مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً } . أي : فإذا بلغ المطلقات اللواتي في العدة آخر عدتهن ، فأمسكوهن برجعة ترجعونهن إن أردتم ذلك . ومعنى : { بِمَعْرُوفٍ } أي : راجعوهن بمعروف ، وذلك إعطاؤها الحقوق التي أوجب الله لها عليهم من النفقة والكسوة والسكنى وحسن الصحبة . - { أَوْ فَارِقُوهُنَّ … } . أي : اتركوهن حتى تنقضي عدتهن فيملكن أنفسهن . ومعنى { بِمَعْرُوفٍ … } . ( أي ) " : [ بإيفائها ما لها ] من بقية الصداق والمتعة . قال الضحاك : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } : إذا انقضت عدتها قبل أن تغتسل من الحيضة الثالثة ، أو ثلاثة أشهر ، إن لم يكن يحضن ، فراجع إن شئت قبل أن تنقضي العدة ( [ وأمسكها ] بمعروف ، أي : بحسن الصحبة والقيام عليها { أَوْ فَارِقُوهُنَّ } أي : دعوهن حتى تنقضي العدة ) بالطهر الثالث أو تمام الثلاثة أشهر { بِمَعْرُوفٍ } ( أن ) يعطيها مهرها إن كان لها . - ثم قال تعالى : { وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ … } . أي : أشهدوا - إذا راجعتموهن - ذوي عدل . وهما من يُرضى دينه وأمانته . قال ابن عباس : يشهد عدلين عند الطلاق وعند المراجعة ، وقاله السدي . والإشهاد عند [ أكثر ] الفقهاء على الندب ، وكذلك أكثر ما جاء في القرآن من الأمر بالإشهاد . قال ابن المسيب : { [ ذَوَىْ ] عَدْلٍ } : [ ذوي ] عقل وفهم . - ثم قال : { وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ … } . أي : اشهدوا بالحق . وإذا جامع أو [ قَبَّل ] يريد به الرجعة فهو رجعة عند مالك . وكذلك إن [ تكلم ] بالرجعة ونِيَّتُه الرجعة فهي رجعة . - ثم قال تعالى : { ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ … } . أي : هذا ( الذي ) عرفتكم به من أمر الطلاق عظة لمن يؤمن بالله واليوم الآخر فيتبعه ويعمل به . - ثم قال تعالى : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } . أي : ومن يخف الله فيعمل بما أمره به ويجتنب ما نهاه عنه يجعل له من أمره مخرجاً ، وذلك أنه [ يُعَرِّفُهُ ] أن ما قضاه عليه فلا بد أن يكون . وقيل : المعنى : ومن يتق الله فيما أمره به ( من هذا الطلاق ، يجعل له مخرجاً إن ابتغت نفسه رد المطلقة بعد انقضاء العدة فيحل له أن يخطبها ويتزوجها . ومن لم يتق الله فيما أمره به ) ويطلق ثلاثاً ، لا يجعل له مخرجاً إن ابتغتها نفسه ، فلا يحل له أن يخطبها ، ولا يتزوجها إلا بعد زوج ، هذا قول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - والشعبي . وقيل : هو على العموم ، ( أي : و ) من يتق الله في أمره ونهيه يجعل له مخرجاً في كل أموره فيرزقه من حيث لا يحتسب ، / ( أي ) : [ ويسبب ] له أسباب الرزق من حيث لا يشعر ولا يعلم . وعن ابن عباس : { يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } : ينجيه ( من كل كرب ) في الدنيا والآخرة . قال الربيع : { يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } من كل أمر ضاق على الناس . وروي أن هذه الآية نزلت في عوف بن مالك الأشجعي ، كان له ابن قد أسره المشركون ، فكان يشكو إلى النبي صلى الله عليه وسلم مكان ابنه وحاله وحاجته ، فكان النبي يأمره بالصبر [ ويقول له : إن الله سيجعل له مخرجاً ] . فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيراً حتى [ انفلت ] ابنه من [ أيدي ] المشركين ، [ فمر بغنم ] من أغنام العدو ، [ فاسْتاقها ] [ وجاء بها ] إليه ، فنزلت : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ } الآية . قال ابن مسعود : [ المخرج ] أن يعلم أن الله هو الذي يعطيه ويمنعه . - ثم قال تعالى { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ … } . أي : فهو كافيه . قال مسروق : [ القضاء ] جار على من توكل وعلى من لم يتوكل . قال بعض الصالحين : المتوكل تعجل البركة والأجر . - ثم قال تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ … } . قال مسروق : الله بالغ أمره بكل حال ، [ توكل ] عليه أو لم يتوكل ( عليه ) ، أي : مُنْفِذٌ قضاءه بكل حال ، غير أن المتوكل عليه يكفّرُ عنه سيآتِه ويعظم له أجراً . قال ابن مسعود : إن أكثر آية تفويضاً في القرآن { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } . - ثم قال تعالى : { قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً } . قال مسروق : " أي : لكل شيء أجلاً ومنتهى " . وقال السدي : هو قدر الحيض في الأجل والعدة . وقيل : هو عام . والمعنى : قد جعل الله [ لكل شيء من الطلاق ] والعدة وغير ذلك حداً وأجلاً وقدراً ينتهي إليه . ولا اختلاف بين العلماء أن المطلقة واحدةً أو اثنتين لها النفقة والسكنى وكذلك المطلقة الحامل . وفي المطلقة ثلاثاً اختلاف ، فأكثر العلماء على أن لا نفقة ( لها ) ولا سكنى . وقد روي ذلك [ عن النبي صلى الله عليه وسلم ] . وقال الحسن وعكرمة والشعبي : لها متاع بالمعروف وسكنى . وهو قول جابر . وقال الثوري وأصحاب الرأي : ( لها النفقة ) والسكنى . وهو قول مروي عن عمر وابن مسعود ، وبه قال شريح . والقول الأول قول ابن عباس . وقال مالك والشافعي والأوزاعي وابن أبي ليلى وأبو عبيد : لها السكنى ولا نفقة ( لها ) وهو قول ابن المسيب وسليمان بن يسار والحسن وعطاء والشعبي وابن مهدي . - ثم قال تعالى : { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَٱللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ … } . أي : والنساء اللائي ارتفع طمثهن فلا يرجون أن يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر ، ( وكذلك عدة النساء اللائي لم يحضن أيضا . وقوله : { إِنِ ٱرْتَبْتُمْ } قيل : معناه : إن ارتبتم بالدم الذي [ يظهر ] منها في كبرها أمن الحيض هو أم من الاستحاضة ؟ فعدتهن ثلاثة أشهر ) . وقال مجاهد : معناه : إن لم تعلموا عدة التي قعدت عن الحيضة أو اللائي لم يحضن ، فعدتهن ثلاثة أشهر . وقال الزهري : " إن ارتبتم في كبرها أن يكون ذلك من الكبر ، فإنها تعتد حين ترتاب ثلاثة أشهر . فأما إذا ارتفعت حيضة المرأة وهي شابة ، فإنها [ يُتَأَنَّى ] بها حتى يُنظر أهي [ حامل ] أم غير حامل ؟ فإن استبان حملها فحتى تضع حملها ، وإن لم يستبن حملها فحتى يستبرئها ، وأقصى ذلك سنة ، تسعة للاستبراء وثلاثة للعدة ، وهو مذهب مالك . وقال ابن زيد : إن ارتبتم أنها لا تحيض وقد ارتفعت حيضتها وارتاب الرجل وقالت المرأة : تركتني الحيضة ، فعدتها ثلاثة أشهر إن ارتاب فخاف أن تكون حيضتها قد انقطعت . وقيل : المعنى : إن ارتبتم [ بحكمهن ] فلم تدروا ما الحكم في عدتهن ، فإن عدتهن ثلاثة أشهر . وقال عكرمة : من [ الريبة ] : المرأة المستحاضة والتي لا تستقيم لها الحِيَضُ : تحيض في الشهر مرات ، وفي الأشهر مرة ، فعدتها ثلاثة أشهر ، وهو قول قتادة . وقيل : هذا متصل بأول السورة ، والتقدير : لا تخرجوهن من بيوتهن إن ارتبتم في انقضاء العدة ولا يخرجن . والاختيار ( عند ) الطبري أن يكون المعنى على قول من قال : إن ارتبتم فلم تدروا ما الحكم في عدتهن . قال : ولو كان الارتياب إنما هو في الدم ، لا يُدرى دم حيض أم دم استحاضة ؟ لكان اللفظ : إن ارتبتن . لأنهن إذا أشكل الدم عليهن فهن المُرتابات بدماء أنفسهن ، [ لا غيرهن ] ، فكون [ الخطاب ] للرجال دليل على أن المعنى : إن ارتبتم في الحكم في عدتهن . وأيضاً فإن بعده { ( وَٱللاَّئِي ) لَمْ يَحِضْنَ } ومحال أن [ يُرتاب ] في دم من لم تحض ، وإنما [ يرتاب ] في حكمها في العدة . قال الضحاك { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ } من القواعد من النساء / { وَٱللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ } من الصغار ، لم يبلغن وقد مُسِسْنَ فعدتهن ثلاثةُ أشهر . وهو قول قتادة . - ثم قال تعالى : { وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ … } . أي : والنساء الحوامل إذا طُلقن ، فانقضاء عدتهن أن يضعن حملهن . وهذا إجماع . فأما المتوفى عنها زوجها ( وهي حامل ، فأكثر العلماء على أن وضع حمْلها انقضاء عدتها ولو كان بعد موْت زوجها ) . وقد روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وابن عباس - رضي الله عنه - أن انقضاء عدتها آخر الأجلين . - ثم قال تعالى : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ [ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ] . } . أي : ومن يتق الله فيتبع في طلاقه ما أمره الله به يجعل له من طلاقه ذلك يسراً . وهو أن يسهل عليه إن أراد الرجعة فيجعل الأمر بيده يرتجعها متى شاء ما كانت في العدة ، ويحل له التزويج بعد انقضاء العدة . ومن لا يتق الله - فيطلق ثلاثاً بخلاف ما أمره الله - لا يسهل عليه رجعة في عدة ولا في غيرها ، ولا يسهل عليه تزويجها بعد العدة ما لم [ تتزوج ] غيره .