Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 67, Ayat: 1-22)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ، إلى قوله : { عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } . تبارك : تفاعل من البركة ، ولا يقال منه مستقبل ولا اسم فاعل . ومعناه : تعاظم وتعالى الرب الذي بيده ملك الدنيا والآخرة [ وسلطانهما ] ، نافذ فيهما أمره وقضاؤه . { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . أي : وهو ذو قدرة على فعل كل شيء أراده [ { قَدِيرٌ } ] : لا يمنعه مما أراد شيء . وقيل : معناه : الذي بيده الملك ، يعطيه من يشاء ، وينزعه ممن يشاء . - ثم قال تعالى : { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } . أي : خلق الموت ليميت الأحياء ، وخلق الحياة ليحيي الموتى . وفعل ذلك ليختبركم في حياتكم وطول إقامتكم في الدنيا ، أيكم أحسن عملاً فيجازيه على ذلك في الآخرة . وقد علم تعالى كل ما هم عاملون ، وعلم الطائع والعاصي / قبل خلقهم ، لكن المجازاة إنما تقع بعد ظهور الأعمال ، [ لا يجازى ] أحد ( بعلم الله فيه دون ظهور عمله ) . فالمعنى : ليختبر وقوع ذلك ( منكم ) على ما سبق في علمه وقضائه . وتقديره : من خير وشر احتساباً منكم . قال قتادة : أذل الله ابن آدم بالموت ، وجعل الدنيا دار حياة ودار فناء ، وجعل الآخرة دار جزاء وبقاء . - ثم قال : { ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً … } . أي : اخترع ذلك طبقا فوق طبق . { مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ … } . أي : من اختلاف ، يعني في خلق السماوات ، وقيل : في كل ما خلق ، فكله محكم دال على قادر بارئ حكيم في تدبيره ولطفه . - ثم قال تعالى : { فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ } . أي : هل ترى يا ابن آدم من شقوق أو وَهْيٍ ؟ - ( ثم قال تعالى : { ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ } ) . أي : ثم رد البصر يا ابن آدم مرتين مرة بعد أخرى ، هل ترى من شقوق ، أو وَهْيٍ في الخلق أو تفاوت ؟ ! { يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ } أي : يرجع إليك البصر صاغراً متبعداً عن أن يجد تفاوتاً أو شقوقاً . من قولهم للكلب : " اخسأ " إذا طردوه ، أي : أبعد صاغراً . يقال : خسأته فخسأ . وقوله : { وَهُوَ حَسِيرٌ } أي : معي . ( وقال ابن عباس : " { خَاسِئاً } : ذليلاً { وَهُوَ حَسِيرٌ } أي : مرجف . وقال قتادة : معناه : { يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ } ، أي : معي ) ، وعنه قول ابن عباس . يقال : حسير ومحسور للرجل إذا بلغ غاية الإعياء . - ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلْنَٰهَا رُجُوماً لِّلشَّيَٰطِينِ … } . أي : زينا السماء بنجوم ترجم الشياطين بها إذا [ أتوا لاستراق ] السمع . قال قتادة : خلق الله هذه النجوم لثلاث : خلقها للزينة ، وترجم الشياطين ( بها ) ، وعلامات يهتدوا بها . و " رجوم " مصدر على قول من قال : إنما يرجم من [ النجوم ] بالشهب ، ولا تبرح النجوم ( بنفسها ) . ومن قال : بل يرجم بها نفسها قال : رجوم جمع رجم . - ثم قال : { وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ } . أي : وأعتدنا للشياطين في الآخرة عذاباً يسعر عليهم . - ثم قال : { وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } . أي : وللذين جحدوا توحيد ربهم في الآخرة عذاب جهنم ، وبئس المصير عذاب جهنم . - ثم قال تعالى : { إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ } . أي : إذا [ ألقي ] الكافرون في جهنم سمعوا لجهنم شهيقاً ، أي صوت الشهيق . والشهيق : الصوت الذي يخرج من الجوف بشدة كصوت الحمار . { وَهِيَ تَفُورُ } : تغلي بهم كما تغلي القدر . - ثم قال تعالى : { تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ … } . ( أي : تكاد جهنم تتفرق وتتقطع من الغيظ على الكفار ) . { كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ } . أي : كلما ألقي في جهنم جماعة سألهم خزنة جهنم فيقولون لهم : ألم يأتكم نذير في الدنيا ينذركم هذا العذاب الذي حل بكم ؟ [ فيجيبهم ] المشركون : { بَلَىٰ قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ … } ، فيقول لهم [ الخزنة ] . { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ } . أي : في ضلال عن الحق بعيد . " ونذير " : بمعنى منذر . - ثم قال تعالى : { وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِيۤ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } . أي : وقال الفوج لخزنة جهنم : لو كنا نسمع من النذير ما جاءنا به من الحق سماع قبول ، أو نعقل عنه ما يدعونا اليه فنفهمه فهم قبول ما كنا اليوم في أصحاب النار . وقيل : { [ نَسْمَعُ } بمعنى ] : نقبل منهم ما يقولون لنا . ومنه قولهم : سمع الله لمن حمده : أي قبل منه . والقول الأول هو بمنزلة قوله : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ } [ البقرة : 18 ] لم يكونوا كذلك ، ولكن لما لم ينتفعوا بهذه الجوارح في عاقبة أمرهم كانوا بمنزلة الصم والبكم والعمي . - ثم قال تعالى : { فَٱعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } . أي : فأقروا بذنبهم ، فبعدا لهم . قاله ابن عباس . وقال ابن جبير : { فَسُحْقاً } : هو واد في جهنم . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } . أي : إن الذين يخافون ربهم ولم يروه وقيل : معناه : يخافون ربهم إذا غابوا عن أعين الناس ، فمن خاف الله في الخلاء فهو أحرى أن يخافه بحضرة الناس . { لَهُم مَّغْفِرَةٌ } . أي : ستر على ذنوبهم وصفح عنها . { وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } . أي : وثواب عظيم ، وهو " الجنة " . - ثم قال تعالى : { وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِ … } . أي : وأخفوا كلامكم إن شئتم أو أعلنوه إن شئتم ، فإنه لا يخفى على الله منه شيء . { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ / ٱلصُّدُورِ } . أي : عليم بضمائر الصدور . فمن كان لا يخفى عليه ضمائر الصدور كيف يخفى عليه القول سراً كان أو جهراً . ؟ ! - ثم قال تعالى : { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } . " من " : في موضع رفع اسم الله جل ذكره . ويقبح أن تكون في موضع نصب لأنه يلزم أن يقال : " ألا يعلم ما خلق " ، لأنه راجع إلى ( ذات الصدور ) . فالمعنى : ألا يعلم من خلق الصدور سرها وعلانيتها ، كيف يخفى عليه خلقه وهو اللطيف بعباده ، الخبير بأعمالهم ؟ ! وإذا جعلت " من " بمعنى " ما " في موضع نصب ، كان فيه دليل قوي ) على أن الله خالق ما تكن الصدور من خير وشر . ففيه حجة [ قوية ] على القدرية الذين يدعون أنهم يخلقون الشر وأن الله لم يخلقه ولا قدره ، تعالى أن يكون في ملكه ما لم يخلقه وما لم يقدره ، بل لا خالق لكل شيء إلا الله ، ولو كان الشر لم يخلقه الله فمن خلق إبليس ؟ ! ومن خلق الأصنام التي تعبد من دون الله ؟ ! ومن خلق نطفة الزاني وولد الزانية ؟ ! ومن خلق قوة الزاني والسارق وقاطع الطريق ؟ ! وهو كله شر من خلق الله كما قال تعالى : { يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ فاطر : 8 ] . وقال : { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ } [ الأنعام : 112 ] ، فكلٌّ بمشيئته كان ، لا شريك له ، يفعل ما يشاء ، لا معقب لحكمه . وكذلك يكون المعنى إذا جعلت " من " في موضع رفع اسم الله جل ذكره [ ويكون التقدير : ألا ] يعلم الخالق خلقه وهو ( ما ) في الصدور ( من خير وشر فيهم ذلك أن الخلق كله لله : ما في الصدور ) وغيره . وقل أهل الزيغ : " من " في موضع نصب يراد به الخلق دون ما في الصدور ، فهو يدل على خلق أصحاب الأفعال