Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 68, Ayat: 1-11)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

- قوله تعالى : { [ نۤ ] وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ } إلى قوله : { مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ } الآيات . قال ابن عباس : " ن هو الحوت . قال : أول ما خلق الله جل ذكره القلم فجرى بما هو كائن ، ثم رفع بخار الماء فخلقت منه السماوات ، ثم خلق الحوت ، فبسط الأرض على ظهر النون ، فتحركت النون فمادت الأرض فأثبتت بالجبال ، وإن الجبال لتفخر على الأرض . وهو قول مجاهد . وقال أبو هريرة : الأرضون على نون ، ونون على الماء ، والماء على الصخرة ، والصخرة لها أربعة أركان ، على كل ركن منها ملك قائم في الماء . وعن ابن عباس أيضاً من رواية عكرمة عنه : " " ن " حرف من حروف الرحمن . وروى معاوية بن قرة عن أبيه رفعه الى النبي صلى الله عليه وسلم أن نون لوح من نور " . وروى ثابت البناني عن ابن عباس أيضاً أن نون : الدواة والقلم : هو القلم المعروف . قال : خلق الله النون - وهي الدواة - وخلق القلم فقال : اكتب ، قال : ما أكتب ؟ قال : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل معمول بر أو فجور ، ورزق مقسوم حلال أو حرام ، قال : ثم ألزم كل شيء من ذلك شأنه / دخوله في الدنيا ومقامه فيها كم ، وخروجه منها كيف ، ثم جعل على العباد حفظة ، وجعل للكتاب خزانا ، والحفظة ينسخون كل يوم من الخزان عمل ذلك اليوم . يريد : قبل أن يعمله العبد ، [ فيعمل العبد ] في ذلك اليوم على ما [ نسخته ] الحفظة من عند الخزان لا يزيد ولا ينقص . هذا التفسير ليس من كلام ابن عباس ، وهو معنى قوله " وقد تقدم نحوه في " الجاثية " . قال ابن عباس : فإذا فني الرزق وانقطع الأمر [ وانقضى ] الأجل ، أتت الحفظة الخزنة فيطلبون عمل ذلك اليوم ، فتقول لهم الخزنة : ما نجد لصاحبكم عندنا شيئاً ، فيرجع الحفظة فيجدونه قد مات . ثم قال ابن عباس : ألستم قوماً عرباً تستمعون الحفظة ؟ ! يقولون : { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الجاثية : 29 ] . وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل ؟ ! . وروى معمر عن الحسن وقتادة أن نون هو الدواة . وروى ابن جبير عن قتادة أن { [ نۤ ] وَٱلْقَلَمِ } : قسم ، ( قال ) : يقسم ربنا بما شاء ، وهو قول ابن زيد . وقيل : هو اسم من أسماء السورة . وقيل : هو تنبيه . وقيل : التقدير : ورب نون . والقلم هو المعروف ، لكن أقسم ربنا بالقلم الذي جرى بأمره [ بما ] هو كائن إلى يوم القيامة . وقال زياد بن الصلق لابنه لما حضرته الوفاة : أي بني ، اتق الله ، واعلم أنك لم تتق الله ولم تبلغ العلم حتى تؤمن بالله وحده ، والقدر خيره وشره [ حلوه ومره ] ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ عز وجل : القَلَمُ ، فَقَالَ لَهُ : اكْتُبْ ، فقال : وما أكتب يا رب ؟ قال : اكْتُب الْقَدَرَ . قال : فَجَرى القلمُ في تلك الساعة بما كان ( وبما هو [ كائن ] ) إلى الأبد " . وروى ابن جبير عن ابن عباس أنه قال : إن مما خلق الله لوحاً من لؤلؤة [ أو درة ] بيضاء دَفَّتاه من [ ياقوته ] حمراء ، قلمه وكتابه نور ينظر فيه ستين وثلاث مائة نظرة ، في كل نظرة منها يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء . وقوله : { وَمَا يَسْطُرُونَ } . معناه : والذي يخطون ، يعني : يكتبون ، كأنه تعالى أقسم بأفعال الخلق هذا على أن تكون " ما " بمعنى " الذي " ، فإن جعلتها والفعل مصدراً كان