دون الأفعال ، وهو خطأ ظاهر على ما قدمنا . - ثم قال تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً … } . أي : سهلاً سهلها لكم . { فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا } . قال ابن عباس : في جبالها ، وقاله قتادة ، وعن ابن عباس أيضاً : { مَنَاكِبِهَا } : أطرافها ، وقيل : نواحيها ، وقيل : معناه في جوانبها [ المذللة ] الممهدة . وقال مجاهد : " طرقها وفجاجها " . { وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ … } . ( أي : من رزقه ) الذي أخرجه لكم من الأرض . { وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ } . أي : وإليه نشوركم من قبوركم . - ثم قال تعالى : { أَءَمِنتُمْ مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ … } . أي : أأمنتم - أيها الكافرون - الله الذي في السماء أن يخسف بكم الأرض عقوبة على كفركم به ؟ ! { فَإِذَا هِيَ تَمُورُ } . أي : تضطرب . { أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِي ٱلسَّمَآءِ } ( وهو الله ) . { أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً … } . وهو التراب فيه الحصباء الصغار فيهلككم بذلك على كفركم . أي : لم تأمنوا [ من ذلك ] ، فما بالكم مقيمين على كفركم ؟ ! ثم قال : { فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } . أي : كيف عاقبة نذيري لكم إذ كذبتموه . ولا يعمل { فَسَتَعْلَمُونَ } " في { كَيْفَ } لأنها استفهام ، وهي خبر " نذير " . - ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ } . أي : ولقد كذّب الذين كانوا قبل هؤلاء المشركين رسلهم ، فكيف كان إنكاري لتكذيبهم ؟ ! ألم نهلكهم بضروب من النقمات ؟ ! - ثم قال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَـٰفَّـٰتٍ … } . أي : أو لم ير هؤلاء المشركون قدرة الله في الطير فوقهم في الهواء صافات أجنحتهن أحياناً ويقبضنها أحياناً ؟ ! . { مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ } ، فيكون لهم بذلك مذكر على قدرة الله وأنه لا يقدر على إمساك الطير على تلك الحال أحد إلا الله . { إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ } . أي : إن الله ذو بصر وخبر بكل شيء ، لا يدخل في تدبيره خلل ولا في خلقه تفاوت . - ثم قال تعالى : { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مِّن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } . أي : من ينقذكم من عذاب الرحمن إذا نزل بكم على كفركم ؟ ! ما { ٱلْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ } من ظنهم أن آلهتهم تقربهم إلى الله زلفى وأنها تنفع أو تضر . - ثم قال تعالى : { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ … } . أي : من يرزقكم أيها المشركون إن أمسك الرحمن رزقه عنكم . أي : من يأتي بالمطر إن أمسكه عنكم الرحمن . ثم قال تعالى : { بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ } . ( [ أي ] : بل تمادوا في طغيان ونفور ) [ من ] الحق استكباراً . ثم قال تعالى : { أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } . أي : أفمن يمشي في الضلالة أهدى أمن يمشي في الهدى ؟ ! يعني الكافر والمؤمن ، فهو مثل ضربه الله لهما في الدنيا . هذا معنى قول مجاهد والضحاك وابن عباس . قال قتادة : هذا في الآخرة ، أفمن يمشي مكبا على وجهه وهو الكافر ، أكب في الدنيا على [ المعاصي ] فحشره الله يوم القيامة على وجهه . - [ رواه ] عن النبي صلى الله عليه وسلم - ، قال : " فقيل : يا رسول الله كيف يحشر الكافر على وجهه / فقال : إن الذي أمشاه على رجليه لقادر أن يحشره يوم القيامة على وجهه " . وقيل : الذي يمشي مكباً على وجهه : أبو جهل ، والذي هو على صراط مستقيم : حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، ثم هو في كل من كان مثلهما .