القسم بالكتاب . وقال قتادة : { وَمَا يَسْطُرُونَ } : يخطون . وقال ابن عباس : يكتبون ، وكذلك قال مجاهد . وقيل المعنى : وما تكتب الحفظة من أعمال بني آدم . وروى أحمد بن صالح عن ورش : [ يصطرون ] بالصاد لأجل [ الطاء ] ، والأصل ( السين ) . - ثم قال تعالى : { مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } . " ما " جواب القسم . وهي نفي للجنون عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن المشركين ر ( موه ) بالجنون مرة ، وبالسحر مرة ، وبالكهانة ( مرة ) . والجنون ستر العقل . ومنه قيل : جن عليه الليل وأجنه إذا ستره . ومنه : الجنين ، لأنه كان مستوراً في البطن ، ومنه قيل للقبر : جَنَنْ . ومنه سمي الجن جناً لاستتارهم عن أعين الناس . وسمع من العرب على غير قياس : أجن فهو مجنون . والقياس : مجن . ثم قال تعالى : { وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ } . أي : إن لك ، يا محمد ، على صبرك على أذاهم لك لَثَوَاباً عظيماً { غَيْرَ مَمْنُونٍ } ، أي : غير منقوص ولا مقطوع ، ومنه قيل حبل منين ، أي : ضعيف . وقيل : { غَيْرَ مَمْنُونٍ } أي : لا يمن به عليك . وقال مجاهد : { غَيْرَ مَمْنُونٍ } أي : غير محسوب . - ثم قال تعالى : { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } . أي : لعلى أدب عظيم . وذلك أدب القرآن الذي أدبه الله ( به ) ، وهو الإسلام وشرائعه . وقال ابن عباس : { لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } ، أي : لعلى دين عظيم ، وهو الإسلام . قال قتادة : سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله ، فقالت : كان خلقه القرآن . وقال علي رضي الله عنه : { خُلُقٍ عَظِيمٍ } : أدب القرآن . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أكملُ الناسِ إيماناً أحسنُهم خلقاً " ، تأوله قوم : أحسنهم ديناً وطريقة على ما تأول ابن عباس الآية . وقيل : الخلق العظيم هو ما كان من البشاشة والسعي في قضاء حوائج الناس وإكرامهم والرفق بهم . - ثم قال تعالى : { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ } { بِأَييِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ } . [ أي : فسترى يا محمد ويرى المشركون بأيكم المجنون ، وهذا تأويل مجاهد . وقيل : المعنى : " بأيكم الجنون ] ، فيكون المفعول وقع [ موقع ] المصدر ، كما يقال : ما له معقول ، أي : عقل وهو قول ابن عباس والضحاك . وقيل الباء زائدة ، والمعنى : [ فسترى ] ويرون أيكم المجنون . وقيل : المعنى : بأيكم فتنة المفتون ، قاله المبرد . وقال مجاهد : { بِأَييِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ } أي : الشيطان . وقيل : المعنى : أيكم أولى بالشيطان ، فالباء ( أيضاً زائدة على هذا القول . روي / ذلك عن قتادة . وقيل : الباء بمعنى " في " ، والتقدير : في أيكم فتن المفتون ) . وقال المازني : التمام : فستبصر ويبصرون ، وهذا على زيادة الباء ، والتقدير : فستبصر ويبصرون يوم القيامة ، ثم ابتدأ : أيكم المفتون . وقال الأخفش : المفتون بمعنى الفتنة . والتقدير : بأيكم الفتنة ، وهذا التمام [ عنده ] . - ثم قال تعالى : { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ … } . أي : إن ربك يا محمد هو أعلم بمن جار عن طريق الحق ، وهو أعلم بمن اهتدى ، فاتبع الحق . وهذا من معاريض الكلام ، والمعنى : إن ربك يا محمد هو أعلم بك وأنك المهتدي ، وأن قومك هم الضالون . وهو مثل قوله : { وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ سبأ : 24 ] . - ثم قال تعالى : { وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ … } . أي ود المشركون لو تكفر بالله فيتمادون على كفرهم ، قاله ابن عباس والضحاك وسفيان . وعن ابن عباس أيضاً أن معناه : " وَدّ المشركون لو ترخص لهم فيرخصون " . وقال مجاهد : معناه : ود المشركون لو تركن إلى آلهتهم وتترك ما أنت عليه من الحق ( فيمالئوك ) . قال الفراء : الادهان : التليين [ لمن لا ينبغي التليين ] له . فالتقدير : وَدّ المشركون لو تلين لهم في دينك بإجابتك إياهم إلى الركون إلى آلهتهم فيلينون لك في عبادة إلهك ، وهو قوله : { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } [ الإسراء : 74 ] ، وهو مأخوذ من الدهن ، شبَّه التليين في القول بتليين الدهن . - ثم قال تعالى : { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } . ( أي : لا تطع يا محمد كل ذي إكثار للحلف بالباطل { مَّهِينٍ } : أي : ضعيف . قاله الحسن . وقال ابن عباس : المهين : الكذاب . وقال مجاهد : الضعيف القلب . وقال قتادة : هو المكثار في الشر . وقيل : معناه : مهين عند الله وعند المؤمنين أي : حقير . وقيل : مهين بمعنى : مهان ، و " فعيل " يأتي بمعنى " مُفعَل " . وروي أنها نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي ، ثم هي في كل من كان مثله . - ثم قال تعالى : { هَمَّازٍ } . أي : يهمز الناس - وأصله الغمز - أي : يعيبهم . وقال ابن زيد : هو الذي [ يغمز ] الناس بيده [ ويضربهم ] وليس باللسان . واللماز : الذي يذكرهم من ورائهم . ( وقيل : هما جميعاً [ لمن ] يذكر الناس من ورائهم ) . قال قتادة : { هَمَّازٍ } ( أي ) " يأكل لحوم المسلمين " . قال أبو عبيدة : " بعد ذلك " أي : مع ذلك . وقال : والزنيم ( هو ) المعلق بالقوم [ وليس ] منهم . وعن ابن عباس أيضاً أن الزنيم : [ الظَّلُوم ] . وقال شهر بن حوشب : " هو [ الجِلْفُ ] الجافي الأكول الشروب من [ الحرام ] . وقال عكرمة : " الزنيم : الذي يعرف باللوم كما تعرف الشاة بزنمتها . وقال أبو رزين : هو الفاجر . وقيل : نَزَلَتْ في الوليد بن المغيرة . وسئل ابن عباس عن الزنيم ، فقال هو " [ الدعي ] " . واشتقاقه : الزنمة التي في حلق الشاة . كما يقال لمن يدخل في قوم وليس . منهم : زِعْنَفَة . والزِّعْنِفَة : الجناحُ من أجنحة [ السَّمَكِ ] . ذكره المبرد بفتح [ الزاي ] ، وذكره غَيْرَهُ بالكسر . وعن ابن عباس أيضاً أن الزنيم هو رجل من قريش كانت له زنمة مثل زنمة الشاة . وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال : { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ } ما عرفناه حتى قال { زَنِيمٍ } فعرفناه ، وكانت له زنمتان [ كزنمتي ] الشاة . وروى عنه ابن جبير أن الزنيم الذي يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها ، وهو قول الشعبي . العتل : الجافي الشديد في كفره . وكل قوي شديد [ جاف ] فالعرب تسميه عتلا . وقال الفراء : العتل هنا : الشديد الخصومة بالباطل . قال الشعبي : نزلت في [ الأخنس بن شريق ] . وقال مجاهد : نزلت في الأسود بن عبد يغوث أو عبد الرحمن بن الأسود . - ثم قال تعالى : { مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ } . أي : يسعى بالنمائم بين الناس . قال ابن عباس : " بنميم : ينقل الكذب . يقال : نميم ونميمة " . وقال قتادة : بنميم : " بنقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض " . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة قتات " ، وهو النمام .